لا يكاد يمر شهر وإلا ومناسبة أو أكثر تعقد للحديث عن الريادة وشباب الأعمال لتعدد مزايا تأسيس منشأة وتنميتها. وهذا جديد سوى أن هناك من يتحدث عن ريادة الأعمال وكأن من سيدخل في غمارها مقبل على نزهة، في حين انها مغامرة هائلة أمام شاب يطرق الأبواب لبداية موفقة ناجحة، ولست هنا في مقام تثبيط الشباب، بل بالعكس ببيان أن علينا أن نمدهم بما يمكنهم من تحقيق بداية ناجحة لندعهم ينطلقون بعد ذلك. ومع أهمية النصح والإرشاد، إلا أن الشاب المقبل على دخول السوق ليعمل لحسابه بحاجة ليس فقط للتوجيه بل كذلك إلى من يتقاسم المخاطرة معه. نعم يجب أن تدرس تلك المغامرة ويحدد حجمها، لكن الخطر الأكبر على الشاب هو أن يتعلق بفكرة تجارية ثم يقترض من أجل تنفيذها، لتنتهي بعد ذلك تجربته إلى فشل، وليأخذ هو طريقه لسداد ما تراكم عليه من ديون! فيقضي سنوات يدفع تكاليف تلك التجربة!. ورغم وجود العديد من المؤسسات المنتشرة هنا وهناك لتقديم نوع أو آخر من الدعم والمساندة، إلا أننا وبالنظر إلى أهمية الريادة لاقتصادنا الوطني كمولد للابداع وكمصدر لتوليد فرص الاستثمار لاستيعاب رأس المال من جهة، وخلق فرص عمل من جهة أخرى، فنحن بأمس الحاجة لمؤسسة حكومية تتولى شأن المنشآت الناشئة والصغيرة. وقد يشير أحد إلى وجود بنك التسليف السعودي للقيام بذلك الدور، وهنا لا بد من بيان أن بنك التسليف هو مؤسسة غرضها الأساس تقديم القروض للأغراض الاجتماعية، وليس ادل على ذلك من أنه ضُم مؤخراً ليرأس مجلس إدارته وزير الشئون الاجتماعية. ويمارس البنك دوراً مهماً في الإقراض للزواج ولترميم المنازل، ولديه العديد من البرامج الاجتماعية الأخرى الضرورية والتي تساهم في سد ثغرة مهمة والتخفيف عن الأسر لتوفير متطلبات أساسية، ومن ذلك المنطلق فكل قروض البنك حسنة، باعتبار أن من يقترض لا يغامر تجارياً بل يغطي التزامات اجتماعية من نوع أو آخر. لكن ثمة مادة في نظام البنك (هي المادة الرابعة) تعطيه اختصاصاً كبيراً، يشوش في تقديري على الاختصاص الأصيل والأساس للبنك، وهو رعاية وتمويل المنشآت الناشئة والصغيرة، وهذا عبء ضخم أُلقي في حجر البنك، فمتطلبات نجاح البنك في الوفاء بتكليفه الجديد نسبياً يكاد أن ينافس مهمته في الإقراض الاجتماعي، فضلاً عن الفارق بين دراسة طلبات الإقراض الاجتماعي والاقراض للرواد ولإنشاء مؤسسات صغيرة من حيث الاطمئنان إلى تماسك الفكرة التجارية وقدرتها على توليد تدفقات نقدية كافية لإبقاء المشروع طافياً، على أمل أن يحقق بعدها في دنيا النجاح والربحية والتوسع. السؤال: هل يستطيع البنك أن يقوم بالمهمتين؟ قد تكون الإجابة بنعم، إذا قررنا إقامة بنكين في بنك! فالأهداف لغرض الإقراض الاجتماعي تختلف بل تتعارض مع الدعم الريادي والناشئ؛ فالأول يتجسد حقيقة في توفير سيولة لتغطية قصور في التدفقات النقدية لأسرة أو لشاب يتطلع لتأسيس أسرة، في حين أن الريادة أمرها مختلف، فمتطلباتها لا تبدأ ولا تنتهي بالدعم المالي، بل بمنظومة مترابطة ومتكاملة من صنوف الدعم تتطلب خبرة وعمقا، ورغبة في تحقيق نجاح مشترك لن يأتي إلا باحتضان وتسريع وتوفير التمويل مدعماً بالخبرات القائمة على تدريب الشاب حتى يتعلم المشي في أدغال السوق ومتاهاتها.
مشاركة :