كشف فريق من الباحثين في جامعة كامبريدج البريطانية أن تحديد تسلسل الجينوم البشري يمكن أن يحدث ثورة في تشخيص أمراض الطفولة النادرة. وسيكون جميع الأطفال المصابين بأمراض خطيرة في إنكلترا والذين يعانون من اضطراب، لا يمكن تفسيره، مؤهلين لتحليل الجينوم، والذي يتضمن رسم خرائط الكود الوراثي للشخص بالكامل، اعتبارا من العام المقبل. وأعلنت هيئة الإذاعة البريطانية أن الاكتشاف العلمي الجديد يتبع مشروعا في مستشفى أدينبروك وجامعة كامبريدج. وبعد أن وجدت الدراسة أن طفلا واحدا من بين كل أربعة أطفال في العناية المركزة يعاني من اضطراب وراثي، تمكن الباحثون من إجراء تشخيص في غضون أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع، مما أدى في بعض الأحيان إلى تغيير في العلاج أو تجنب الأطفال إجراء المزيد من الاختبارات الدقيقة. تمت متابعة تسلسل الجينوم لدى كل طفل ولدى والديه الاثنين لتقصي أي خلل جيني قد يطرأ. حتى الآن، تم إجراء التجربة على حوالي 350 طفلا في العناية المركزة في مستشفى أدينبروك وتم فك شفرة الحمض النووي لديهم وتحليلها كجزء من مشروع بحث (الجيل القادم من الأطفال). في ثلثي الحالات، حدث خلل الجينات تلقائيا عند الحمل بدلا من أن يورث. وكانت لدى الأطفال مجموعة من الاضطرابات بما في ذلك تشوهات الولادة والأعراض العصبية مثل الصرع وأمراض التمثيل الغذائي أو انخفاض النمو. قالت لوسي ريموند، أستاذة علم الوراثة الطبية والنمو العصبي في جامعة كامبريدج، والتي قادت المشروع “من المذهل أن تكون قادرا على إعطاء نتيجة ذات مغزى من تحليل تسلسل الجينوم بالكامل في غضون أسبوعين فقط، مقارنة بما سبق في حياتي المهنية، عندما قضينا سنوات نحاول ببساطة تحديد موقع جين واحد”. أحد الاكتشافات المفاجئة هو أن شكل الطفل وأعراضه السريرية وحدها كانت نادرا ما تنبئ بوجود حالة وراثية. وقالت البروفيسور ريموند إن المشروع سيستخدم كنموذج من قبل خدمة الطب الجيني (إن.إيتش.أس) وسيتم طرحه في جميع أنحاء إنكلترا في عام 2020. هذا يعني أن أي طفل في إنكلترا يُقبل على العناية المركزة وله حالة غير مفسرة سيكون مؤهلا، مع أبويه، لإجراء تحليل لتسلسل الجينوم الكامل وهو ما يعتبر أول خدمة صحية وطنية من هذا النوع في العالم. ويتميز هذا التشخيص بأنه أكثر سرعة. وقد كان هذا هو الحال بالنسبة إلى كلير كول وكريس دالي، وهما والدا ميلي ماي، واللذان يعانيان من شكل نادر من الصرع. عرض عليهما الباحثون تسلسل كامل للجينوم العام الماضي، بعد أن تم نقل ميلي ماي مرارا وتكرارا إلى المستشفى بعد إصابتها بنوبات حرجة. وقالت كلير لبي.بي.سي نيوز “لقد حصلنا على النتيجة عندما كانت في العناية المركزة وقاموا على الفور بتغيير أحد الأدوية التي كانت انعكاساتها تتفاقم بسبب نوع من الصرع. وأضافت “لقد رأينا فرقا كبيرا بمجرد حدوث هذا التغيير. جاءت نتيجة الاختبار بسرعة مذهلة وكانت لا تقدر بثمن، لأنها سمحت لنا بتوفير الأخصائيين في المكان المناسب من أجل إنقاذها”. أخبر الأطباء كلا من كلير وكريس، اللذين لديهما ثلاثة أطفال أكب سنا، أن حالة ميلي ماي كانت نتيجة طفرة عفوية بدلا من انتقالها منهما.وقالت كلير”تعاني ميلي ماي من متلازمة دريفيت وهي حالة خطيرة، لذلك كان من الصعب أن يتم إخبارنا، لكنني سعيدة لأن لدينا تشخيصا الآن ذلك أن عدم معرفته كان سيكون صعبا للغاية”. لدى ميلي ماي طفرة في جين (أس.سي.أن1.أي) وقد كشفت الاختبارات الوراثية الروتينية في النهاية عن هذا. لكن البروفيسور ريموند قالت إن هذا الاكتشاف كان سيستغرق عدة أشهر أخرى ومع الحالات الأخرى قد يستغرق الأمر سنوات حتى تحصل الأسر على تشخيص. وأضافت “لن يضطر الآباء والأمهات بعد ذلك إلى أن يعانوا دوامة البحث عن تشخيص والذهاب إلى متخصصين مختلفين لتكرار قصتهم ويمكننا استخدام هذا الوقت في التركيز على رعاية الطفل”. كما أصبح الانتقال إلى تحليل الجينوم الكامل ممكنا بسبب الزيادة الهائلة في سرعة التسلسل وانخفاض الأسعار، حيث يتطلب الأمر أقل من 1000 جنيه إسترليني. لكن البروفيسور ريموند تؤكد أن هذا يمكن أن يخفض في نهاية المطاف التكاليف من خلال تجنب الاختبارات التشخيصية المتكررة عند محاولة العثور على سبب اضطراب نادر والذي قد يستغرق في السابق سنوات عديدة. فكيف يمكن لتسلسل الجينوم الكامل مساعدة الأسر؟ في حالة كاتي وإيان بيكين، من إسيكس، فسر الأطباء أسباب وفاة ابنتهما سيرين وأكدوا لهما سلامة ابنهما وعدم تأثره بذات الأعراض. وُلدت سيرين في سبتمبر 2017، بصحة جيدة، لكن في غضون أسابيع قليلة بدأت تشكو من نوبات وتم قبولها في العناية المركزة. تدهورت حالتها وتوفيت بعد 13 أسبوعا. تم أخذ عينات دم من سيرين ووالديها وتم إرسالها لتسلسل كامل للجينوم. أكدت العينات أنها تعاني من اضطراب الميتوكوندريا القاتل ولكن لا يمكن تحديد سبب ذلك لأنه لم يتم العثور على متغيرات في أي جينات معروفة بأنها تسبب المرض. وجدت البروفيسور ريموند وفريقها نوعين في جين لم يتم الإبلاغ عنه سابقا وهو (إن.دي.يو.أف.آي 6) وأن سيرين ورثت واحدة من كل من الوالدين ولكن دور الجين لم يكن واضحا. في مايو 2018، اتصلت كاتي وإيان بمستشفى أدينبروك لإخبار الأطباء بأنها حامل، وهو ما دفعهم إلى طلب إجراء تحليل عاجل لجينوماتهما لتحديد ما إذا كان الزوجان قد مررا للجنين أيّ نوع من الاضطرابات المميتة. باستخدام تقنية “جينماتشر” التي تركز على مقارنة الحالات ومدى تطابقها، قامت البروفيسور ريموند بتحميل المتغيرات الجينية إلى قاعدة بيانات عالمية فوجدت ثلاثة أطفال آخرين يعانون من نفس الحالة النادرة بشكل لا يصدق، مما يؤثر على وظيفة الميتوكوندريا. نُشرت ورقة بحثية في غضون أسابيع، حيث سجلت الحالات الأولى للاضطراب وهو أمر ضروري لأن الخدمة الصحية الوطنية في بريطانيا لا توفر الاختبارات الوراثية ما قبل الولادة إلا إذا تم نشره في المنشور القانوني الطبي. تم أخذ عينات من مشيمة كاتي في الأسبوع 15 من الحمل، وتمت إزالة عينة صغيرة من الخلايا. ونظرا إلى أن كلا من الوالدين قد قام بنقل نسخة خاطئة من جين (إن.دي.يو.أف.آي 6) إلى سيرين، فهذا يعني أن هناك فرصة واحدة من كل أربعة لتكرار التجربة التي قد تسبب الوفاة الحتمية إلى ابنهما الذي لم يولد بعد. وفي انتظار نتيجة التحليل، قضى الوالدان بضعة أيام من القلق الشديد قبل أن يتلقيا مكالمة من البروفيسور ريدموند تخبرهما فيها بأن الحمل الثاني لن يتأثر. وقال إيان “لقد كانت لحظة مؤثرة للغاية؛ جلسنا وبكينا من السعادة والحزن بسبب ما مررنا به مع سيرين”. ولد ابن الزوجين، ريس، في ديسمبر 2018، أي بعد عام من وفاة أخته، وهو بصحة جيدة تماما. وقالت البروفيسور سو هيل، كبيرة المسؤولين العلميين في الخدمة الصحية الوطنية في إنكلترا “لدى الجينوم القدرة على تحويل مسار تقديم الرعاية للمرضى ولهذا السبب أعطت الخدمة الصحية الوطنية الأولوية لها في خطتها طويلة الأجل”. وأضافت “إن تجربة كامبريدج هذه مهمة لأنها لا تظهر الفوائد المحتملة لتسلسل الجينوم بأكمله لتحسين الرعاية بشكل كبير للأطفال المصابين بأمراض خطيرة ولكنها توضح أيضا أن هذه التكنولوجيا يمكن تقديمها كجزء من الخدمة الصحية الوطنية الرئيسية”.
مشاركة :