الصيام يغيث صاحبه يوم القيامة

  • 6/14/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أعطى الله سبحانه وتعالى لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم، ‬ومن بلاغته قوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه عنه عبد الرحمن بن سمرة‮: ‬‮(ورأيت رجلاً‮ ‬من أمتي ‬يلهث عطشاً‮ ‬كلما ورد حوضاً‮ ‬منع منه فجاءه صومه رمضان فسقاه وأرواه‮).‬‮‬فما أعظمك‮ ‬يا رسول الله وأنت تزف إلى الصائمين بشرى أن صيامهم سيكون نافعاً‮ ‬لهم في آخرتهم، مخففاً‮ ‬عنهم، ‬ملبياً‮ ‬احتياجاتهم‮.‬‮‬إن هذا الكلام البليغ‮ ‬يطمئن الصائمين إلى أن ثواب صيامهم سيكون حاضراً‮ ‬معهم في أي وقت‮ ‬يحتاجون إليه، حتى أن الرسول‮ صلى الله عليه وسلم ‬جسد الصيام وخاصة صيام رمضان بتقديم الماء لصاحبه مروياً عطشه. شربة لا ظمأ بعدها ‮وفي هذا المعنى‮ ‬يقول الدكتور أحمد عوض في كتابه‮ (‬موسوعة بلاغة الرسول‮)‬ ‬«من فضل الله تعالى على الصائمين أن جعل جزاءهم من جنس عملهم‮‬، ‬فها هو الصائم‮ يسقيه الله تعالى من حوض رسوله صلى الله عليه وسلم شربة لا‮ ‬يظمأ بعدها أبداً، ‬وها هو الصيام‮ ‬يأتي مدافعاً‮ ‬عن العبد في قبره‮ ‬يحول بينه وبين العذاب‮».‬‮«إن الصيام‮ ‬يأتي مرافقاً للعبد عندما‮ ‬ينفخ في الصّور وفي‮ ‬يوم القيامة نجد أبواباً أخرى من الخير وضحها هذا الحديث الشريف الذي‮ ‬يؤكد بلاغة الرسول‮ صلى الله عليه وسلم، ‬حيث‮ ‬يخبرنا أن الصيام‮ ‬يغيث لهفة صاحبه‮ ‬يوم القيامة، ‬عندما‮ ‬يظمأ الإنسان لشدة المشهد في ذلك اليوم أو لقلة زاده من الطعام‮ ‬غير أنه كان‮ ‬يصوم، ‬أوكان‮ ‬يطعم الصائمين وكان‮ ‬يجوب عليهم فعندئذ لا‮ ‬يجد إلا الصوم منقذاً‮ ‬له من هذا العطش الشديد فمن أظمأ نفسه لله تعالى كان حقاً‮ ‬على الله أن‮ ‬يسقيه‮ ‬يوم القيامة‮».‬‮‬و«هنا نرى فضل الله تعالى في كون الصيام‮ ‬يباعد بين العبد والعذاب‮ (‬ما من عبد‮ ‬يصوم‮ ‬يوماً‮ ‬في سبيل الله تعالى إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً‮) ‬فكل هذه المعاني التي جمع الخير من خلالها للصائم تتجسد له‮ ‬يوم القيامة في هذه الصورة البديعة التي نتلمس أركانها في هذا الحديث الشريف‮».‬ الجانب الوصفي ‮ويوضح أن الجانب الوصفي التمثيلي هو أساس بلاغة هذا الحديث الشريف، حيث‮ ‬يصف لنا صلى الله عليه وسلم ‬حالة الرجل، ‬فنجده‮ (‬يلهث‮) ‬ثم نراه عطشاً‮ ‬يسعى إلى النجاة وغايته أن‮ ‬يُدرك ماء‮ ‬يروي به ظمأه فإذا هو متخبط، كلما ورد حوضاً‮ ‬منع منه وعندئذ‮ ‬يُدركه الصيام ساقياً‮ ‬مغيثاً‮ ‬لهفته‮.. ‬مروياً ظمأه.‮‬ويواصل الدكتور عوض إبراز الجوانب البلاغية في حديث الرسول‮ صلى الله عليه وسلم ‬مؤكداً دقة التعبيرات وقوتها فيقول‮: «‬إن كلمة‮ (‬يلهث) تدل على شدة العطش والبحث عن الماء، وكلمة (كلما‮) ‬توحي بكثرة تردد الرجل على أحواض الماء راغباً‮ ‬في الشرب، ‬أما كلمة‮ (‬منع‮) فإنها ‬توحي بالملائكة الذين‮ ‬يمنعونه من ورود الماء‮».‬‮«وقوله‮ (‬فجاءه‮) ‬نفهم منه سرعة إغاثة الصيام له؛ إذ جاءه حسياً‮ و‬أخذ بيده إلى حوضه‮، ‬وذلك من خلال التعبير بالفاء في أول الفعل فجاءه‮».‬‮ويتوقف الدكتور عوض أمام تتابع الجمل الفعلية في هذا الحديث الشريف، حيث‮ ‬يقول الرسول‮ صلى الله عليه وسلم: (‬رأيت رجلاً‮) ‬ثم‮ ‬يقول‮ (‬يلهث عطشاً) ثم‮ ‬يقول: (فجاءه صومه رمضان)، وإن هذا التتابع‮ في تصوير العلاقة بين المسلم والصيام‮ ‬يوم القيامة يدل على التحول من حالة إلى أخرى، واستخدام الرسول‮ صلى الله عليه وسلم (‬الفاء‮) ‬مرتين في هذا الحديث في الربط بين الجمل (فجأه صومه رمضان فسقاه وأرواه‮) ‬يدلنا على سرعة الاستجابة لحالته وعلى ارتباط فعل الشرط بجوابه‮.‬ تكفير الذنوب ‮ونتوقف مع د. عوض أمام إعجاز بلاغي جديد للرسول صلى الله عليه وسلم، حيث‮ ‬يقول‮: (‬فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره، ‬تكفرها الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، ‬فهذا الحديث‮ ‬يبرز جانباً‮ ‬جديداً‮ من فضائل صيام شهر رمضان، ‬ذلك أنه مكفر للذنوب والخطايا، ‬ومطهر للمسلم‮.‬‮ويقول‮: «‬إن الفرائض بتتبعها واستبيانها مثل النهر الجاري‮ ‬الذي‮ ‬يغتسل فيه المسلم كي‮ ‬يطهر نفسه ويغسل قلبه فتجتمع له طهارة الظاهر والباطن، ولا‮ ‬يخفى أن صوم رمضان بإيمان واحتساب‮ ‬يغفر ما تقدم من الذنوب كما أخبر بذلك الرسول‮ صلى الله عليه وسلم».‮ ‬إن تكفير الذنوب للصائم‮ ‬ينسحب على صوم رمضان وعلى صيام التطوع مثل صيام‮ ‬يوم عرفة الذي‮ ‬يكفر ذنوب سنتين‮، ‬وصيام‮ ‬يوم عاشوراء الذي‮ ‬يكفر ذنوب سنة‮. ‬وقد جاءت إشارة النبي صلى الله عليه وسلم ‬إلى الصوم مكفراً‮ ‬للخطايا ضمن الفرائض التي‮ ‬تغفر بها الخطايا وتذهب بها السيئات، فذكر الجملة‮ ‬الفعلية لجواب الشرط الصلاة والصيام والصدقة، وهذا تفصيل من الرسول صلى الله عليه وسلم ‬لهذه الطاعات التي‮ ‬يمحو الله سبحانه وتعالى بها الخطايا التي‮ ‬يقع فيها المسلم‮.‬‮ ‬إن هذين الحديثين الشريفين واللذين‮ ‬يعدان من جوامع الكلم التي أعطاها الله سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم‮ ‬يؤكدان بلاغته، ‬ويرشدان المسلم إلى أهمية صيام شهر رمضان ويوضحان ضرورة الاستفادة بهذا الصيام في تكفير ذنوبه وفي نيل عظيم الثواب من الله عز وجل في الدنيا والآخرة، وأهم الدروس التي‮ ‬يتعلمها المسلم أن صيامه بإيمان وإخلاص واحتساب لله عز وجل وحده‮ ‬يظل ملازماً‮ ‬له في الدنيا بتكفير الذنوب، ‬وفي الآخرة بتلبية احتياجاته‮ ‬يوم المشهد الصعب الذي تعيشه البشرية كلها حيث يثاب المرء على ما قدم من خير في دنياه ويحاسب على ما اقترف من آثام‮.

مشاركة :