اتخذ كارل بوم مدير موسيقى أوبرا فيينا الحكومية موقفا متحديا عندما عاد إلى العاصمة النمساوية في عام 1956 بعد فترة راحة استمرت خمسة أسابيع، بعيدا عن العمل، انتقدها البعض باعتبارها كانت طويلة للغاية. وقال بوم في تصريحات عبر ميكروفون أحد المراسلين الصحافيين في المطار “لست مستعدا للتضحية بمسيرتي المهنية الدولية من أجل أوبرا فيينا الحكومية”. وخلال عرض أوبرا “فيديليو” لبيتهوفن في دار الأوبرا المشهورة على الصعيد العالمي بعد ذلك بفترة ليست بالطويلة، واجه جمهور الحاضرين موقفه المتحدي بموقف مماثل من جانبهم لإظهار استيائهم من غيابه. وذكرت صحيفة “بيلد تليغراف” في شهر مارس من ذلك العام “دوت صيحات الاستهجان والتصفير من الأروقة حتى المقاعد، وكان هذا صوت الجمهور الغاضب”. وكان لزاما على المدير بوم أن يترك منصبه، وحل محله هربرت فون كارايان، الذي رفع دار الأوبرا إلى أعلى مستويات الثقافة بفضل النجوم المشهورين عالميا الذين استقدمهم لتقديم عروض في دار الأوبرا. وتاريخ دار الأوبرا في فيينا، وهي مؤسسة وطنية، زاخر بقصص من هذا القبيل. وتحتفل دار الأوبرا بعيد ميلادها الـ150 في عام 2019، ولكن لن يكون هناك حفل كبير هذا العام، فالهدف هو أن يتحدث الفن عن نفسه. ومتحدثا عن فعاليات الاحتفال بذكرى تأسيس دار أوبرا فيينا، قال المدير العام دومينيك ماير “إنها سوف تستغرق ساعة واحدة، وسوف يتم إلقاء ثلاث خطب، ثم تنتهي”. ونظّم ماير العرض الأول لعيد ميلاد الأوبرا في 25 مايو، وبعد مرور 100 عام على أول عرض لأوبرا ريتشارد شتراوس بعنوان “امرأة بلا ظل”، قاد كريستيان تيليمان إنتاج نسخة جديدة من إخراج فينسنت هوغيه غير المعروف نسبيا. وكانت أسماء طاقم الممثلين مألوفة كثيرا، بما في ذلك ستيفن غولد وكاميلا نيلوند وإيفلين هيرليتيوس ونينا ستيم. وخلال الاستعداد للفعالية، سأل تيليمان عما إذا كانت فرقة الأوبرا لا تزال تحتفظ بالسجل الأصلي منذ عام 1919، فأجاب ماير بقوله “بالطبع، السجل مازال موجودا لدينا”. والفرنسي ماير (63 عاما) مسؤول منذ عام 2010 عن إدارة دار الأوبرا التي تقدم ألف عرض سنويا بميزانية تبلغ حوالي 120 مليون يورو (134 مليون دولار). وبالنسبة له، كان من المهم أيضا ألا تكون هذه الذكرى مناسبة قاصرة على 2300 ضيف من كبار الشخصيات. وكان هذا هو السبب وراء تضمين البرنامج أيضا حفلة موسيقية مجانية في الهواء الطلق أمام دار الأوبرا، والتي بسببها تم إغلاق شارع رنجشتراسه الشهير في فيينا أمام حركة المرور. وتضم دار الأوبرا، التي تقام فيها الفعالية الاجتماعية النمساوية السنوية الشهيرة، أكبر عدد من المؤلفات الفنية في العالم. ولدى ماير وفريقه 120 عملا موسيقيا و62 رقصة باليه. وإذا انسحب أحد المغنين من العرض، فإن الفرقة لديها المعدات لثلاثة أعمال أوبرالية لتقديمها في الحالات الطارئة وهي “توسكا” و”إكسير الحب” و”دون باسكوال”.وقال مدير الشؤون الفنية بيتر كوزاك “إذا حدثت حالة طارئة وسط النهار، فإنه يمكننا عرض هذه الأعمال الثلاثة في الساعة السابعة مساء”. وبحسب هربرت كرامر من الفريق الفني، يتطلب الإنجاز الضخم المتمثل في عرض 55 أوبرا و10 رقصات على المسرح في الموسم الحالي مهارات 340 فردا من الكوادر الفنية. وتضم هذه الكوادر منجدين ونجارين ورسامين وصانعي أقفال وحتى صانع حبال. وقال “إذا كان الوضع المالي في حالة جيدة، فسوف نحصل على أشخاص سيئين للغاية”، في إشارة إلى ساعات العمل غير الجذابة في الكثير من الأحيان. وأحدث فضيحة هزت دار الأوبرا كانت تتعلق بأكاديمية الباليه في دار الأوبرا. وتم اتهام معلمة تم فصلها منذ ذلك الحين بالتحرش بالطلاب وإساءة معاملتهم، ويتردد أن الإذلال والعنف والترهيب انتشرت على نطاق واسع تحت قيادتها. ومع ذلك، فإن ما لا جدال فيه هو جاذبية راقصي الفرقة، حيث أن أداءهم يجذب نسبة حضور تبلغ 99.88 بالمئة، وهذه النسبة أعلى حتى من نسبة حضور الجمهور عروض الأوبرا التي تبلغ 99.37 بالمئة. وأدخل عرض أوبرا بحيرة البجعة في عام 1964 الفرقة في موسوعة غينيس للأرقام القياسية بعد أن طلب الجمهور المنبهر بالأداء من الممثلين الاصطفاف على خشبة المسرح 89 مرة بعد انتهاء العرض لتحيتهم على أدائهم. ويعني ارتفاع الطلب على التذاكر في دار أوبرا فيينا، أن العديد من عشاق الأوبرا مستعدون للوقوف في طوابير لساعات للحصول على تذكرة واحدة من 500 تذكرة مخصصة للأماكن التي يقف فيها المشاهدون فقط بعد نفاد التذاكر الخاصة بالمقاعد، وتبلغ قيمة التذكرة الواحدة للأماكن المخصصة للوقوف 10 يورو. ومتحدثا عن المرة التي ذهب فيها للحصول على تذكرة للأماكن المخصصة للمشاهدين الواقفين، قال المغني ميشائيل شاد “لم أشاهد مطلقا مجموعة من الأشخاص كان لديهم تصميم قوي، ومتحمسين ومخلصين للغاية، وفي الوقت نفسه كانت تصرفاتهم وقحة”. وقوبل قرار الفرقة بتنظيم العرض العالمي الأول في عام 2018 بعد توقف دام ثماني سنوات بتقييمات متباينة. وكان من المفترض أن تتناول أوبرا “دي فايدين”، للمخرج يوهانس ماريا شتود الخطر الذي تمثله الحركات المتطرفة والشعبوية اليمينية على الديمقراطية، لكنها تعرضت لاتهامات باحتواء الكثير من الأفكار المبتذلة التي عفا عليها الزمن. وأوبرا فيينا الحكومية يطاردها النقد. وبحلول الوقت الذي تم فيه افتتاح المبنى في 25 مايو 1869، كان مهندساها المعماريان، أوغست زيكارد فون وإدوارد فان دير نول قد توفيا. وانتحر فان دير نول لأنه لم يستطع تحمل النقد العام لمبنى الأوبرا، فقد كانت الشوارع المحيطة بدار الأوبرا أعلى بمقدار متر واحد مما كان مخططا لها في الأصل، مما أدى إلى إطلاق الاسم المستعار المهين “الصندوق الغارق” على المبنى الجديد. وتوفي المهندس المعماري المشارك له بعد فترة ليست بالطويلة جراء الإصابة بمرض الرئة. وتحكي الأسطورة أن الإمبراطور فرانز جوزيف الأول، أحد أشد منتقدي المبنى، تخلى عن تعليقاته اللاذعة بسبب وفاة المهندسين الاثنين، ولجأ بعد ذلك إلى استخدام عبارات متداولة مثل “إنه كان جميلا للغاية وكنت سعيدا به”.
مشاركة :