يرى البعض أن التفكير النقدي هو القدرة على التحقق من الافتراضات او الأفكار او الأخبار هل هي حقيقية، أم تحمل جزءاً من الحقيقة، أم غير حقيقية. في حين يُعرف التفكير النقدي بأنه تفكير تأملي معقول يركز على ما يعتقد به الفرد او يقوم بأدئه. وهو فحص وتقويم الحلول المعروضة من أجل إصدار حكم حول قيمة الشيء. ويعتبر التفكير النقدي في نظر د. عبدالكريم بكار هو أرقى أنواع التفكير وهو في الحقيقة أحد ألوان التفكير الإبداعي، وهو على درجة عالية من الأهمية على طريق التغيير والإصلاح. أغلب الدراسات في مجال المناهج وتنمية التفكير توصلت إلى: أن التفكير مهارة من المهارات الأساسية المهمة في المجالات التعليمية لعلاقاتها بتطوير قدرات الطلاب وتنمية تفكيرهم، فالمعرفة أصبحت لا تقتصر على ما يتلقاه الطالب في الحصة الدراسية، ولم تعد غاية في حد ذاتها بل وسيلة للتعليم والتدريب على مهارات التفكير العليا حتى يصبح الطلاب قادرين على مواجهة مصاعب الحياة ومشاكلها ويصبحون قادرين على اتخاذ القرارات المناسبة في حياتهم. لوزير التعليم السعودي السابق د. أحمد العيس رؤية حول التعليم والتفكير النقدي تقول إنه من الأهمية بمكان تعليم الطلاب مهارات التفكير النقدي وتدريبهم منذ الصغر على تحليل ونقد الظواهر المعلومات والادعاءات لمعرفة ماذا كانت صحيحة او غير صحيحة جزئياً او خاطئة بدلاً من التسليم التلقائي وقبل ما يتلقاه الطالب دون فحص ومناقشة او اقتناع، وإن الاهتمام بهذه المهارات يتجاوز الطرح الأكاديمي في المؤتمرات إلى قيام مؤسسات ومنظمات وبرامج تسهم في زيادة الوعي بأهمية هذه المهارات، وتقدم التجارب والوسائل المناسبة لتطبيقها على المستوى التعليمي لكل المراحل العمرية. هذا الاهتمام بالتفكير النقدي يزداد يوماً بعد يوم نتيجة الانفجار المعرفي واختلاط المفاهيم والمصطلحات والحقائق العلمية بالآراء المجردة التي لا تستند إلى دليل يثبت صحتها بالتجربة العلمية أو القياس. وإذا كان – كما يبين – التفكير النقدي مهماً في العلوم الطبيعية البحتة كعلوم الطب والفيزياء والكيمياء وعلوم الأحياء والظواهر المناخية والطبيعية الأخرى وغيرها، فإنه مهم ايضاً في العلوم الإنسانية التي تتأثر بالأهواء والرغبات والتوجهات السياسية والدينية وغيرها. وعلى هذا الأساس يفسر لماذا سعت الأنظمة التعليمية في كثير من دول العالم إلى تطوير المناهج والمقررات العلمية في المدارس والجامعات وفق منظومة متقنة تشمل أهدافاً تعليمية تتجاوز نقل المعرفة إلى اكتشافها، وتبحر بالطالب من خلال الأنشطة المتنوعة والواجبات المنزلية التي تعزز مهارات التحليل المنطقي، وتدفعه نحو الاستفهام وفهم العلاقة المنطقية بين الأفكار، وعدم التسليم بالآراء والحجج من دون تمحيص، وتحثه على الكشف عن المتناقضات، وحل المشكلات بطريقة منهجية، والتعرف على الأفكار المتشابهة او ذات الصلة بالفكرة الأساسية لدعم الاقتناع والتبرير. وإذا كان ثمة قصور في النظام التعليم في كل مراحله خصوصاً في مراحل التعليم العام التي تعتبر الأساس في تكوين منهجية البحث ومنهجية التفكير النقدي في عقل الطالب، وعدم الاهتمام بغرس هذه المهارات في مناهج وطرق التدريس وهو أكثر بعداً عن تدريب المعلمين والمعلمات في كيفية تطبيق مهارات التفكير النقدي في دروسهم وأنشطتهم التعليمية التي يقدمونها لطلابهم فإن هذا القصور يعود – وفق وجهة نظره – إلى ثقافة تأصلت في فضائنا المعرفي والتعليمي منذ قرون عدة. هذه الثقافة تقدس المعلوم وتخاف من المجهول، تحتفي بالتقليد وتخشى من الاجتهاد تضع الآراء والأقوال التي نطق بها البشر في مصاف الحقائق العلمية والثوابت الدينية، ولا تسمح بنقدها او التشكيك في صحتها وثبوتها، وبسبب ذلك جاءت صياغة فلسفة العليم في نظامنا التعليمي منذ نشأته على أساس أن الكتاب المدرس هو المنهج الذي رتبت فيه المواضيع التي ألفها سدنة التعليم، فيجب على الطالب درسها وتعلمها من خلال حفظ المعلومات والقواعد والنظريات والمعادلات وتبويبها وتلخيصها، ويكون ذلك كله من خلال المعلم الذي منحه النظام صفة المهيمن على المعلومة والحارس لجلالها وقدسيتها، وبطريقة الشرح والعرض والتكرار، وفي الأخير يتم تقويم تحصيل الطالب من خلال الاختبارات التي تبدأ بـ «عدّد» و«عرّف» و«اذكر». فإذا كانت فلسفة التعليم قديمة لا تمثل خيار الأمة والوطن، لأنها كانت تخشى من فلسفات تربوية جديدة قد يراها البعض أنها خطر يهدد عقول الطلاب ومستقبل ثقافة المجتمع وثوابته.. فإن الخوف الشديد من أن يتم التحجير على عقول الطلاب خوفاً من التمرد والشك والأفكار الغربية، ومن تكريس أسلوب الحفظ والتلقين في مجال العلوم الإنسانية ومن ضمنها العلوم الشرعية أكثر من غيرها من العلوم. لأن ذلك يسهم في وجود جيل جديد من التربويين والشرعيين والمختصين بعلوم التاريخ والجغرافيا وعلوم الاجتماع لا يملكون إلا النزر اليسير من القدرات العقلية التي تشرح وتحلل وتقارن وتربط القديم بالجديد وتسهم في حل المشكلات التي يواجهها الإنسان في عمله وبيته ومجتمعه، وهو ما أسهم في تكوين نظرة دونية قاصرة عن تلك العلوم عند الناس، بينما نجد أن معظم القادة السياسيين والقادة التنفيذيين في شركات الأعمال والمخططين الاستراتيجيين في مراكز البحث في الغرب هم من خريجي كليات العلوم الإنسانية، وليسوا من خريجي الكليات العلمية. الخلاصة إن ما نراه اليوم لدى من أبناء الجيل الجديد من ضعف في الشخصية، وضعف في الحجة وكسل معرض وتواضع في فهم المستجدات وتقدير حجمها وأهميتها، والانسياق السهل خلف الشعارات، كل ذلك بسبب عدم اهتمامنا بتعليمهم وتدريبهم على مهارات التفكير النقدي من الصغر، ولهذا فالواجب أن نسعى إلى ردم هذه الهوة في نظامنا التعليمي، وألا سنبقى في عداد الأمم المتلقية والمستهلكة لمنتجات الحضارة من دون أن نسهم في صناعتها!.
مشاركة :