من الصعب للغاية أن تجد الكلمات المناسبة لوصف اللاعب الألماني لوثار ماتيوس، فهل هو لاعب خط وسط يجيد اللعب بدءاً من منطقة جزاء فريقه حتى منطقة جزاء الفريق المنافس، أم أنه «ليبرو» في طريقة اللعب التي تعتمد على ثلاثة لاعبين في الخط الخلفي؟ إنه صاحب أكبر عدد من المباريات الدولية مع المنتخب الألماني، لكنه لا يزال غير محبوب إلى حد ما. كما أنه يجيد ألعاب الهواء بشكل استثنائي، رغم أن طوله لا يتجاوز 1.74 سنتيمتراً. ورغم أنه يعد أسطورة حية من أساطير نادي بايرن ميونيخ الألماني، فإن أفضل أداء له مع الأندية كان مع نادي إنتر ميلان الإيطالي. إنه لاعب فذ، لكنه يتسم بالغرور، الذي يبدو أنه صفة أساسية في كل عظماء اللعبة.وحتى مجيئه ضمن قائمة اللاعبين الذين أُجريت معهم سلسلة من المقابلات الصحافية حول أعظم اللاعبين في فترة التسعينات من القرن الماضي، قد لا يبدو منطقياً للبعض، نظراً لأن مسيرة اللاعب الألماني السابق قد استمرت لمدة تقترب من أربعة عقود. لكن على أي حال فإن نجاحاته الكبيرة وإخفاقاته الشديدة أيضاً في فترة التسعينات من القرن الماضي هي التي جعلتنا نضمه إلى هذه القائمة، وبخاصة أنه خلال تلك الفترة قاد منتخب ألمانيا الغربية للحصول على كأس العالم عام 1990، لكنه شاهد فريقه بايرن ميونيخ وهو يخسر المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا أمام مانشستر يونايتد في اللحظات الأخيرة من عمر المباراة عام 1999، أي قبل 20 عاماً من الآن.يقول ماتيوس بلغة إنجليزية متقنة عن المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا: «لقد كنا الفريق الأفضل في ذلك اليوم، لكننا فقدنا التركيز، بالإضافة إلى أن الحظ ساند مانشستر يونايتد. ربما كان الأمر سهلاً للغاية بالنسبة لنا طوال التسعين دقيقة، فقد سيطرنا على مجريات اللقاء تماماً، لكننا لم نسجل الهدف الثاني». وكان بايرن ميونيخ متقدماً بهدف دون رد ومسيطراً على اللقاء، قبل أن يخرج ماتيوس في الدقيقة الـ80 بسبب شعوره بالإرهاق. وكان ماتيوس في الثامنة والثلاثين من عمره آنذاك، لكنه كان لا يزال أحد أفضل اللاعبين في العالم، حيث حصل على جائزة أفضل لاعب ألماني في ذلك الموسم. وكان ماتيوس مميزاً للغاية في القيام بواجبات ومهام الليبرو خلال السنوات السابقة، لكنه في هذه المباراة لعب في خط الوسط وساعد فريقه على السيطرة تماماً على وسط الملعب، الذي كان يعاني فيه مانشستر يونايتد بشدة بسبب غياب لاعبيه روي كين وبول سكولز بداعي الإيقاف.يقول ماتيوس: «في هذه المباراة لعبت في وسط الملعب أمام ديفيد بيكهام، وشعرت بالتعب بعد 80 دقيقة. كان الأمر يتطلب الركض بطريقة مختلفة وسرعة مختلفة عما كان عليه الوضع عندما كنت ألعب في خط الدفاع. أنا لا أعرف إلى أي حد افتقدني الفريق عندما خرجت من المباراة، وربما كان هذا التغيير خطأ». وقد انهار بايرن ميونيخ في اللحظات الأخيرة من المباراة واستقبل هدفين في الوقت المحتسب بدلاً من الضائع، وهو ما يثبت أن خروج ماتيوس كان خطأ بالفعل، لكن قدرة ماتيوس على اتخاذ قرارات لصالح الفريق على حساب مجده الشخصي كانت صفة مميزة للغاية بالنسبة له، لكن كثيرين لم يلحظوا ذلك.وقد حدث موقف مماثل في المباراة النهائية لكأس العالم عام 1990، لكن في هذه المرة لم يكن الأمر يتعلق بشعوره بالإرهاق، لكنه كان يتعلق بما إذا كان ماتيوس – الذي كان الخيار الأول للمنتخب الألماني في تنفيذ ركلات الجزاء – سيسدد ركلة الجزاء التي حصل عليها منتخب بلاده في الدقيقة الـ85 من عمر المباراة أم لا. وقد اتخذ ماتيوس القرار الصحيح في هذا الموقف.يقول ماتيوس: «لقد تمزق حذائي في شوط المباراة الأول أمام الأرجنتين، وغيّرته بين شوطي المباراة بحذاء من نوع مختلف تماماً، لكنني كنت أشعر بأنه غير طبيعي في الشوط الثاني. لذا؛ أخبرت زميلي المدافع أندرياس بريمه بأنني لا أشعر بأنني على ما يرام، وطلبت منه أن يسدد هو ركلة الجزاء. وقد طلب مني المدير الفني للمنتخب الألماني آنذاك، فرانك بيكنباور، مرات كثيرة بألا أسأله عن شيء أراه داخل الملعب وطلب مني أن أقوم بما أعتقد أنه الصواب». وبالفعل، تقدم بريمه لركلة الجزاء وأحرز هدف الفوز، ورفع ماتيوس كأس العالم بصفته قائداً للمنتخب الألماني، لكن كان من الرائع أن يتحلى بالقوة الذهنية التي تمكنه من الانسحاب من تنفيذ ركلة جزاء في مباراة بهذه الأهمية وأن يختار اللاعب المناسب لتنفيذها.وبمجرد أن تدخل على موقع ماتيوس على شبكة الإنترنت، فإن أول كلمات ستجدها فيه هي «الإصرار والكمال»، مع شعار يقول: «لكي تحقق النجاح، لا توجد حلول وسط». وفي الحقيقة، فإن هذه الكلمات تلخص شخصية ماتيوس تماماً، تلك الشخصية القوية التي ساعدته على تحقيق نجاح هائل، والتي أقنعت المدير الفني لنادي بايرن ميونيخ، أوتمار هيتسفيلد، بالموافقة على تغيير ماتيوس في المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا عام 1999، التي منحت بريمه الثقة اللازمة لتنفيذ ركلة الجزاء في المباراة النهائية لكأس العالم عام 1990 أمام الأرجنتين.وفي إنجلترا، فإن أول ما يتبادر إلى الأذهان بشأن كأس العالم 1990 هو خسارة المنتخب الإنجليزي أمام نظيره الألماني، ودموع النجم الإنجليزي بول جاسكوين بعد الخسارة بركلات الترجيح. وبينما كان لاعبو المنتخب الألماني يحتفلون بإهدار كريس وادل ركة الترجيح والركض نحو حارس المرمى بودو إلغنير، فقد كان ماتيوس هو أول من يتجه نحو وادل ويحتضنه ويواسيه بعد إهداره لركلة الجزاء.يقول ماتيوس عن ذلك: «لقد كان وادل أحد أفضل لاعبي المنتخب الإنجليزي، وكنت أحترمه كثيراً. إنني متأكد أنه لم يكن باستطاعتي مساعدته في هذا الموقف الصعب، لكن بالنسبة لي كان الذهاب إليه رد فعل طبيعياً. لقد قلت له إنني أشعر بالأسف لما حدث له، وأنا أعرف هذا الشعور جيداً؛ لأنني أهدرت ركلة جزاء مهمة في المباراة النهائية للكأس عام 1984». وقد كانت هذه المباراة هي المباراة النهائية لكأس ألمانيا، وكانت الأخيرة لماتيوس مع النادي الذي لعب له منذ طفولته، وهو بوروسيا مونشنغلادباخ، قبل أن ينتقل إلى نادي بايرن ميونيخ. لكن هذا الانتقال كان على وشك الانهيار بسبب عوامل تتعلق بالرعاية، حيث نشأ ماتيوس في بلدة هيرتسوجيناوراخ الصغيرة، حيث تم تأسيس شركتي بوما وأديداس من قبل الأخوين داسلر، وحيث ما زالت الشركات الرياضية تعمل هناك حتى يومنا هذا.يقول ماتيوس: «كانت كل عائلتي تعمل في شركة بوما. لقد عملت والدتي هناك، وقد كان والدي هو من يفتح الشركة ويغلق أبوابها في المساء. وكنا نعيش في المبنى المجاور على بعد خطوات قليلة من الشركة، وكان من المفترض أن أعمل أنا أيضاً في هذه الشركة. وكان الـ300 شخص الذين كانوا يعملون هناك يعرفونني جيداً، فقد كانت هذه هي المنطقة التي شهدت بداية مغامرتي في كرة القدم، وكنت أعرف كيفية القيام بكل شيء، لدرجة أنني كنت أعرف كيف أصنع نعل الحذاء».ويضيف: «في ذلك الوقت، كان يُسمح للاعبين أن يلعبوا مع بوروسيا مونشنغلادباخ بأحذية بوما فقط، بينما كان مسموحاً للاعبي بايرن ميونيخ بأن يلعبوا بأحذية أديداس. لذلك؛ عندما التقيت مسؤولي بايرن ميونيخ للحديث عن الانتقال إلى النادي البافاري، كان يتعين عليهم أن يتحدثوا مع ملاك شركة أديداس، وقالوا لهم: انظروا، لدينا فرصة للتعاقد مع لوثار ماتيوس لكي يلعب في صفوف فريقنا، لكنه يريد أن يلعب بحذاء بوما؛ لأن عائلته من القرية التي توجد بها شركة بوما. وفي نهاية المطاف، سمحت أديداس لبايرن ميونيخ بأن ألعب مع الفريق بحذاء بوما».وبعدما قاد ماتيوس بايرن ميونيخ للحصول على لقب الدوري الألماني الممتاز ثلاث مرات، انتقل لنادي إنتر ميلان في عام 1988 وقاد النادي للحصول على لقب الدوري الإيطالي الممتاز في أول موسم له في إيطاليا، وحصل على جائزة أفضل لاعب في العالم عام 1991 بعد منافسة قوية مع نجم نادي نابولي في ذلك الوقت النجم الأرجنتيني دييغو أرماندو مارادونا، الذي وصف ماتيوس في سيرته الذاتية بأنه «أفضل منافس واجهته على الإطلاق». وقد امتدت المنافسة بين النجمين الكبيرين إلى الساحة الدولية، حيث التقيا في المباراة النهائية لكأس العالم 1986 والمباراة النهائية لمونديال 1990.يقول ماتيوس: «أشعر بالأسف لأن مارادونا ليس في أفضل حالاته في الوقت الحالي، لكنني ما زلت أكنّ له كل الاحترام. ربما يكون مارادونا قد فقد جزءاً من بريقه، لكنني دائماً ما أشعر بالسعادة عندما أراه. لقد كان أفضل لاعب في العالم، ومن غير الجيد أن تراه الآن بهذه الحالة، وأتمنى أن يعود إلى أفضل حال ممكنة. ربما يشعر بالسعادة، وربما يتغير بعض الشيء خلال الفترة المقبلة. عندما رأيته العام الماضي في روسيا، فوجئت بالتغير الكبير الذي طرأ عليه، ولم يكن هذا شيئاً جيداً».ورغم خروج منتخب ألمانيا من دور المجموعات بكأس العالم الأخيرة في روسيا، فإن ماتيوس لديه ذكريات سعيدة من هذه البطولة، ويقول: «إنني أعرف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ دورة الألعاب الأوليمبية في لندن 2012. بوتين يتحدث اللغة الألمانية بصورة جيدة للغاية، وقد تحدثنا سوية عن كرة القدم وعن لعبة الجودو، وأفضل المطاعم وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وعن السياسات الأميركية والسياسات الروسية. إنني أحب روسيا والعقلية التي يفكر بها الناس هناك، كما أن زوجتي من روسيا».والآن، يعمل ماتيوس محللاً للمباريات، وسفيراً لنادي بايرن ميونيخ. ولعب ماتيوس مرة أخرى بجوار كل من ستيفان إيفينبيرغ، وماريو باسلر، وسامي كوفور أمام فريق مانشستر يونايتد بقيادة ديفيد بيكهام وأولي غونار سولسكاير، ورفاقه في مباراة خيرية أقيمت على ملعب «أولد ترافورد» الشهر الماضي، للاحتفال بالذكرى العشرين للمباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا بين بايرن ميونيخ ومانشستر يونايتد عام 1999. يقول ماتيوس: «أنا سعيد لرؤية هؤلاء اللاعبين مرة أخرى. صحيح أن عام 1999 كان أسوأ لحظة بالنسبة لي، لكن يتعين عليّ أن أقدم التهنئة لمانشستر يونايتد، فكرة القدم لا تُظهر لك الوجه المشرق دائماً».
مشاركة :