اعتاد المجتمع المصري على الاحتفال بأعياده، وبالأخص الدينية منها، بأعظم مظاهر الابتهاج والسرور، وكانت الدولة تحرص على مشاركة المجتمع أفراحه واحتفالاته. فلا شك أن الأعياد والاحتفالات مؤشر هام وصادق على مدى تقدم المجتمع ودرجة ما يتمتع به من استقرار اقتصادي وسياسي. ويعد عيد الفطر إحدى هذه الاحتفالات حيث يحل عيد الفطر برؤية الهلال، ويكون الاحتفال به في نهاية شهر رمضان، ويستغرق الأيام الثلاثة الأولى من شهر شوال وأما صلاة العيد فوقتها ما بعد طلوع الشمس، ويكبّر الناس من بعد غروب الشمس إلى حين أخذهم في الصلاة، وتكون الصلاة قبل الخطبة وتختص بالتكبيرات.. وقد كان المسلمون يفرحون إذا توافق عيدهم مع عيد الأقباط كما حدث في عام 868هـ/1463م إذ وافق عيد الفطر عيد ميكائيل للقبط، وفي عام 894هـ/1488 موافق عيد الفطر عيد النوروز. ويمكن أن نلمس تلك الفرحة في عصرنا الحالي، فالمجتمع المصري بكل فئاته ومعتقداته الدينية يميل إلى الفرحة والسرور بصرف النظر عن الديانة. وتظهر الاستعدادات للاحتفال بالعيد من خلال سهر الناس لساعات متأخرة ليلة العيد في تجهيز الملابس، والزخارف بينما وجدت فئة أخرى من المجتمع فضلت الاستماع إلى القرآن الكريم والأذكار، ومع طلوع النهار يتوجه الرجال لأداء صلاة العيد في موكب كبير، وهم يهللون ويكبّرون حتى يصلوا إلى المسجد حيث يقوم الإمام بالصلاة بعد التكبير والتهليل، وبعضهم يصلي في ساحة تحت القلعة وسط البلد؛ ونجد الرجال والنساء في أفضل ما عندهم من الملابس، والتعطر بأفضل عطر. وبعد الصلاة يتبادل المصلون التهنئة، وتتبادل البيوت أطباق الكعك المحشوة بالعجوة التي تجهز في آخر رمضان ويقول أحد العلماء "إذا خرجوا من الصوم أفطروا على الكعك" بينما تعد الوجبة الأساسية لمعظم الناس في هذا العيد هو السمك المملح– وهو ما نسميه في زماننا الفسيخ أو الملوحة– وقد ارتبط بعيد الفطر "سوق الحلاويين"، وهو معد لبيع ما يتخذ من السكر حلوى ويصنع منه السكر في أشكال الخيول والسباع والعرائس وتعلق بخيوط على المحال فلا يبقى كبير أو صغير، غني أو فقير حتى يبتاع منها لأهله وتمتلئ أسواق القاهرة، وأريافها منها وقد نرى الأسواق نفسها ببهجتها وأبهى زينتها وإقبال الناس عليها في هذه الأيام. وقد يختلف الاحتفال بالعيد بعد الصلاة من أسرة لأخرى، فمنهم من يفضل الخروج إلى المزارات بالقرافة وزيارة قبور الأهل والأقارب قبل الرجوع إلى أهلهم يوم العيد، ومنهم من يفضل زيارة المتنزهات والأماكن العامة والتنزه في النيل حيث يستأجرون المراكب، ونرى أفراد الأسرة تلبس أفضل ثيابها بينما النساء يتحلين ويتجملن بغاية الزينة، وهذا بخلاف الغناء ومسك الدفوف. وأكد الراهب الألماني فيلكس فابري مشاهداته للاحتفال بعيد الفطر حيث قال: "احتفلوا بتلك المناسبة بالرقص والغناء.. حيث يوجد كثير من فرق الغناء ليس فقط في أماكن تواجدهم فقط، بل في جميع المدينة، وكل فرقة بها أربع مغنيات علاوة على القائمين بالعزف، وذلك ابتهاجاً بانتهاء الصوم". وقد كان الاحتفال بالعيد من قبل السلطة الحاكمة أكثر تنظيماً ويُظهر رخاء الدولة وقوتها؛ فبعد صلاة العيد والخطبة يخرج السلطان من باب الميدان، والأمراء والمماليك يمشون حوله، ويسير خلفهم أرباب الوظائف من السلاح وبعد مراسم العيد يمد سماط حافل بالإيوان الكبير في القلعة وعليه العديد من أنواع الأطعمة الفاخرة، ويجلس السلطان على رأس السماط وحوله الأمراء على قدر مراتبهم في القرب من السلطان وقد وصلت كلفة السماط في كل يوم عيد الفطر من كل سنة خمسين ألف درهم وقُدّر ثمن ما تنهبه العامة والغلمان في هذه الأسمطة بألفين وخمسمئة دينار. فقد حرص سلاطين المماليك على التوسعة في هذه الأعياد، محاولين جعل ذلك واجهة تغطي حكمهم لمصر، واستمالة لنفس الشعب الجياشة بالعواطف الدينية، فقد كان المصريون عصر المماليك "ذو طرب وسرور ولهو". فقد كان الاحتفال بعيد الفطر ومظاهره حافلة وعديدة، واختلفت من وقت لآخر وأبرزت صورة دولة سلاطين المماليك في عنفوانها وقوتها، وقد عرفت مصر في ذلك العصر عدداً كبيراً من الأعياد والاحتفالات التي اهتم الناس بإحيائها، والتوسع في المأكل والمشرب، وشاركهم في ذلك أفراد السلطة الحاكمة، وقد حاولت رسم صورة متكاملة الأركان في شكل الاحتفال بعيد الفطر المبارك، سواء من جانب المجتمع أم من جانب الدولة.
مشاركة :