المتاعب النفسية لم تثن عاملات المطافئ عن العمل

  • 6/15/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تؤكد العديد من الإحصائيات والدراسات أن عدد النساء العاملات في هذه المجالات يعد أقل من زملائهن الرجال سواء في الدول الغربية أو العربية، وهو ما جعل عددا قليلا من البحوث يركز على ظروف عملهن وتأثيراتها الصحية والنفسية عليهن. وكشف بحث جديد مؤخرا أن النساء اللائي يعملن في فرق الإطفاء أكثر عرضة للمعاناة من “اضطراب الضغط النفسي ما بعد الصدمة” من زملائهن الرجال. ووجد البحث الذي أجرته جامعة هيوستن الأميركية، أن واحدة من بين كل خمس نساء من العاملات في فرق الإطفاء اللائي يعملن في محطات الإطفاء العمرانية الكبيرة أصبن بالحالة، مقارنة بواحد من بين كل ثمانية من زملائهن الرجال. وأشارت نتائج البحث إلى أنهن أكثر عرضة للتفكير في الانتحار. ويعرّف الاضطراب النفسي ما بعد الصدمة بأنه حالة تصيب المرء جرّاء التعرض لحادث صادم أو سلسلة من الحوادث على مدار فترة من الزمن. ويمكن لمجموعة كبيرة من الأعراض أن تشمل المرور مجددا بهذه الأحداث من خلال الاستحضار الكئيب والكوابيس التي تؤدي إلى اضطرابات النوم وفقدان الحس العاطفي ومستويات مرتفعة من الحزن والغضب. وقيّم فريق هيوستن بيانات 2639 من العاملين في فرق الإطفاء من الجنسين، وكان من بينهم 75 امرأة فقط، أبلغت 15 منهن عن تعرضهن للإصابة بالاضطراب النفسي بعد الصدمة. وتعتقد كونسيلو أربونا، وهي أستاذة للاستشارات النفسية في جامعة هيوستن، أن “الدراسة جاءت متأخرة. ولأن النساء يمثلن عددا صغيرا من الأفراد في كل مركز إطفاء، فإنه يتم تجاهلهن نوعا ما عندما يتم إدراجهن في دراسات أكبر وتضيع قضاياهن المقتصرة عليهنوتقول أربونا إنه يبدو أن النساء أكثر احتمالا للحاجة إلى وظيفة ثانية بغية تلبية احتياجاتهن من نظرائهن الرجال، ومن الممكن أن هذا يساهم في المشكلة. وتضيف “إنهن يملن لإظهار مستويات أعلى من الضغط النفسي وذلك على الأرجح بسبب أن لديهن أطفالا هناك في المنزل”. ويعتقد الباحثون أنه لا يتم تسجيل مستويات الانتحار بين العاملين في الإطفاء من الجنسين بشكل كامل. وفي العام 2017 بالولايات المتحدة، انتحر 103 من العاملين في مجال الإطفاء (مقارنة بـ93 توفوا خلال الخدمة). ولكن تقدر دراسة أجرتها مؤسسة رودرمان فاميلي أن العدد الحقيقي قد يكون أعلى بنسبة مرتين ونصف من العدد المذكور. وانخرطت المرأة العربية بدورها في سلك الأمن والحماية المدنية والمطافئ والإسعاف وعملت في العديد من الخطط منها الإدارية ومنها الميدانية وبالرغم من صعوبة الأخيرة إلا أن العاملات فيها يقمن بمهامهن جنبا إلى جنب مع زملائهن الرجال وقد برهنّ على قدراتهن ونجاحهن حتى في حال تعرضهن لمتاعب نفسية من بينها تبعات الصدمة مما يتعرضن له يوميا. ويقول أحد رجال الحماية المدنية في تونس (فضّل عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول بالتصريح لوسائل الإعلام) “إن المرأة التونسية العاملة في ميدان الحماية المدنية بمختلف أسلاكه تقوم بواجباتها إلى جانب زملائها الرجال دون تخاذل ولا خوف وهي تعمل في جميع الميادين سواء في الإسعاف أو النجدة أو الإنقاذ أو الإطفاء أو في المجال الوقائي أو في المناصب الإدارية”. ويؤكد لـ”العرب” أنه يلاحظ وزملاؤه أحيانا ما يلحق بزميلاتهم النساء أثناء القيام بعمليات نوعية وخطيرة للإنقاذ أو للإطفاء أنه بالرغم من سعيهن للقيام بواجباتهن إلا أن بعضهن يتعرضن لمتاعب نفسية ويعانين من الصدمة بسبب مواكبتهن لبعض الحالات الخطيرة أو الموت خصوصا عندما يتعلق الأمر بحوادث الأطفال. ويتابع “لكن هذا الأثر النفسي على زميلاتنا بسبب بعض تدخلات الحماية المدنية نلاحظه عليهن نحن زملاء العمل رغم محاولاتهن لإظهار عدم الاهتمام به أو إثارته حتى عبر الشكوى، وهو ما يجعل رؤساءنا في العمل يحاولون التخفيف من وطأة بعض الحوادث على نفسية زميلاتنا لكونهن نساء وأكثر حساسية تجاه الكثير من المواقف منّا نحن الرجال، لكني أؤكد أن هذا لا يثنيهن عن العمل والتفاني في واجباتهن بل إننا لا نشعر بأن هناك فوارق بين النساء والرجال من أعضاء الفريق الواحد في الحماية”. وبدأ العنصر النسوي يفرض ذاته بشكل كبير في قطاع الوقاية المدنية في المغرب، منذ العام 1998، وأصبح اليوم يتوفر على نساء في مختلف الاختصاصات مؤهلات لمواجهة الحرائق والكوارث والحوادث، مهما كان نوعها وكيفما كانت درجة خطورتها. الروح الجماعية التي تسود فرق الوقاية المدنية جعلت المرأة العاملة فيها تتشبع بقيم التفاني دون اعتبار للانتماء الجنسي أو للإضطرابات النفسية وأكدت صفية طبيبة في الإسعاف الطبي بجهاز الوقاية المدينة بمدينة مكناس، أنه رغم حداثة ولوج المرأة لهذا المجال إلا أنها تساعد زميلها الرجل في مهماته مخاطرة بحياتها لإنقاذ الآخرين، بل إنها أثبتت أنها ذات كفاءة وجلد في مواجهة المخاطر. وأوضحت صفية لـ”العرب” أن “لهذا العمل آثارا سلبية على صحة المرأة النفسية المترتبة على أداء مهامها في بيئة خطيرة كإخماد الحرائق وإغاثة المصابين في حوادث السير وغيرها، ولكن المرأة التي تنتمي إلى سلك الوقاية المدنية تعي بمسؤوليتها ولديها إدراك عميق للأدوار المنوطة بها ومساهمتها في خدمة مجتمعها، وهذا لا ينفي تأثرها بالحوادث ولدينا في الجهاز متخصصات للدعم النفسي، لكن لم يحدث أن انهارت إحدى العاملات نفسيا أثناء مباشرة عملها”. من جانبها تعتبر الباحثة في علم النفس الاجتماعي، خلود السباعي، إنه إذا انطلقنا من زاوية علم النفس فكلنا نعاني بين لحظة وأخرى من اضطرابات نفسية بسبب العمل، وهذا أمر طبيعي ولا يستدعي الخوف، لأن الشخص في مواجهته لظروف العمل والحياة يصاب باضطرابات نفسية متفاوتة نسبيا. ورجحت الباحثة في علم النفس الاجتماعي، أن تكون النساء أكثر عرضة للاضطرابات النفسية من الرجال في مجال الحماية المدنية والمطافئ، مفسرة ذلك بسبب الضغوط التي تواجههن في العمل وفي الأسرة وغيرها. وحسب آخر الإحصائيات يشتغل في جهاز الوقاية المدنية بالمغرب حوالي 300 عنصر نسوي، بينهن 63 مهندسة وتقنية وإدارية، و9 طبيبات في تخصص الوقاية المدنية، و20 ضابطا أو ملازما أول، و158 ضابط صف، و24 عريفا، و17 مساعدة اجتماعية. وحسب باحثين في العلوم النفسية والاجتماعية، فهذا العمل يعطي للمرأة المغربية امتيازا يجعلها أكثر قوة، وتمنحها هذه المهنة إحساسا بالاعتداد بالذات وبأنها تحقق ذاتها في مختلف الأعمال، الأمر الذي يزيح عنها الكثير من المشاعر السلبية ويعطيها طاقة إضافية لمواجهة آثار ما بعد الصدمات الناتجة عن عملها. وفي هذا الإطار٬ تقول أمينة بوزرديكن٬ الرقيب بالقيادة الإقليمية في الرباط٬ أن حب هذه المهنة النبيلة التي تقوم على إسعاف المصابين هو ما جعلها تقتحم هذا المجال إلى جانب الرجل من دون تردد٬ لافتة إلى أن الروح الجماعية التي تسود عناصر الوقاية المدنية منذ مرحلة التدريب النظري والتطبيقي إلى مرحلة العمل الميداني جعلتها تتشبع بقيم التفاني والتضحية في إنقاذ الأرواح والممتلكات٬ دون أدنى اعتبار للانتماء الجنسي أو للإرهاق النفسي. ”.

مشاركة :