لا يستطيع أحد أن ينكر كيف تغير الثورة الرقمية العالم. وتسير الرقمنة بوتيرة أسرع بكثير من التنمية في القطاعات الأخرى؛ وعدد الأشخاص الذين يمتلكون هاتفا متنقلا أكثر بكثير من عدد ممن لديهم سبل حصول على الكهرباء أو المياه النظيفة. ونحن لا نرى الرقمنة كهدف في حد ذاته، ولكن كأداة تستكشف بصورة منتظمة من أجل تحسين المستوى المعيشي للناس وتحقيق تقدم نحو أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة. وتركز استراتيجية "الرقمنة من أجل التنمية" في الوكالة على مجالين: ضمان أن تعود الفوائد الرقمية على الجميع وتعزيز عمليات صنع القرار القائمة على معلومات أفضل من خلال البيانات الضخمة المتاحة لعامة الجمهور. فتنتج كميات ضخمة من البيانات يوميا، وعندما تستخدم بشكل جيد، يمكن أن تساعد صناع السياسات على اكتساب رؤية من الممكن أن تنقذ الأرواح. وينطبق ذلك بصفة خاصة في الدول منخفضة الدخل، حيث تفتقر الحكومات عموما إلى البيانات الجيدة اللازمة لتوجيه سياساتها. ونحن نمول مشروعا في أوغندا لإعداد أدوات لمساعدة الحكومة على متابعة تدابير السياسات وتحديد أولوياتها. ويقوم هذا المشروع ــ المقرر أن ينفذه صندوق الأمم المتحدة للمشاريع الإنتاجية UNCDF وشريك من القطاع الخاص ــ بتطوير تطبيقات على الهاتف المتنقل لإجراء تحليلات للبيانات. ويساعد أحد هذه التطبيقات على تحديد أنماط التنقل الحضري من خلال بيانات الهاتف المتنقل؛ وهناك تطبيق آخر للشمول المالي يتيح لصندوق الأمم المتحدة للمشاريع الإنتاجية والجهات الفاعلة الأخرى في المجال الإنمائي متابعة استخدام الخدمات المالية الرقمية. كما أننا ندعم منصة للمعلمين الرقميين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو موقع على الإنترنت للنظراء يتبادل من خلاله المعلمون النصائح والخبرات. ويستخدم هذه البوابة الإلكترونية 6500 شخص بشكل منتظم وتمت زيارتها أكثر من مليوني مرة. وهذه أمثلة على عدد قليل فقط من المشاريع الجارية حاليا ــ ولكن في العالم الرقمي، الابتكار هو اسم اللعبة. ومن أجل إيجاد أفكار جديدة، أطلقنا بالاشتراك مع المتحف الملكي لوسط إفريقيا جائزة تمنح كل سنتين لمكافأة المبادرات البارزة التي تستخدم الرقمنة كدافع للتنمية. وبالطبع، فإن المكاسب الرقمية غير تلقائية وكثيرا لا توزع توزيعا عادلا. وعلينا أيضا أن نضع في الاعتبار المخاطر المحتملة للرقمنة، مثل زيادة العرضة لجرائم الإنترنت ونشأة حالات جديدة أو أكثر عمقا من عدم المساواة. غير أن الرقمنة في مجال التنمية تغير قواعد اللعبة بشكل أساس، خاصة في الدول الفقيرة والدول الهشة، التي تعهدت بلجيكا أن توجه إليها 50 في المائة على الأقل من مساعدتها الرسمية في مجال التنمية. تعزز الحكومة اليابانية مشاريع البحوث المشتركة بين علماء اليابان والاقتصادات النامية من خلال شراكة بحوث العلوم والتكنولوجيا من أجل التنمية المستدامة SATREPS. وتوفر هذه المشاريع مجالا للجامعات ومعاهد البحوث في هذه الدول لتعزيز قدراتها الفنية، وكذلك تطبيق هذه المعرفة على مجموعة كبيرة من التحديات العالمية الحقيقية مثل الاحترار العالمي، والأمراض المعدية، والكوارث الطبيعية. وتدفع المبادرات الناجمة عن هذه الشراكات العلمية أيضا التقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة. ومنذ عام 2008، نفذت وكالتنا، بالشراكة مع الوكالة اليابانية للعلوم والتكنولوجيا والوكالة اليابانية للبحوث الطبية والتنمية، أكثر من 100 مشروع ضمن شراكة بحوث العلوم والتكنولوجيا من أجل التنمية المستدامة. وكان أحد هذه المشاريع هو مشروع حجز الكربون ومراقبته الذي بدأ في عام 2012 في حقل جوندي للغاز الطبيعي في مقاطعة جاوا الوسطى في إندونيسيا. ويجمع هذا المشروع باحثين من الجامعات اليابانية والنظراء المحليين من معهد باندونج للتكنولوجيا وشركة بيرتامينا للنفط بإندونيسيا، وجهات أخرى. وتتمثل مهمتنا في وضع نظام لالتقاط ثاني أكسيد الكربون وحجزه ــ وهي المحاولة الأولى للقيام بذلك في جنوب شرق آسيا. ويؤدي إنتاج الغاز الطبيعي في حوض جاوا الشرقي، حيث يوجد حقل جوندي للغاز الطبيعي، إلى انبعاثات عالية من الكربون. ويسعى مشروعنا إلى الحد من هذه الانبعاثات عن طريق فصل ثاني أكسيد الكربون عن الغاز الطبيعي أثناء مرحلة الإنتاج ثم ضخه في الطبقات الرملية تحت الأرض لتخزينه بشكل آمن. ويسمح هذا المشروع بحجز ما يصل إلى 30 طنا من انبعاثات الكربون يوميا تحت الأرض، ويضع إندونيسيا على الطريق السليم لبلوغ هدفها، المتمثل في تخفيض إجمالي انبعاثات الكربون بنسبة 26 في المائة بحلول عام 2020. وتنطوي المرحلة الأولى من المشروع على تحديد كمية انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي يمكن ضخها بأمان تحت الأرض. وتكفل عمليات المحاكاة والاختبارات ألا يتسبب الضغط خارج طبقة الضخ في عدم استقرار أرضي. وفي هذه الأثناء، يراقب العلماء حركة غاز الكربون الذي يتم ضخه من خلال التغيرات في الجاذبية. وقد جذبت هذه التكنولوجيا المتقدمة، التي يمكن أن تفتح المجال أمام حجز الكربون على نطاق واسع، انتباه الجهات المانحة، بما في ذلك مصرف التنمية الآسيوي. فنحن نفتخر أن نكون جزءا من الجهود الرامية إلى أن يصبح حجز الكربون واقعا في جنوب شرق آسيا وأن نساعد في الحد من انبعاثات الكربون على نطاق عالمي.
مشاركة :