بينالي القاهرة الدولي للفنون يجسد لقاء الشرق والغرب

  • 6/15/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

بقدر ما تبرهن مصر على تجددها الإبداعي فإن إبداعات فنانيها تشكل إسهامات جوهرية على مستوى العالم كما يتجلى الآن في "بينالي القاهرة الدولي للفنون" الذي يستمر حتى العاشر من شهر أغسطس القادم بمشاركة 80 فنانا من 52 دولة حول العالم تحت العنوان الدال :"نحو الشرق" فيما يجسد هذا البينالي بحق "لقاء الشرق والغرب".وهذا الحدث الفني العالمي الذي ينظمه قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة المصرية وافتتحته وزيرة الثقافة الدكتورة إيناس عبد الدايم تتوزع عروضه في القاهرة ما بين قصر الفنون ومتحف الفن المصري الحديث ومركز الجزيرة للفنون هو معرض شامل لكافة أنواع الفنون مابين تصوير ونحت ومجسمات وفوتوغرافيا وجرافيك وفيديو وأعمال مركبة.و"البينالي" في الأصل كلمة إيطالية وتعني حدث يقام كل عامين فيما تأسس بينالي القاهرة الدولي عام 1984 وكانت دورته السابقة وهي الدورة الثانية عشرة قد أقيمت في عام 2010 ليتوقف هذا المعرض لأكثر من ثمانية أعوام فيما يعود الآن بقوة وحضور لافت.وعبر وسائل الإعلام والمنابر الثقافية يحظى بينالي القاهرة باهتمام كبير وحفاوة واضحة بالأعمال المعروضة بعد أن غاب على مدى تجاوز الثماني سنوات فيما أكد "قوميسير البينالي" إيهاب اللبان أهمية الحضور العربي في هذا الحدث الفني "المصري-العالمي" ووصفه بأنه "أساسي وفعال" لافتا إلى أن مصر استقبلت دوما عبر تاريخها المديد فنانين من كل أنحاء العالم.ومن هنا يمكن للزائر ان يرى بوضوح تعدد الأسماء والألوان والوجوه في بينالي القاهرة الدولي الثالث عشر الذي تحول "لتظاهرة إبداعية عالمية تجسد لقاء الشرق والغرب" ويشارك فيها مبدعون من مصر وسوريا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت وفلسطين والأردن والعراق ولبنان والمغرب والجزائر وتونس وموريتانيا والكاميرون وساحل العاج وبوركينا فاسو والبوسنة وألبانيا والهند جنبا إلى جنب مع مبدعين من قبرص وكرواتيا والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وايطاليا وبلجيكا وأستراليا وكندا والبرازيل والأرجنتين وكولومبيا وفنزويلا.وليس من قبيل المبالغة القول ان بينالي القاهرة الدولي بمقدوره ان يقوم بدور كبير ضمن منظومة أدوات القوة الناعمة لمصر لدعم العلاقات مع الدول الصديقة كما أنه بطبيعته "جسر للتواصل بين الحضارات وصوت اصيل للسلام العالمي وحوار الأفكار المبتكرة ويحتاجه العالم الذي يعاني من الصراعات وتتصاعد فيه توترات جديدة".ومن الطبيعي أن تعبر اعمال فنية متعددة في هذا البينالي عن المشهد الإقليمي والعالمي الراهن وأن تنعكس الأوضاع الإقليمية والعالمية المثيرة للقلق في أعمال فنانين مثل الجدارية التي أبدعها المصري عصام درويش فيما أشار إيهاب اللبان الى ان "الشرق تأثر باضطرابات في العقد الأخير".ومع أنه "معرض شامل لكافة أنواع الفنون" فان الفن التشكيلي يبدو الأكثر حضورا في بينالي القاهرة الدولي الذي يشهد حضورا أفريقيا لافتا بينما تفاعلت عدة أعمال معروضة في هذا البينالي مع قضايا واستحقاقات العولمة والتطورات التقنية الفائقة السرعة وتحديات انتشار ثقافة الاستهلاك وتسليع القيم ناهيك عن إشكاليات الهجرة كما انتصر فنانون بابداعاتهم في هذا البينالي مثل الكولومبي كاميلو ارياس لثقافة التنوع والحوار والانفتاح على الآخر.وفيما يعد الفن التشكيلي المصري والفنون البصرية ككل من مقومات القوة الناعمة لمصر فإن حالة التوهج الإبداعي في بينالي القاهرة الثالث عشر الذي انطلق يوم الإثنين الماضي من دار الأوبرا المصرية تثير التفاؤل حيال مستقبل الفن التشكيلي والنحت والتصوير والارتقاء بالذائقة الفنية للأجيال الجديدة في بلد انجب فناين تشكيليين ونحاتين ومصورين خلدتهم ذاكرة الابداع المصرية والعالمية.وإذا كان "قوميسير البينالي" إيهاب اللبان قد دعا لتوسيع قاعدة محبي الفنون فمن الأهمية بمكان في هذا السياق كسر النخبوية المفترضة للفنون البصرية وخاصة الفن التشكيلي لتكون لوحاته متاحة لكل المصريين تماما كما هو الأمل المنشود لتجليات ثقافية أخرى كالشعر والموسيقى والرواية ومن اجل تعميق ثقافة الحق والخير والجمال في ارض الكنانة التي تعشق بفطرتها الطيبة كل ماهو جميل.وكان الكاتب والأكاديمي ووزير الثقافة الأسبق الدكتور شاكر عبد الحميد قد أكد أن نجاح عناصر وأدوات القوة الناعمة ومن بينها الفنون التشكيلية يرتبط بمدى قربها من الناس فيما يبقى الأمل في ان يتحول "بينالي القاهرة الدولي للفنون" الى مقصد جماهيري يعلي من ثقافة الجمال ويجسد معنى "الفن للجميع" وهو الذي يعبق بأصالة وسحر الشرق جنبا إلى جنب مع أعمال تخاطب هموم الإنسان المعاصر في كل مكان بهذا العالم.وواقع الحال أن أعمالا فنية خالدة حاضرة ليس في المتاحف الفنية فحسب وإنما في متاحف أخرى مثل المتحف الزراعي المصري الذي يحوي أعمالا فنية خالدة تصور المشهد الزراعي المصري ولوحات لفنانين عالميين إلى جانب رواد الفن التشكيلي المصري مثل الراحل محمود سعيد والحاضر بعمله الفني الرائد "بنات بحري" الذي انجزه في باكورة القرن الماضي ويعرض في "متحف الفن الحديث وهو أحد الأماكن الثلاثة للبينالي الحالي" .وتضم باقة الفنانين التشكيليين المصريين أسماء خالدة في الحياة الثقافية المصرية مثل محمود سعيد وعبد الهادي الجزار ورمسيس يونان والأخوين سيف وأدهم وانلي وصلاح طاهر وصلاح عبد الكريم وتحية حليم وحسين بيكار وحسن سليمان وحسن فؤاد صاحب شعار "الفن في خدمة الحياة" والفنانة إنجي افلاطون والمبدع عبد الغني ابو العينين ناهيك عن الأستاذ عبد السلام الشريف و منير كنعان.واللافت ايضا ان بعض اهم رسامي الكاريكاتير في مصر مثل الراحل العظيم مصطفى حسين والفنان الكبير الراحل أحمد طوغان الذي وصف عن جدارة "بشيخ رسامي الكاريكاتير في مصر" لهم اسهامات ابداعية مهمة في الفن التشكيلي.وفي البينالي الحالي يشارك سبعة من الفنانين المصريين وهم احمد البدري احمد قاسم وحازم المستكاوي ورضا عبد الرحمن وعصام درويش ومروة عادل ويوسف نبيل فيما منحت وزيرة الثقافة الدكتورة ايناس عبد الدايم في مستهل البينالي جوائز لعدة فنانين من بينهم المصري احمد البدري والعراقي صادق الفرارجي والأردني ايمن يسري وكانت الجائزة الكبرى من نصيب جورس ناردي ماردان.وعالم الفن التشكيلي والنحت بات يشكل هدفا لوسائل الإعلام حول العالم التي تهتم بأخبار مثل ببيع منحوتة للفنان البريطاني الشهير هنري مور بمبلغ 2,7 مليون دولار وهي تمثل "معالجة تجريدية" لشخص مستلق كما بيعت لوحة "رصيف السكة الحديد" للفنان ال.اس.لوري بثمن بلغ 2,5 مليون دولار كما بيعت لوحة للوري باسم "مباراة كرة القدم" في عام 2011 بمبلغ وصل الى 5,6 مليون دولار.وحقيقة الإسهامات المصرية المهمة في تاريخ الفن المعاصر ناهيك عن تاريخ الفن ككل يدركها فنانون كبار حول العالم مثل الفنان الفرنسي جيرار جاروست وهو ضيف شرف في بينالي القاهرة الدولي الحالي الذي يحظى باهتمام واضح من شخصيات عامة حرصت على مشاهدة الأعمال المعروضة وهي مسألة من الطبيعي ان تثير ارتياح رئيس قطاع الفنون التشكيلية الدكتور خالد سرور.وبينالي القاهرة الدولي في دورته الحالية يعرض أعمالا لافتة لأسماء كبيرة مثل النمساوية بريجت موفانس التي ذاع صيتها في العالم لاستخدامها الضوء كوسيط تعبيري في الفن التشكيلي بقدر مايشير أيضا لطبيعة التحولات الفنية في العصر الرقمي. وفيما تكشف كتابات لمثقفين مصريين كبار مثل الكاتب والأكاديمي ووزير الثقافة الأسبق الدكتور جابر عصفور عن رؤى فنية عميقة مثل تناوله للتشابه بين فن التجريد بأعلامه "كبيكاسو وموندريان وكاندينسكي وجاكسون بولوك" وبين الموسيقى كما يبدو متحمسا "للتجريب" فان فنانا مصريا مثل حسن سليمان الذي ولد عام 1928 وقضى عام 2008 كان نموذجا مبهرا لهذه الكوكبة النادرة من المبدعين الجامعة مابين سحر الريشة والقلم وبقدر مااستحق وصفه "بأسطورة الضوء والظل" فهو صاحب قلم يعتبره بعض الكتاب من اكثر الأقلام التي تهدي المتعة للقاريء.وإذا كان حسن سليمان قد تبنى رؤية تثق دوما في رهانات الابداع وتجدد حيوية مصر بشبابها المبدع فها هو الواقع يبرهن على صواب هذه الرؤية..انها مصر المبدعة تتحدث عن نفسها من جديد في بينالي القاهرة الدولي..انه لقاء الشرق والغرب على أرض الإبداع وتحت سماء الدهشة وبين الوجوه الطيبة التي تعشق بفطرتها الطيبة كل ماهو جميل.

مشاركة :