واشنطن أمام امتحان صدقيّة في الشرق الأوسط

  • 6/16/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

ينفي الرئيس الأميركي دونالد ترمب نيّته مهاجمة إيران عسكرياً، ولا يستبعد ضربة عسكرية إذا اقتضت الحاجة. ينفي القادة الإيرانيون نيتهم ضرب الأميركيين و«لا يستبعدون» التصدّي لـ«عدوان». هو صراع بين «رجل أعمالٍ» و«عسكر». هو صراع بين «السيستم» الأميركي و«نظام الملالي». في الولايات المتحدة «السيستم» قائم لإحقاق المصلحة الأميركية خارج الحدود لخير المواطن الأميركي نفسه. هي رحلة البحث المكّوكية عن مصلحة أميركا حول العالم. وفي إيران بحثٌ عن الدفاع عن مشروع الخميني، حتى لو على حساب المواطن الإيراني. واشنطن لا تدخل في مغامرة تنعكس على اقتصادها وقوتها وتزعزع عرشها على رأس دول العالم، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى يومنا هذا، مهما تغيّر الرؤساء فيها. طهران في المقابل، تبحث آيديولوجياً عن تمدّدها وتوسّعها لتوسعة ردعها وحماية بيتها الزجاجي. فات القادة الإيرانيين أنّ الضغط الداخلي قد يشقّق الزجاج حتى كسره بانفجار يفتته ويقضي عليه، بفاعلية أكبر من حجارة تُرمى من قريب أو بعيد.نقطة التحوّل جاءت في 2 - 3 مايو (أيار) الفائت. تصفير تصدير النفط الإيراني صفعة هزّت إيران. هي الأقسى على طهران. انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وعودة العقوبات في مايو 2018 لم يكن بالوقع نفسه لما هو عليه قبل شهر. رأى الإيرانيون أنّ الأميركيين جادّون هذه المرة والمفاوضات آتية لا محالة. يتمنّون ضربة عسكرية تنقذهم، ويعوّلون عليها لرفع شعاراتهم ضد «الظلم الأميركي» و«الاستكبار» مجدداً. الرئيس الأميركي لن يعطيهم هذه «الشرفيّة». حاولوا في الفجيرة قبالة الإمارات العربية المتحدة، ثم حاولوا في أنابيب النفط السعودية أن يستدرجوا ضربة محدودة، ولم يفلحوا! يبحثون اليوم في معجمهم عن معنى «إعادة روحية الاتفاق النووي» والنفاذ من الوضع الحالي. أما بحثهم الموازي فيبقى مرتبطاً بكيفية العودة إلى التفاوض من دون انكسار. هم العالمون بأنّ نظامهم المبني على الديكتاتورية والترهيب لا يحتمل «كسر الشوكة»، وإذا انكسرت بقيت في ضلعهم حتى تصفيتهم أولاً وأخيراً أمام الداخل. هذا الداخل الإيراني الذي وُلد وشاب وبات أربعينياً يعيش على «أسطورتهم» في بيت النظام الزجاجي.لا يمكن فهم الحاصل اليوم إلا من خلال خلفيّة كلّ من الرئيس ترمب والمرشد الإيراني «حامي أسطورة الخميني». ترمب رجل الأعمال و«رجل الصفقات» هو العالم بكيفية فتحها وإغلاقها لصالحه. خامنئي «رجل الشعارات» الذي روّج على أنه غارس الشوكة في خاصرة الغرب ومحارب «استكباره». كل منهما في موقعه يستخدم أسلحته في معركته. الرئيس الأميركي قطع الطريق أمام محاولات إيران عبر ميليشياتها تهديد الأمن الإقليمي والدولي، عبر إرساله حاملة الطائرات «أبراهام لينكولن» إلى الخليج، بعد فترة وجيزة على المدمّرة «بي 52». خامنئي في المقابل فهم رسالة الردع الأميركية، وأطلق سهام التصريحات من كل صوب: «الحرس الثوري» يستعرض عسكرياً ويلوّح بـ«حرب» أكبر منه، الرئيس الإيراني يحاكي الداخل ويقول له: «سننتصر على المؤامرة»، ووزير خارجيته يحاكي الدبلوماسية دولياً من تحت الطاولة ويقول: «أنقذونا وسنعود إلى التفاوض؛ لكن لا تكسروا شوكتنا».لا رجل الأعمال دونالد ترمب يريد حرباً، ولا القادة الإيرانيون يحتملونها، ولا تكافؤ عسكري، ولا الشعب الإيراني يصدّق شعاراتهم بعد الآن. نجحت عقوبات ترمب، وفشل القادة الإيرانيون في الترويج لقدرتهم على المواجهة. التفاوض آتٍ لا محالة، ونظام طهران يبحث عن شكل العودة: أيعود منكسراً أمام نظامه الداخلي وشعبه، أو «منتصراً» أمامهما؟ويبقى الأهم وفق المثل القائل: «من جرّب المجرّب، عقله مخرّب». هل يلتزم القادة الإيرانيون بـ«روحية الاتفاقات»؟ أم يستغلونها لإعادة التعبئة بعد استراحة وتموضع جديدين؟ هل تكون المنطقة والعالم أمام فاصل قصير و«سلام آني» قبل كشف نظام طهران عن أنيابه المزعزعة للاستقرار مجدداً؟ فإذا كان الأميركيون جادين ومهتمين بمصلحة حلفائهم في الشرق الأوسط (كما يدعون) لما رفعوا العقوبات بعد اليوم عن النظام الإيراني، حتى من خلال مفاوضات جديدة مقبلة، أو اتفاق جديد. المطلوب ضمانات تمنع الملالي من أخذ نفَسٍ جديد وانطلاقة أخرى بعد سنوات، قد تكون أكثر شراسة. العقوبات واستمرارها تبقى هي الأنجع إذن. النظام الإيراني لا يمكن له أن يغيّر تصرفاته طويلاً، والتجارب خير إثبات. المشكلة مشكلة نظام وممارسات يترافقان يداً بيد، ولا يمكن فصلهما.نعم، الجلوس إلى طاولة المفاوضات سيكون عاجلاً أم آجلاً، ولكنّ انتصار ترمب الدبلوماسي باتفاق جديد لا يعني أنّ المنطقة انتصرت وارتاحت. الانتصار الحقيقي يكون بصعود نظام في إيران يشبه الشعب الإيراني المنفتح والمسالم، الذي يستحق العيش داخل دولة، لا في كنف نظام استبدادي.إيران تعمل جاهدة للعودة إلى التفاوض، وربما سينجح الأميركيون باتفاق نووي جديد. ولكن حذار من استغلال إيران لهذه «الانتصارات» الأميركية، للتنفّس والعودة إلى المربع الأول. واشنطن أمام امتحان صدقيّة في الشرق الأوسط.

مشاركة :