الثلاثاء الماضي توفي الفنان المصراوي (حمادة سلطان) الشهير بـ(صاروخ النكتة)! وهو لقبٌ يدل على أن الجمهور كان يفرَّق بين فن (التنكيت والإضحاك) وفن (الكوميديا)، عند ظهور ذلك (المهرِّج) القدير أواخر الستينات الميلادية! أما مع وفاته اليوم فلا بد أن تقسم وتؤكد بكل (الملازيم)، على أن التهريج فن عظيم مستقل، دفع (شكسبير) إلى إقحامه بشخصية (مهرِّج الملك)، خاصةً في العروض التي تحضرها الملكة (إليزابيث نمبر ون)! وأنه لا عيب في هذا الفن غير الاختلاط (مرض يصيب خلايا المخ، ولا وجود لهذا المصطلح في مصادر ومراجع الفقه والاحتساب الأصلية)! حيث دأبنا بسبب (الاختلاط) على تشويه فني عريق؛ فما زلنا نصنف هذا الركام الهائل من (التهريج) على أنه (كوميديا)! وما زلنا ندعو كبار المهرجين العرب ـ وإمامهم (عادل) ـ بـ(الكوميديانيين)!! ولو طبقت معايير الكوميديا بدقة، فلن تجد في العالم العربي غير المصري العظيم (أحمد زكي)، والسعودي (صالح الزير)، والمغربي (حسن الفد)! وكل البقية مهرجون مضحكون، وليس في هذا أي انتقاصٍ لهم، أو تسفيهٌ لرسالتهم النبيلة، وهي الإضحاك ونشر البسمة! بدأ (حمادة سلطان) مطرباً، لكنه لم يجد مكاناً بين عمالقة زمنه، فتحول إلى فن (المونولوج)، الذي فقد أهم رواده وهو (إسماعيل ياسين) ـ فشفش الله الطوبة اللي تحت (بُؤُّه) ـ فبعثه وزاد عليه بتقليد الشخصيات المعروفة، وحوَّل النكتة السريعة إلى فنٍّ متعوبٍ عليه، يرتقى أحياناً إلى (الكوميديا) كما في النكتة الشهيرة: واحد ماشي في صحراء وقعت عليه بلكونة! ولكن عمره الفني كان قصيراً، كـ(نمرته) التي كانت فاصلاً أساسياً في حفلات (أضواء المسرح)؛ فاعتزل مبكراً، وضاع حقه الأدبي، حيث ذابت اختراعاته في الشفوي الشعبي العام، وسرعان ما سيبتلعه، كما ابتلع الزميل (نصر الدين خوجة الفزاري) من قبل!! وأما الاختلاط في خلايا العقل العربي فلم يتوقف في الساحة الفنية، بل تجاوزها إلى الساحة الفكرية أيضاً؛ فأكثر ما تقرؤه تحت مسمى (الكتابة الساخرة) ليس إلا تنكيتاً بائخاً، وتميلحاً متكلَّفاً يهدف إلى إضحاكك أولاً وأخيراً! بينما السخرية الحقَّة هي التي ترج دماغك (المختلط) أولاً، وتدفعك للتفكير ألف مرارةٍ مفرتكةٍ، قبل أن تضحك مضطراً! نقلا عن مكة
مشاركة :