تزامن الحوار الشامل لولي العهد الأمين الأمير محمد بن سلمان لصحيفة "الشرق الأوسط" بالأمس، مع مرور ثلاثة أعوام من عمر "رؤية المملكة 2030" ودخولها العام الرابع، حاملا ذلك الحوار المهم مؤشرات أداء حقيقية ومبشرة للاقتصاد الوطني -بحمد الله تعالى-، ذكر ولي العهد عديدا منها في تفاصيل الحوار، وتوجها - حفظه الله - بالتأكيد على الدور الكبير جدا الذي يضطلع به المواطن السعودي في الدفع بتقدم البرامج التنفيذية لـ"رؤية المملكة 2030"، بقوله حرفيا إنه "فخور بأن المواطن السعودي أصبح يقود التغيير، بينما تخوف كثيرون من أن (الرؤية) ستواجه مقاومة بسبب حجم التغيير الذي تحتويه. كان كثيرون يقولون لي إن أصعب ما سأواجهه في التحول الاستراتيجي هو المقاومة، ولكني رأيت أن هذا العامل ضئيل جدا في الشباب السعودي الذي صار يتسابق أمامي ويقود التغيير، وأود الإشادة بدور الشباب مطعما بالخبرات في الحراك الذي تعيشه المملكة. إنها رؤية شابة، روحها شابة، كما تحول النقاش من التغيير الذي نريده من الدولة إلى التغيير الذي نصنعه جميعا". أنهى الاقتصاد الوطني عامه الثالث على التوالي من مرحلة الإصلاحات الجذرية تحت مظلة عديد من البرامج التنفيذية ضمن "رؤية المملكة 2030"، بمعدل نمو حقيقي للاقتصاد بلغ 2.2 في المائة بنهاية 2018، مقارنة بمعدل نمو لم يتجاوز 1.7 في المائة نهاية 2016، وتمكن القطاع الخاص من رفع معدل نموه السنوي نهاية 2016 عند مستوى 0.1 في المائة فقط إلى 1.7 في المائة بنهاية 2018. كما نجح الاقتصاد الوطني في رفع معدلي نمو أبرز نشاطين فيه "الصناعة، الخدمات" من معدلي 2.3 في المائة ونحو 0.8 في المائة حسب الترتيب في نهاية 2016، إلى أن بلغ بهما مع نهاية 2018 إلى 2.7 في المائة للنشاط الصناعي، ونحو 2.1 في المائة لنشاط الخدمات. أما على مستوى المالية العامة، فقد استمر التحسن في مستويات إيرادات الدولة، وقابلها التزام عال ببرنامج التوازن المالي، وسيطرة أكبر على مستويات الإنفاق الحكومي، إلى الدرجة التي حافظت به على دورها ومساهمتها في تعزيز الاستقرار الاقتصادي، وتحديدا في دعم استقرار القطاع الخاص عبر عديد من برامج الدعم المستهدفة له طوال الفترة الماضية من عمر "رؤية المملكة 2030"، وقد نجح كل ذلك في الوقت ذاته الذي تمكنت فيه المالية العامة للدولة من خفض نسب العجز المالي إلى الاقتصاد الوطني من مستوى 10.6 في المائة بنهاية 2016، إلى ما دون 4.7 في المائة بنهاية 2018، بل لقد نجحت في تحويله إلى فائض مالي بنهاية الربع الأول من العام الجاري، وصل إلى ما نسبته 3.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. كما استمرت معدلات نمو السيولة المحلية في التحسن طوال تلك الفترة، لتنهي عام 2018 على نمو في تعريفها الواسع بنحو 1.8 في المائة، مقارنة بما لا يتجاوز معدل 0.8 في المائة نهاية 2016، ونمو الودائع المصرفية للفترة نفسها من 0.8 في المائة نهاية 2016، إلى 2.1 في المائة بنهاية 2018. واستمرت التجارة الخارجية في تحسنها للعام الثاني على التوالي مع نهاية 2018، التي أنهته على ارتفاع قياسي لإجمالي الصادرات السعودية بمعدل نمو بلغ 32.8 في المائة، مقارنة بانخفاضها خلال 2016 بنحو 9.8 في المائة، وسجلت الصادرات غير النفطية للفترة نفسها نموا سنويا بلغ 22 في المائة، مقارنة بتراجعها في 2016 بنحو 7.1 في المائة، وتحولت الواردات من نموها السلبي بنهاية 2016 عند معدل- 19.8 في المائة، إلى نمو إيجابي بنهاية 2018 وصل إلى 1.7 في المائة، ما أسهم بدوره في تحسن نسبة الحساب الجاري إلى الناتج المحلي الإجمالي من - 3.7 في المائة نهاية 2016، إلى منطقة إيجابية بنحو 9.3 في المائة، وبارتفاع نسبة الميزان التجاري إلى الناتج المحلي الإيجابي من 6.7 في المائة نهاية 2016، إلى أن استقر عند أعلى من 20.4 في المائة مع نهاية 2018. كل هذا وغيره من مؤشرات أداء الاقتصاد الوطني الأخرى التي لن يتسع المجال لحصرها وذكرها كاملة هنا، أثبتت أن إجراءات ترجمة برامج الرؤية المباركة لبلادنا، تسير – بحمد الله تعالى- في الاتجاه المأمول، وأنها كما أشار إليه ولي العهد الأمين حرفيا (إن ما يحدث في المملكة ليس فقط مجموعة إصلاحات مالية واقتصادية لتحقيق أرقام محددة، وإنما هو تغيير هيكلي شامل للاقتصاد الكلي للمملكة هدفه إحداث نقلة في الأداء الاقتصادي والتنموي على المديين المتوسط والطويل. لقد قمنا بإصلاحات اقتصادية وهيكلية كبيرة تسهم في تحقيق التوازن المالي، وضبط المالية العامة، وتنويع مصادر الدخل مع المحافظة على استمرارية نمو الاقتصاد الكلي، واستدامة المالية العامة، ودعم الإنفاق الاجتماعي، ورفع كفاءة الإنفاق الحكومي، وتحفيز القطاع الخاص الذي يمثل الشريك الرئيس في النمو والتنمية وتحقيق مستهدفات "الرؤية"). كما أشار أيضا في الحوار الأخير، وفي عديد من تصريحاته أيده الله، إلى أنه ما زال أمامنا جميعا طريق طويل حتى الوصول إلى مستهدفات "رؤية 2030"، وأن ما تحقق من منجزات حتى تاريخه، لا يعني أننا وصلنا إلى نهاية الأهداف، كما لا يعني تأخر تقدم بعض ما كان مستهدفا إن حدث ذلك في تفاصيل ضيقة منه عجزنا عنه، بل كل ذلك جزء من التحديات التي نخوضها جميعا في الطريق الطموح الذي بدأنا خوضه منذ ثلاثة أعوام، ويبقى منه نحو أحد عشر عاما بحلول 2030. تؤكد المؤشرات الأخيرة توافر قدرة أكبر لدى الاقتصاد الوطني على تجاوز كثير من التحديات، سواء تلك الناتجة من عمليات الإصلاح، أو تلك المترسبة نتيجة قصور عديد من السياسات التنموية السابقة، التي توزعت بين مختلف جوانب التنمية المستدامة كالتوظيف وتحسين مستوى الدخل، وتقليص فجوات التباين في مستويات الدخل بين طبقات المجتمع، والحد من أشكال احتكار الأراضي والعقارات والأنشطة التجارية والخدمية، إضافة إلى محاربة أشكال وأوجه التستر التجاري كافة، وتحسين بيئة الاستثمار المحلية، وتعزيز التنافسية في السوق المحلية، والعمل على معالجة مسلسل عديد من الأزمات التنموية كأزمة الإسكان، وسرعة تطوير البنى التحتية، والارتقاء بالرعاية الصحية، وتوسيع فوائد التنمية الشاملة والمستدامة، لتشمل أكبر قدر ممكن من مختلف الشرائح السكانية في المدن والمناطق الحضرية على حد سواء. والله ولي التوفيق.
مشاركة :