لطالما ذكر مراقبون أن «حزب الله» اللبناني يتألم نتيجة حملة الضغوط التي تفرضها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على إيران، فهذه الدولة تسهم بمبلغ 700 مليون دولار في ميزانية الحزب السنوية، التي تبلغ نحو مليار دولار. ونظراً إلى تزايد الضغوط الأميركية على إيران، يتناقص حجم الأموال التي تصل إلى الحزب. ولكن العقوبات المفروضة على إيران من غير المرجح أن تؤدي إلى إفلاس الحزب، لأنه يحصل على نحو 300 مليون دولار سنوياً من مصادر مستقلة، بما فيها أرباح الجريمة العابرة للدول، وإن الرقم الحقيقي أكبر من ذلك بكثير. ويقدم الحزب لكارتلات المخدرات الكبيرة في أميركا الجنوبية خدمات غسيل الأموال، وإذا لم تبدأ إدارة ترامب التشديد على هذا النوع من الأموال، فإن الحزب لن يتأثر بأي عقوبات على إيران. القدرة على البقاء وأثبت الحزب قدرته على البقاء، رغم العقوبات القاسية على إيران، ففي الفترة ما بين عام 2006 و2014، قام المجتمع الدولي بإنشاء نظام عقوبات وبصورة تدريجية ضد إيران، للضغط عليها كي تقدم تنازلات حول برنامجها النووي، ولكن تلك العقوبات لم يكن لها عظيم الأثر في قبضة الحزب بالسيطرة على السياسة المحلية في لبنان، والمشاركة في الحرب في سورية. وفي واقع الأمر، فإن إيران زادت من دعمها المالي للحزب، على الرغم من العقوبات المفروضة عليها، وزاد الحزب من حجم ميزانيته في العقدين الماضيين، نتيجة تنويع موارد مداخيله المالية في أميركا اللاتينية. ولكن واشنطن لم تبذل أي جهود منسقة لمعالجة قضية تمويل «حزب الله»، مخافة أن ينعكس ذلك سلباً على المفاوضات مع إيران، حيث قامت إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، بإلغاء «مشروع كساندرا»، ومدته ثماني سنوات، كانت تديره إدارة مكافحة المخدرات الأميركية، والذي كان يهدف إلى مكافحة تواطؤ «حزب الله» مع كارتلات المخدرات في أميركا الجنوبية. ووعدت إدارة ترامب بإعادة التركيز على عمليات «حزب الله» في أميركا الجنوبية، ولكنها لم تصدر أي اتهام حتى الآن ضد حلفاء «حزب الله» في أميركا اللاتينية. ولكن واشنطن لم تكن صامتة على أعمال الحزب خارج أميركا اللاتينية، فمنذ يناير 2017 فرضت وزارة الخزانة الأميركية عشرات العقوبات ضد قادة الحزب. ووصفت وزارة العدل «حزب الله» بأنه أحد أضخم خمس منظمات عابرة للدول تشكل تهديداً على الأمن القومي الأميركي. من ناحيته، أصدر «الكونغرس» الأميركي في أكتوبر الماضي قراراً يمنح الرئيس الأميركي سلطة أوسع لمقاضاة من يساعد الحزب مالياً. كنز معلومات وتعتقد إدارة ترامب أن الشاهد الرئيس على نشاطات «حزب الله» المالية في أميركا الجنوبية هو الرئيس السابق للمخابرات الفنزويلية، هوغو كارفاجال، الذي تم اعتقاله في إسبانيا أبريل الماضي، وبانتظار ترحيله إلى الولايات المتحدة، بعد توجيه تهم تهريب المخدرات إليه. ويمكن أن يكون هذا الرجل كنزاً للمعلومات التي تكشف الكثير عن العلاقة المشبوهة بين فنزويلا وإيران و«حزب الله». وثمة أدلة قوية على أن شبكة «حزب الله» المالية موجودة بفضل مصادر غير متوقعة، وأحدها هو أيمن جمعة، الذي يعتبر المسؤول الأول عن أحد أهم برامج الحزب لغسيل الأموال، والذي تحقق إدارة مكافحة المخدرات الأميركية فيه كجزء من «مشروع كساندرا». وتعتقد إدارة مكافحة المخدرات أن جمعة يستخدم مصرفاً كندياً لبنانياً، وشبكة ضخمة من الشركات لغسل 200 مليون دولار شهرياً لكارتلات المخدرات المكسيكية والكولومبية. وتكلل التحقيق بتوجيه الاتهام إلى جمعة عام 2011، واتخاذ إجراءات مصادرة ضد المصرف اللبناني الكندي، وشركات لبيع السيارات المستعملة في الولايات المتحدة. وكانت شبكة جمعة تستخدم الشركات الأميركية لشراء سيارات مستعملة، وإعادة بيعها في إفريقيا الغربية كجزء من وسائل معقدة لغسيل أموال المخدرات. وهناك أدلة أيضاً على أعمال «حزب الله» الإجرامية متوافرة في مشروعات لم تكتمل بعد، وهي تابعة للمصرف اللبناني الكندي. وأنشأ الحزب 300 شركة في الولايات المتحدة لبيع السيارات المستعملة إلى دول غر ب إفريقيا، ولكن الإجراءات القانونية المتخذة ضد البنك المذكور طالت 30 منها فقط، أما الـ270 الأخرى فلاتزال تعمل. وترى إدارة مكافحة المخدرات أنه حتى بعد إلغاء بنك كندا لبنان، فإن «حزب الله» لايزال قادراً على غسيل مبالغ ضخمة من الأموال. شركات لاتزال تعمل ولا يساور وزارة الخزانة الأميركية أدنى شك بأن شركات غسيل الأموال لاتزال تعمل. وفي أبريل فرضت الوزارة عقوبات ضد شركة شمس للصرافة التي مقرها في لبنان، والتي تعمل في غسيل الأموال لمصلحة كارتلات المخدرات. وحسب الوزارة، فإن جمعة كان أحد زبائن شركة شمس. وعلى الرغم من أنه تم اتخاذ إجراءات قانونية ضد نقطة دخول الأموال إلى لبنان، إلا أنه لم يتم اتخاذ أي إجراء ضد مصدر قدومها من أميركا اللاتينية حتى الآن لوقف تدفق المال إلى الحزب، وكذلك ضد من يسهلون تدفق الأموال إلى الحزب العاملين في منظمة «تري بوردر آريا»، وهي مركز لغسيل الأموال ونشاطات تهريب المخدرات في الأرجنتين والبرازيل والباراغواي. وتعتقد إدارة ترامب أنها منطقة مهمة جداً بالنسبة لتدفق الأموال للحزب، ولكن الولايات المتحدة لم تفرض أي عقوبات على من يقدمون العون للحزب في المنظمة، على الرغم من توافر الأدلة ضدهم. فشل إثبات الدليل وفشلت الولايات المتحدة في إثبات الاتهام ضد العاملين في غسيل الأموال، على الرغم من أن العديد من هذه الشركات العاملة في هذا المجال تواصل عملها في الولايات المتحدة ذاتها، وهي تشكل خطراً، ليس لكونها تمول منظمات خارجة عن القانون فقط، وإنما لخطرها على تماسك النظام المالي في الولايات المتحدة أيضاً. وهناك العديد من الأدلة التي تؤكد أن السلطات الأميركية يمكنها مكافحة «حزب الله» بصورة أكثر فاعلية، إذ إن واشنطن تملك طرقاً عدة للقيام بذلك. أولاً، تستطيع إدارة ترامب أن تسلّط وزارة العدل ضد شبكات «حزب الله»، وهي بحاجة إلى المزيد من الموارد للقيام بذلك، أي إلى مزيد من المدعين العامين، ومزيد من المحللين والمترجمين الذين يعلمون اللغات الإسبانية والبرتغالية والعربية أيضاً. وثانياً، يتعين على إدارة ترامب فرض العقوبات وتوجيه الاتهامات واتخاذ الإجراءات ضد اللاعبين السيئين، وليس تركهم يتحركون بحريتهم في الميدان، كما يرى مسؤولو المخابرات، على أمل اتخاذهم مخبرين لهم. واشتكت مصادر سرية، ضمن مجتمع المخابرات في أميركا اللاتينية، إلى مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات بأن وزارة الخارجية الأميركية استخدمت نفوذها مرات عدة لرفض العديد من مذكرات الاعتقال ضد عاملين لمصلحة «حزب الله». وإذا كان هذا صحيحاً، فإنه يقوّض أهداف الأمن القومي الأميركي. وثالثاً، يتعين على الولايات المتحدة البدء في استهداف من يقدمون العون للحزب، ويشكلون أذرعه الخارجية. وإذا كانت دولة مثل الباراغواي لا تستطيع تنظيف سياستها ونظامها المصرفي، فيتعين على الولايات المتحد أن تضغط على المؤسسات الدولية المعنية، مثل «القوات الخاصة المالية»، كي تضعها على القائمة السوداء. ويمكن لوزارة الخزانة الأميركية أن تعتبر كل المؤسسات المالية التي تتعامل مع الحزب مؤسسات تعمل في غسيل الأموال. ورابعاً، يجب على الولايات المتحدة أن ترفض منح المسؤولين في دول أميركا اللاتينية تأشيرة دخول إلى أراضيها، لمنعهم من الانخراط مع الحزب أو العمل كعقبة في وجه القضاء الأميركي. ويتعامل بعض السياسيين في دول أميركا الجنوبية مع المجرمين، ولكنهم يحبون الولايات المتحدة كمكان للدراسة، وقضاء العطلات، أو حتى التسوق. وفي نهاية المطاف، نستطيع القول إن الإدارة نجحت في ممارسة ضغوط شديدة على إيران، ولكنها إذا لم تمارس ضغوطاً مضاعفة على موارد الحزب المالية المتعددة، فإن هذا الحزب، الذي يشكل الوكيل الرئيس لأعمال إيران الإرهابية، سيحافظ على امتلاكه القدرة لضرب المصالح الأميركية، وفي الوقت ذاته يواصل جمع التمويل الذي يحتاجه. • واشنطن لم تبذل أي جهود منسقة لمعالجة قضية تمويل «حزب الله»، مخافة أن ينعكس ذلك سلباً على المفاوضات مع إيران، حيث قامت إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، بإلغاء «مشروع كساندرا»، ومدته ثماني سنوات، كانت تديره إدارة مكافحة المخدرات الأميركية، والذي كان يهدف إلى مكافحة تواطؤ «حزب الله» مع كارتلات المخدرات في أميركا الجنوبية. ايمانويل اوتولينغي - كبير الباحثين في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيةطباعةفيسبوكتويترلينكدينPin Interestجوجل +Whats App
مشاركة :