الروائي النزاوي: المنتج الثقافي يعاني ضعف الحركة النقدية

  • 6/17/2019
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

عبدالرحمن بن سليمان النزاوي الجهني، باحث ومؤرخ وروائي فريد، ينسج الأزمنة بتعرجاتها والأماكن بوعورتها، ويجيد الأسلوب والحبكة وشحن المواقف، يقف بالقارئ في روايته «سعودي في بيروت 1955م» على شفير فترة زمنية مرهصة بالأحداث، تمثل جيل الآباء والأجداد ممن عانوا قسوة الحياة، ودفعهم شظفها إلى الاغتراب في الدول المجاورة، ليقدم إضافة جديدة للمكتبة السعودية، يمزج خلالها بين متعة النص وعمق الطرح.. في هذا الحوار مع «الرياض»، انتقد ضعف الحركة النقدية في مواكبة المنتج الثقافي، ورتابة وسبات الأندية الأدبية في رصد الإصدارات الحديثة، وتشجيع المواهب، وجشع بعض دور النشر والمكتبات، وعزوفه الشخصي عن طباعة ثلاث مؤلفات أبقاها حبيسة الأدراج، فإلى نص الحوار: أصدرت رواية و«الأندية» عنها في سبات متى وكيف كان اهتمامك الأول بالرواية؟ وبمن تأثرت؟ البداية خربشات ورقية وسجل مذكرات يومية وأنا على مقاعد الدراسة في المرحلة الابتدائية وتشجيع معلم يدعم المواهب وينميها، ثم ميلي للتدوين الخاص، واستظهاري للشواهد الشعرية، والبوح والخواطر، وإبان عملي في القوات الجوية الملكية ازداد شغفي بالكتابة، أعقبها التدوين بأسماء مستعارة عبر المواقع الإلكترونية، كل ذلك متكئ على القراءة والاطلاع والتأثر بمدارس فكرية متعددة منها مدرسة د. عبدالله الغذامي، ود. عبدالعزيز الحازمي، ومن شرفت روايتي الأخيرة بتقديمه المؤرخ الشهير د. تنيضب الفايدي. هل هناك علاقة بين عشقك للتاريخ والآثار وسردك الروائي القائم على رواسب الماضي؟ تاريخنا شفهي ولهجتنا أقرب إلى الفصحى بالتأكيد، فالمخزون التاريخي يثري الأدب والمعرفة، ويؤصل مهارة الحوار واستنطاق الأحداث، وهو رابط وثيق بين الفنين، وتاريخنا على مدى العقود الثمانية شفهي لم يحظ - مع الأسف - بالتدوين الكافي. رأيك في اللغة السردية الفصيحة للرواية وتبرير البعض الجنوح إلى العامية لإلباسها مزيدا من الواقعية؟ اللغة الفصيحة تمنح الرواية مساحة انتشار واسعة، وروايتي مزيج بين الفصحى واللهجات الدارجة وفق ما يقتضيه الحدث أو بطل الرواية والشخصيات الأخرى، وإن كانت لهجتنا السعودية الأقرب للفصحى. هل الرقابة بنوعيها الذاتية والعامة تعيقان الإبداع لدى الكاتب؟ أولا أشيد بالتطور التقني الأخير لوزارة الإعلام، الذي يسر إجراءات الفسح لإصداري وإنهاء الإجراءات في وقت قياسي من المنزل، وبالنسبة للرقابة الذاتية فهي عالية جدا لدي، ويلحظ ذلك من يقرأ لي فلا تجريح للأشخاص أو المجتمعات تصريحا ولا تلميحا، وإذا تشكل الوعي أو الرقيب الداخلي فلن يكون هناك تعارض مع الرقيب العام. يقال إن لدى الروائيين طقوسا تسبق الكتابة، فهل تطلعنا على جوانبها لديك؟ بالتأكيد، تأسرني ملكة الكتابة أثناء رحلات السفر الطويلة جوا، كما تحرضني حديقتي الصغيرة والبسيطة داخل منزلي للكتابة، وتتوالد الأفكار لدي وتنتظم وأنا أحتسي أقداح الشاي المديني المعطر بالنعناع والورد. كرست روايتك لاصطياد التفاصيل المنسية وبث الحياة فيها، فإلى أي مدى كنت حياديا وأنت تنسج الحكاية؟ عندما تكتب رواية خيالية فالخيارات متعددة ومتاحة، والمهمة أيسر بكثير من الروايات الشخصية التي تقوم على المصداقية العالية والشهادة التاريخية، ومن أبرز سهام النقد التي تلقتها الرواية إبراز جوانب خاصة من الحياة الأسرية، وإن كنت أدفع في منهجيتي نحو كثافة أعلى في التفاصيل والإيحاء واللغة، وربط البطل بوطنه ومحيطه العربي، وتسليط الضوء على شظف المعيشة وقسوتها قديما، فكيف بمن عانى اليتم والفقر والجوع والمرض، وواكب تأسيس الكيان الكبير وتوحيد المملكة، وما تبع ذلك من منعطفات ومتغيرات، وليس بدعا أن كل ذلك تم تسجيله توثيقا لدى دارة الملك عبدالعزيز وكرسي الملك سلمان للتاريخ الشفهي. منعطفات التغيير تبدو جلية في عملك الروائي، فكيف تقرأ النقلة الثقافية والحضارية التي تمر بها بلادنا؟ المملكة واكبت تحديات وتطورات مذهلة، وتماهت مع التحديث من خلال نقلات تاريخية، وكانت القيادة منذ التأسيس تسبق الزمن، فكم واجهت من ردود أفعال مع دخول المذياع والتلفاز وتشييد المدارس، والهجرة من البادية، والابتعاث، وتبدل الحياة المعيشية والاقتصادية، فوالدي مثلا بدأ موظفا بسيطا يستظل تحت شجرة شمال المملكة، وانتهى به المطاف إلى مركز وظيفي مكنه من خدمة دينه ووطنه ومليكه، واليوم تتصدر بلادنا المشهد العالمي تقدما وحضارة، ويكفيها على الصعيد الإسلامي رعايتها للحرمين الشريفين والعناية بقاصديهما. لماذا عمدت إلى السرد اللاحق والإشارة لبعض الشخصيات؟ وهل الحكاية مختمرة بتفاصيلها في ذهنك أم أنها تشكلت أثناء الكتابة؟ ملازمتي لوالدي وأقرانه جعلت الرواية مختمرة في ذهني، أما تفاصيل الشخصيات فكان بعضها اهتماما مباشرا منه بتكريمه لعدد ممن رافقوا كفاحه أو أعانوه أو خدموه، كما أن والدي أوقفني على بعض الأماكن التي صنعت عصاميته كمصنع الفوسفات في الأردن الذي عمل به وهو في ربيعه الخامس عشر. الزمان والمكان عنوان لروايتك المطبوعة، فلماذا بيروت و1955م خصوصا؟ بيروت 1955 م كانت من أرقى وأجمل عواصم العالم، تستقبل البعثات العلمية وتشهد تطورا طبيا لافتا، وبطل القصة ذهب إلى هناك بأمر علاجي من الملك سعود - رحمه الله -، ووصلها بهيئته البدوية وثوبه المردون وشعره الطويل وعاد منها ينقل ثقافة وفكرا جديدا. هل فكرت في تحويل الرواية إلى عمل سينمائي؟ وكيف تفسر محدودية رواج الروايات العربية في الغرب؟ إذا وجدت من يخدم الرواية ويبرز معاناة الآباء والأجداد فلن أتأخر، أما محدودية رواج الروايات العربية في الغرب، فيرتبط بجملة من الأسباب، أهمها إبداع المترجم في خلق روح جديدة للنص، وأهمية بلد الرواية، والمجريات والأحداث المثيرة للحكاية، وتقبل التقاليد أو رفضها. ما العقبات التي تواجه الروائي السعودي؟ وهل الحركة النقدية تواكب نشر الأعمال الأدبية؟ يعاني الروائي الموهوب من عدم مساندة كبار الروائيين أو النقاد المعروفين له واكتفائهم بما حصدوه من شهرة وإعجاب، إضافة إلى الطباعة باهظة الثمن، واحتكار أعماله من قبل بعض دور النشر والمكتبات، فهل يعقل أن تصل أو تتجاوز نسبة الفائدة 60 في المئة من قيمة الكتاب حتى يوضع داخل أرفف مكتبة ما!، تقاعس الإعلام المرئي والمسموع عن التعريف بالمنتج الثقافي عبر برنامج أسبوعي يواكب الحركة الأدبية، ولدي عتب كبير على رتابة وضعف دور الأندية الأدبية، فلك أن تتخيل أني منذ طرح روايتي في الأسواق لم يتواصل معي أحد، بينما حظيت باستقبال مشرف وثناء أضعه وساما على صدري من قبل المشجع الأول للحركة الأدبية والثقافية في المنطقة صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان أمير المدينة المنورة، وهذا يجعلني أتساءل عن أهمية النادي الذي لا يتابع الإصدارات الأدبية، كما أني آمل أن يُدعى المؤلفون إلى المحافل الأدبية والمعارض والمهرجانات، وأن يحظوا بالتكريم المستحق.

مشاركة :