مثّل سماح الولايات المتّحدة الأميركية للعراق بمواصلة استيراد الكهرباء والغاز من إيران وإعفائه لمدة ثلاثة أشهر أخرى من تنفيذ العقوبات المفروضة من قِبَلها على طهران، هديّة ثمينة لحكومة رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي من شأنها أن تساعدها على الصمود في فترة الصيف الصعبة التي بدأت تواجه خلالها من جديد ضغوط الشارع بسبب عجزها عن تنفيذ أي من وعودها بتحسين الخدمات وخصوصا خدمة التزويد بالكهرباء، فيما تجد قوى سياسية مناوئة لها في ذات الملفّ وسيلة مثلى لتشديد الضغوط عليها سعيا لإسقاطها. وجدّدت الولايات المتحدة، للمرة الثالثة، تمديد إعفاء العراق لمدة تسعين يوما، من العقوبات التي فرضتها على إيران ما يتيح له استيراد الكهرباء والغاز اللذين يعتمد عليهما بشدة، خصوصا في فصل الصيف شديد الحرارة.ويمثّل هذا الإعفاء أمرا حيويا لحكومة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي مع بروز حالة تململ جديدة في الشارع تنذر بتجدد التظاهرات المنددة بنقص الخدمات العامة بعد أن بلغت السنة الماضية مديات كبرى خصوصا في مناطق جنوب البلاد وسقط خلالها قتلى وجرحى. وسيكون الضغط الشعبي مرفوقا بضغط سياسي من قبل الكتل الحزبية والبرلمانية التي عبّرت عن عدم رضاها عن عمل حكومة عبدالمهدي ولم يخف بعضها مساعيه لإسقاطها. ومن سوء حظّ رئيس الوزراء أن من بين تلك القوى من كانت مساندة له في البداية وساهمت في إيصاله إلى المنصب على غرار ائتلاف سائرون المدعوم من رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، إضافة إلى قوى أخرى مناوئة له منذ البداية وطامعة في الفوز بمنصبه بعد إسقاطه على غرار تحالف النصر بزعامة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، وائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي. وأعلن رئيس كتلة سائرون النيابية حسن العاقولي في مؤتمر صحافي تقديم طلب لاستضافة عبدالمهدي وأعضاء حكومته في البرلمان لمساءلتهم بشأن الفشل في “تغيير الكثير من الواقع الخدمي والأمني والاقتصادي والفشل في خلق فرص عمل للقضاء على البطالة”، مشيرا إلى أن رأي كتلته سيعلن بشكل واضح من الحكومة في حال عدم القناعة بالأجوبة التي ستقدمها أمام البرلمان. وعلى مدار الأشهر التي سبقت فصل الصيف أغدقت الحكومة العراقية الوعود بتحسين خدمة توزيع الكهرباء، لكنّ الأيام الأولى من فصل الحرارة كشفت عن تواصل أزمة الطاقة الكهربائية بل تفاقمها قياسا بسنوات سابقة، حيث تعدّدت الانقطاعات وانخفاض قوّة التيار في عدد من مناطق البلاد بشكل أثّر على عمل مرافق حيوية من بينها المستشفيات. واضطرّت وزارة الكهرباء، لإصدار بيان أرجعت فيه انخفاض كميات إنتاج الطاقة الكهربائية في بغداد والمحافظات للنصف إلى عارض فني في منظومة الكهرباء الوطنية، مشيرة إلى أنّها تفادت الأسوأ بنجاحها في تجنيب المنظومة خطر التوقف التام. وتمكنّت الحكومة العراقية من الحصول على تمديد الإعفاء الأميركي من العقوبات على إيران أياما قبل انقضاء المهلة السابقة، وكان عدم التمديد سيوقع عادل عبدالمهدي في ورطة كبيرة يرجّح أنّها كانت ستفضي إلى إسقاطه بشكل شبه مؤكّد، إذ لن يكون من الوارد تسامح الشارع العراقي مع انقطاع كامل للكهرباء التي يستورد منها العراق 1300 ميغاواط بشكل مباشر من إيران إضافة إلى 28 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي الإيراني لتوليدها محلّيا. وتتضاعف حاجة العراقيين للكهرباء في فصل الصيف حيث تبلغ درجات الحرارة في يونيو ويوليو وأغسطس معدلات مرتفعة تقارب الخمسين درجة في بعض مناطق جنوب العراق. ويزيد ارتفاعُ استهلاك الطاقة الكهربائية صيفا الضغطَ على البنية التحتية المتدهورة أساسا مع تسرب يسبب هدرا نسبته 40 بالمئة من إنتاج الكهرباء في البلاد، وفق وكالة الطاقة الدولية. وقال عبدالحسن الجابري، مدير الصحة في ذي قار جنوب بغداد، لوكالة فرانس برس إنّ “انقطاع التيار الكهربائي يصل إلى 17 مرة في اليوم”. ويلجأ كثير من المرضى إلى المستشفيات الخاصة لتلقي العلاج رغم التكاليف العالية، لأنها تعتمد على نفسها في تأمين الكهرباء. والصيف الماضي وبعد سلسلة من التظاهرات الغاضبة ضد نقص الكهرباء، أقيل وزير الكهرباء. وهذا العام يستعد الوزير الجديد لمواجهة المساءلة أمام البرلمان، ولا يستبعد أن يقدّم “كبش فداء” لحماية الحكومة كلّها من السقوط.
مشاركة :