كان مشهدا أشبه بلقطات أفلام الكوارث في هوليوود: يفر الجميع وهم يصرخون، وتقترب سفينة سياحية عملاقة بسرعة، وتنطلق صافرات الإنذار قبل أن تصطدم السفينة بالرصيف لتصطدم بزورق سياحي كان راسيا. وتسبب الحادث الذي وقع مؤخرا في مدينة فينيسيا، بين السفينة السياحية “أم.أس.سي أوبرا” التي يبلغ وزنها 65 ألف طن، وسفينة “ريفر كاونتيس” الأصغر حجما بكثير، في إصابة أربعة سائحين مسنين. كما أعاد الحادث فتح نقاش مرير بشأن قواعد الملاحة البحرية، في أحد أهم المواقع التراثية في العالم. ويريد نشطاء محليون من لجنة “كوميتاتو نو جراندي نافي” (لا للسفن الكبيرة)، فرض حظر كامل على سفن الرحلات البحرية، ويقولون إن “المدينة والبحيرة لا تناسبان ملاحة هذه الوحوش. علينا ألا ننتظر وقوع مأساة، فلنضع حدا لهذا العار”. وجرى طرح القضية أمام صناع القرار في إيطاليا على مدار الأعوام السبعة الماضية. وكان الحديث بدأ لأول مرة عن فرض حظر على عبور السفن العملاقة، في أعقاب كارثة سفينة الرحلات البحرية “كوستا كونكورديا” في يناير من عام 2012، قبالة جزيرة جيجليو الإيطالية، في توسكانا. وتبنت الحكومة فرض الحظر آنذاك، ولكن تم تعليق القرار إلى حين فتح طريق بديل للسفن في فينيسيا. ولا يزال النزاع دائرا بين الساسة على المستويات المحلية والإقليمية والوطنية، في هذا الصدد. وألقى عمدة فينيسيا، لويجي بروجنارو، ورئيس منطقة فينيتو، لوكا زايا، باللوم على وزير النقل دانيلو تونينيلي بسبب توقف خطة عام 2017 التي كان من شأنها أن تبقي سفن الرحلات البحرية بعيدا عن قناة جيوديكا، حيث وقع الحادث الأخير بين السفينة السياحية العملاقة والأخرى الصغيرة.وقال بروجنارو لصحيفة “كورييري ديلا سيرا”، “يؤسفني أن أقول ذلك، ولكن (وزير البنية التحتية دانيلو) تونينيلي مسؤول عما حدث… لدينا إثبات ما يمكن أن يحدث عندما تغيب إرادة العمل”. وبموجب خطة بروجنارو-زايا، التي تحظى بدعم القائمين على تشغيل سفن الرحلات البحرية، ستستمر سفن مثل “أم.أس.سي أوبرا”، في الرسو بفينيسيا، ولكنها لن تمر بالقرب من “ميدان سان مارك” وغيره من المعالم الأخرى، بل ستستخدم قناة خارجية. وتحتاج القناة إلى أعمال تعميق من أجل السماح للسفن الكبيرة بالمرور عبرها. وفي إطار نفس الخطة، سيتم السماح للسفن السياحية ذات الحجم الضخم، والتي يتم إبعادها حاليا عن البحيرة، بأن ترسو في ميناء مارجيرا الصناعي، في حين ستستمر الأخرى ذات الحمولات الصغيرة في المرور عبر قناة جيوديكا. ويفضل تونينيلي الحل النهائي بصورة أكبر، أي إبقاء السفن السياحية خارج مياه فينيسيا تماما، حيث قال إنه سيجعلها تتوقف عند محطات ستقام على أحد المداخل الثلاثة للبحيرة. وينتمي الوزير تونينيلي إلى حزب “حركة خمس نجوم”، التي تدافع عن البيئة وتناهض الصناعة. ولكن الحزب الوطني الحاكم الآخر في إيطاليا، وهو حزب الرابطة اليميني المتطرف الذي ينتمي إليه نائب رئيس الوزراء ماتيو سالفيني، يميل إلى اتباع نهج معاكس. وإذا ما مضى تونينيلي في سبيله، فلن يمكن تنفيذ خطته سريعا. فبحسب بروجنارو، سيستغرق بناء محطة جديدة خارج البحيرة 10 سنوات، في حين يقول زايا إن الأمر لن يكون ممكنا من الناحية التقنية. ومع وجود الكثير من احتمالات النزاع، يبدو الحل النهائي بعيد المنال. من ناحية أخرى، يقول البروفيسور إنزو دالي ميسي، وهو مهندس قام بدراسة أبعاد حادث “كوستا كونكورديا”،“سلامة المواطنين والسائحين والحفاظ على التراث، في خطر. نحتاج قرارا سياسيا”.
مشاركة :