يواجه الرئيس الصيني شي جين بينغ في هونغ كونغ حيث أرغمت التظاهرات الحاشدة السلطات المحلية على التراجع، هزيمة نادرة قد تحمله مستقبلا على تشديد قبضة نظامه على المستعمرة البريطانية السابقة. وبعد ثلاثين عاما بالتمام على القمع الدموي لتظاهرات تيان أنمين المطالبة بالديمقراطية في بكين، عمد شي جين بينغ إلى “انسحاب تكتيكي” في مواجهة احتجاجات هونغ كونغ، المدينة التي لا تزال تنعم بوضع خاص داخل بلاده. واعتبر الخبير في الشؤون الصينية جان بيار كابستان من جامعة هونغ كونغ المعمدانية أن القادة الشيوعيين “شعروا بالخوف”، مضيفا “إنهم قلقون من التبعات المحتملة في الصين”، وهو ما “يكشف عن الارتياب داخل الحزب، وعن مفهومه للأمن”. وفي مؤشر على هذا القلق، لم تنقل بكين مشاهد التظاهرات التي جمعت مئات الآلاف من الأشخاص خلال يومي أحد متتاليين في هونغ كونغ التي تتمتع بحكم شبه ذاتي. وأفادت وسائل الإعلام الرسمية بشكل مقتضب الاثنين عن تعليق مشروع القانون حول تسليم مطلوبين للصين، وهو الذي أشعل الحركة الاحتجاجية، لكنها تجنّبت بحذر ذكر التظاهرة الحاشدة الأحد. الصفعة التي وجهتها الحشود في هونغ كونغ لبكين تأتي قبل أن يلتقي شي جين بينغ الرئيس الأميركي دونالد ترامب في نهاية الشهر في إطار قمة مجموعة العشرين في اليابان ويقول الخبير السياسي ويلي لام من الجامعة الصينية في هونغ كونغ، إنه بالرغم من كل شيء فإن “المثقفين وسكان المدن الكبرى يعرفون ما يجري”. ورأى أن تراجع سلطات هونغ كونغ عن موقفها قد “يشجع″ المدافعين عن الديمقراطية في الصين، ولو أنه لا يزال من “الصعب للغاية” تنظيم أي حركة احتجاج فيها. ولفت ويلي لام إلى أن “شي جين بينغ يسعى إلى إعطاء صورة قومي صلب عن نفسه” وأزمة هونغ كونغ تقوض برأيه هذه الصورة إذ تظهر على حد قوله “قائد 1.4 مليار صيني عاجزا عن السيطرة على منطقة تضم سبعة ملايين نسمة”. ويعتبر بيل بيشوب الذي يصدر النشرة الإخبارية “سينوسيزم”، أن المسيرات التي نزلت إلى شوارع هونغ كونغ هي بمثابة رد فعل على المنحى المتسلط الذي فرضه شي جين بينغ على الصين منذ وصوله إلى السلطة في نهاية 2012. وقال إن “الحزب برئاسة شي يعكس صورة تثير المزيد من القلق” والتظاهرات تعبر عن “رفض حاشد لفكرة أن الصين ستمتصّ هونغ كونغ كليا بعد فترة”. وبدأت بكين منذ الأسبوع الماضي تنأى بنفسها عن مشروع القانون، موضحة أنها مبادرة من رئيسة الحكومة المحلية كاري لام. وأكدت الخبيرة السياسية في جامعة “نوتر دام” في الولايات المتحدة فيكتوريا هوي، أن فكرة أن تكون لام اتخذت مثل هذا القرار دون موافقة بكين فرضية لا تقنع أحدا، معتبرة أن سحب النص يشكل فعلا “هزيمة لشي جين بينغ”. وعمد شي منذ تسلّمه الرئاسة إلى تعزيز قبضة الحزب الشيوعي الصيني على المجتمع وباشر حملة لمكافحة الفساد يقول منتقدوه إنها استهدفت أيضا خصومه السياسيين. شي جين بينغ يسعى إلى إعطاء صورة "قومي صلب" عن نفسه وأزمة هونغ كونغ تقوض هذه الصورة وفي 2017 ألغى البرلمان الصيني الحد الأقصى للولايات الرئاسية ممهدا لبقاء شي جين بينغ رئيسا للفترة التي يشاؤها، ثم أُدرج “فكره” رسميا العام الماضي ضمن الدستور، على قدم المساواة مع مؤسس النظام الشيوعي ماو تسي تونغ. وفي مؤشر على التوتر في رأس النظام، لم تعقد اللجنة المركزية التي تشكل “البرلمان” الداخلي للحزب الشيوعي، أي اجتماع منذ 15 شهرا. وتأتي الصفعة التي وجهتها الحشود في هونغ كونغ لبكين قبل أن يلتقي شي جين بينغ الرئيس الأميركي دونالد ترامب في نهاية الشهر في إطار قمة مجموعة العشرين في اليابان. ولم تؤكد الصين حتى الآن عقد لقاء ثنائي بين الرئيسين سعيا لإخماد الحرب التجارية المتصاعدة بين البلدين، لكن واشنطن عمدت إلى لعب ورقة هونغ كونغ ملوّحة بإلغاء الامتيازات التجارية الممنوحة للمستعمرة البريطانية السابقة في حال إقرار مشروع قانون تسليم المطلوبين. وحذر بيل بيشوب من أن هذا سيسدد ضربة “قاسية جدا لاقتصاد هونغ كونغ” في وسط الحرب التجارية. وتحظى هونغ كونغ بوضع خاص حتى العام 2047، بموجب الاتفاق الموقع مع لندن قبل إعادة هونغ كونغ إلى الصين عام 1997، لكن بكين قد تختار التضييق أكثر على الحريات في المدينة ولو “بصورة غير ظاهرة كثيرا”.
مشاركة :