حذر رئيس البرلمان العربي الدكتور مشعل السلمي، والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، من تنامي "التدخلات السافرة" لدول إقليمية في الشون الداخلية العربية، ووصفاها بأنها "غير مسبوقة". وعقدت اليوم (الاثنين) في مقر الأمانة العامة للجامعة العربية في القاهرة ندوة بعنوان "نحو بناء استراتيجية عربية موحدة للتعامل مع دول الجوار الجغرافي" التي نظمها البرلمان العربي. وحذر السلمي في كلمته الافتتاحية، للندوة من خطورة التحديات الجسيمة التي تواجه الأمة العربية، والمستجدات الخطيرة في المنطقة التي تستدعي وجود استراتيجية عربية موحدة للتصدي للمطامع الاستعمارية والأعمال العدوانية للدول الإقليمية، التي وصلت إلى دعم وتنفيذ عمليات إرهابية تستهدف ضرب منشآت اقتصادية حيوية داخل الدول العربية وسفن تجارية مدنية في المياه الإقليمية للدول العربية، بهدف زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة العربية، وتنامي الإرهاب والتطرف العنيف وتمدد الجماعات الإرهابية وتكوين الميليشيات المسلحة داخل الدول العربية والتي فاق خطرها كل حد، وتداعيات كل ذلك على الأمن القومي العربي ووحدة المجتمعات العربية. وقال رئيس البرلمان العربي: "إننا نقف اليوم أمام مرحلة دقيقة من تاريخ أمتنا العربية، تستوجب التحرر من التبعية الطائفية والمذهبية والفكرية للدول الإقليمية والتي وصل تدخلها السافر في الشؤون العربية لدرجة غير مسبوقة، من خلال الاحتلال المباشر للأراضي العربية وفرض سياساتها ومواقفها وتوجهاتها الفكرية والطائفية على الدول والمجتمعات العربية". وأكد الحاجة الماسة إلى مشروع عربي يصون الثوابت العربية ويدافع عن السيادة العربية ويحافظ على الأمن القومي العربي ويتصدى للتدخلات الإقليمية والأجنبية في الشؤون العربية، لافتًا إلى أن أحد أهم تجليات هذا المشروع بلورة استراتيجية عربية موحدة للتعامل مع دول الجوار الجغرافي العربي. ولفت إلى أن عقد هذه الندوة يعد أحد أهم توصيات "الوثيقة العربية لتعزيز التضامن ومواجهة التحديات"، التي أعدها البرلمان العربي من خلال نخبة من القيادات العربية رفيعة المستوى وناقشها واعتمدها في جلسة البرلمان العربي التي انعقدت في شهر فبراير الماضي. وشدد على أن التطورات الأمنية الخطرة التي شهدتها منطقة الخليج العربي أخيراً، التي استدعت عقد قمتين طارئتين خليجية وعربية بمكة المكرمة بدعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود تستوجب موقف عربي ودولي حازم للتصدي للأعمال الإرهابية والعمليات التخريبية المدعومة من بعض الدول الإقليمية ومحاسبتها وتجريمها طبقًا للقانون الدولي. وأضاف: "أن هذه التطورات تؤكد أهمية وجود استراتيجية عربية موحدة للتعامل مع هذه التحديات الخطرة من دول الجوار الجغرافي، هدفها حفظ الأوطان، والتصدي للتدخلات الخارجية والإقليمية في الشؤون العربية، وصيانة الأمن القومي العربي الذي هو كلٌ لا يتجزأ من المحيط إلى الخليج". من جانبه، أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط في كلمته أن أصل المشكلة في العلاقة بين الدول العربية من جهة وإيران وتركيا يتمثل في أن كلًا الدولتين يحمل مشروعًا سياسيًا يرى تطبيقه خارج حدود دولته، وبالتحديد في المنطقة العربية. وقال: "إن ندوة اليوم تطرح مسألة التعامل مع دول الجوار الجغرافي على طاولة البحث الفكري، والحوار العملي"، معربًا عن يقينه بأن علاقةً صحية وصحيحة، تنطلق من أسس سليمة مع دول الجوار، ينبغي أن تحتل مكانها كأولوية رئيسة على أجندة الفكر الاستراتيجي العربي، في جانبه النظري وتطبيقاته العملية على حدٍ سواء. وأشار إلى أن الأزمات مع إيران وتركيا في الآونة الأخيرة إلى حد صار معه الحوار صعبًا بل وغير مجدٍ في الوقت الحالي، فالحوار لغرض الحوار، من دون إطار مفاهيمي يحكمه أو نقاط مرجعية تضبطه، لا يكون سوى تمرين ذهني، أو استعراضٍ شكلي، لا يُعالج القضايا الجوهرية ولا يؤسس لعلاقة صحية. وأضاف: "نشاهد اليوم ما تُباشره إيران وأذرعها من تهديدات خطيرة للأمن القومي العربي، بل وللأمن العالمي في واحدٍ من أدق مفاصله المتعلقة بأمن طرق التجارة والممرات البحرية وسلامة المنشآت البحرية"، مشيراً إلى أن العلاقة مع الدولتين الجارتين للعالم العربي، انحدرت لحد مؤسف لا يتمناه أي عربي لعلاقة مع دولتين إسلاميتين تربطنا بهما عُرى التاريخ والجغرافيا، وأواصر الدين والثقافة. وأوضح أن إيران تعد أن المنطقة العربية ساحة مفتوحة ومباحة لمشروعها التوسعي، وتُعطي لنفسها حق التدخل في أزمات الدول العربية، بل إشعال هذه الأزمات في أحيان كثيرة، من أجل الدفع قُدمًا بهذا المشروع الذي يتعارض مع أسس الدولة الوطنية على طول الخط، فيما تدفع تركيا بمشروع آخر لا يقل خطورة، يعتنق الإسلام السياسي في ثوب من العثمانية الجديدة، ويسعى إلى الترويج لمنطلقاته الأيديولوجية في منطقةٍ ثبت أنها ترفض هذا المشروع. وشدد على أن كلا المشروعين، الإيراني والتركي، توسعي ويؤسس لعلاقة تقوم بين طرف مُهيمن وآخر تابع، وكلاهما يقفز فوق الدول وسيادتها، وكلاهما يرى في الصراعات الدائرة في المنطقة فُرصة للتغلغل والتمدد، معربًا عن تطلعه إلى يوم يتغير فيه ذاك النهج، فيكون للحوار ساعتها معنى ونتيجة. وتطرق أبو الغيط في كلمته إلى العلاقات مع الجوار الأوروبي، لافتًا الانتباه إلى أن المشكلة تتمثل في أن الأوروبيين يركزون في العلاقة مع العرب على الهجرة غير الشرعية، في الوقت الذي تسببت فيه سياساتهم في تفجر مثل هذه الأزمات على مدى عقد كامل تجاه المنطقة خاصة في سوريا وليبيا. وبالنسبة للعلاقات مع الجوار الإفريقي، قال أبو الغيط إنها تحتاج إلى دفعة تُنشطها وتبث الحياة في أوصالها، موضحًا أن هذه العلاقات ما زالت بعيدة عن المستوى الاستراتيجي المأمول كون عشر دول عربية أعضاء في الاتحاد الأفريقي. وفيما يتعلق بالعلاقات العربية - الإسرائيلية قال: "إننا لم نذكر إسرائيل في سياق الحديث عن الجوار العربي، إلا أننا ننظر إليها أيضًا بوصفها دولة جوار، بيننا وبينها قضية واضحة ومحددة هي القضية الفلسطينية، وإذا اختارت إسرائيل السبيل الوحيد المعقول والمقبول من جانبنا كعرب لحل هذه القضية، وهو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، فسيتم قبولها في المنطقة كطرفٍ إقليمي طبيعي، وهذا هو جوهر مبادرة السلام العربية". ويهدف البرلمان العربي من تنظيم هذه الندوة التي يشارك فيها عدد من الوزراء والبرلمانيين والسياسيين والخبراء وأساتذة العلوم السياسية، ورؤساء لجان الشؤون السياسية والعلاقات الدولية في المجالس والبرلمانات العربية ورؤساء أقسام العلوم السياسية في عدد من الجامعات العربية، إلى بلورة الأسس والأهداف والأحكام "للاستراتيجية العربية للتعامل مع دول الجوار الجغرافي"، من أجل بناء موقف عربي موحد للتعامل مع تلك الدول.
مشاركة :