السلام الصعب في أفغانستان

  • 6/19/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

فيجاي براشاد* من الصعب توضيح طبيعة محادثات سلام أفغانستان. فليس هنالك طاولة وحيدة يجلس المتحاربون على كِلا جانبيْها. والمحادثات لا تجري حتى في نفس المدينة، حيث تدور مجموعتان من المناقشات على الأقل. أحد مواقع محادثات السلام هو الدوحة، حيث تلتقي طالبان مع حكومة الولايات المتحدة. والموقع الآخر هو موسكو، حيث تعقد طالبان اجتماعات مع قادة المعارضة الأفغانية، بما في ذلك الرئيس السابق حامد قرضاي.ويغيب عن كلتا فئتي الاجتماعات الرئيس «أشرف غني» وحكومته. فطالبان تعتبرهما غير شرعيّين، ولا دخل لهما بالأمر. ويقول الجميع، باستثناء الرئيس «غني»: إن المحادثات أحرزت «تقدّماً»، ولكن الدبلوماسيّين المتمرّسين يقولون: إن هذا «التقدم» شديد البُطء لحرب دامتْ حتى الآن 18 عاماً. بين فبراير / شباط ومارس / آذار هذا العام، التقى مبعوث الولايات المتحدة زلماي خليل زاد، (في الدوحة)، والمؤسس المشارك لحركة طالبان، «المُلّا عبد الغني بَرادَر» خلال الجولة الخامسة من محادثات السلام. وتقول طالبان: إنه لا يمكن أن يكون سلام، ما لم تنسحب جميع القوات الأجنبية من البلاد.وعلى المستوى العملي، فإن انسحاب القوات الأجنبية البالغ عددها 15 ألفاً، والتي تشكل القوات الأمريكية معظمها، سوف يضع البلاد في أيدي طالبان. وهنالك تغييران في سياسة الولايات المتحدة يوحيان بأن الحكومة الأمريكية تعرف أن اللعبة انتهت في أفغانستان. ففي أكتوبر / تشرين الأول 2017، كفّتْ الولايات المتحدة عن إحصاء الخسائر في قوات الأمن الأفغانية. وفي هذا العام توقفت الحكومة الأمريكية عن قياس مساحة الأراضي، وعدد السكان الأفغان الخاضعين لسيطرة الحكومة. وقد أظهرت آخر دراسة أمريكية أن الحكومة الأفغانية تسيطر على أراضٍ يقطنها نحو 63.5% من السكان، في حين أن البقية في أيدي طالبان، أو يظلّ متنازعاً عليه. وتشير جميع الدلائل إلى أن التوازن آخذٌ في التحوّل، مع سيطرة طالبان على مزيد من الأراضي. وهذا هو السبب الذي جعل الحكومة الأمريكية تتوقف عن العدّ. وبعد أن أطلق «برادَر» من الدوحة دعوته إلى انسحاب القوات الأجنبية ذهب إلى موسكو، لمحادثات السلام التي تدعمها روسيا. وهنا وجد مؤسس طالبان المشارك أذناً صاغية لدى وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف. وأكّد كلاهما الحاجة إلى رحيل القوات الأمريكية عن البلاد، كشرط مسبق لإجراء مزيد من المحادثات. لقد كانت الحرب على أفغانستان شنيعة. مات عددٌ لا يُحصى من الأفغان في هذا الصراع، الذي يصعب استنباط أهدافه. وتُبيّن أرقام الأمم المتحدة أن عدد المدنيين الذين قُتلوا في عام 2018 كان 3804، بينهم 900 طفل. هذا هو العام الأشدُّ دمويّةً للمدنيين منذ بدأت الولايات المتحدة قصف أفغانستان للمرة الأولى في عام 2001. والموت هو إحدى عواقب الحرب. والمجاعة واحدة أخرى. قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في أفغانستان: إن نصف السكان سيحتاجون إلى المساعدة على مدى هذا العام. وهؤلاء الناس البالغ عددهم 3.3 مليون شخص، سوف يتضوّرون جوعاً نتيجةً لفشل المحاصيل وجفاف قنوات الرَّيّ. وقد جعل الجفاف في غربيِّ أفغانستان 175 ألف شخص آخرين يهيمون على وجوههم بحثاً عن الغذاء، في طول البلاد وعرضها. وسوف يفاقم الجوع سوء التغذية والمرض، من دون وجود علامات على أي مساعدة لهؤلاء الناس. وتشير كل البوادر إلى الرغبة داخل إدارة ترامب في سحب قوات الولايات المتحدة. وقد حاولت محكمة الجنايات الدولية فتح تحقيق في جرائم الحرب على أساس استنتاجات أولية تفيد بأن جنوداً أمريكيين انتهكوا القانون الدولي في أفغانستان. وقد حالت إدارة ترامب دون إجراء هذا التحقيق. ومع ذلك، وفي ال 7 من يونيو / حزيران، قدّمت المدعية العامّة الرئيسية في محكمة الجنايات الدولية «فاتو بِنْسودا» طلباً لمواصلة مهمّتها. ويبدو أن «بنسودا» غير مستعدّة للسماح بإغلاق القضية سياسياً. ومن المطروح على الطاولة في الدوحة، صفقة جانبية من الولايات المتحدة لقبول بعض مطالب طالبان، إذا طلبت الحكومة الأفغانية التي ستظهر، من محكمة الجنايات الدولية سحْب القضية. وقد بدأ العديد من الدول الأوروبية ترحيل طالبي اللجوء السياسي الأفغان على أساس أنهم ليسوا «لاجئين»، بل مجرّد «مهاجرين اقتصاديين». ومع ذلك يبيّن تقرير للمجلس النرويجي للاجئين من عام 2018، أن أولئك المرَحَّلين يُجبَرون على الهرب مرة أخرى. ولا شيء من ذلك يهمُّ الدول الأوروبية، حيث إن تَجَدُّد العنصرية الأوروبية ورهاب الأجانب، يقودان السياسة. والضغط من أوروبا لإنهاء هذه الحرب يتنامى يوميّاً. ومن المحتمل أن يتصاعد هذا الضغط في مقرّ حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهو ما سيكون له تأثير في الجدول الزمني لانسحاب الولايات المتحدة. ولن تُسفر محادثات السلام في الدوحة وروسيا على الفور عن أي نتيجة مباشرة. إن الأضرار التي لحقت بأفغانستان تفوق الخيال، ومستقبلها أقلّ أهميةً لدى الأطراف الخارجية من مكاسبها الصغيرة. * مؤرخ ومفكر وصحفي ومعلق هندي، والمدير التنفيذي لمعهد «تْرايْكُنْتِنَنْتال» للبحوث الاجتماعية موقع: «كومون دريمز»

مشاركة :