برلين - أعلنت الحكومة الألمانية اليوم الثلاثاء أنها تأخذ التفسيرات الأميركية للهجمات الأخيرة على ناقلات نفط في خليج عُامان والتي تعتقد واشنطن ولندن أن إيران تقف وراءها، على محمل الجدّ، مضيفة إلى أن هناك أدلة قوية. وبهذا الموقف تكون ألمانيا وهي واحدة من القوى الست الموقعة على الاتفاق النووي الإيراني للعام 2015، قد اقتربت من المواقف الأميركية والبريطانية من أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة. وتشكل هذه الإشارات في مضامينها وتوقيتها أيضا تناغما ألمانيا مع الاتهامات الأميركية لطهران بتنفيذ الاعتداءات الإرهابية على أربع ناقلات نفط قبالة السواحل الإماراتية وأيضا الهجمات الأخيرة على ناقلتي نفط نرويجية ويابانية في بحر عُمان قرب مضيق هرمز. وعلى الرغم الخلافات الألمانية الأميركية حول الملف النووي الإيراني ومساعي برلين والدول الموقعة على اتفاق 2015، أبدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قلقها من أدلة تشير إلى تورط إيراني في الاعتداءات على ناقلات النفط في الممرات المائية الحيوية لإمدادات الخام العالمية. وقالت ميركل إن ألمانيا تفعل كل ما بوسعها لنزع فتيل التوترات المتصاعدة مع إيران بطريقة سلمية، لكن يتعين على طهران الالتزام بالاتفاق النووي المبرم عام 2015. وأضافت "نسعى جاهدين لأن تلتزم إيران بالاتفاق النووي وإذا لم تفعل فستكون هناك عواقب بالطبع"، مشددة في الوقت ذاته على ضرورة التوصل إلى حلّ سلمي وإلى تهدئة التوتر القائم بين واشنطن وطهران. ولا يشكل الموقف الألماني استثناء ضمن مواقف الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق النووي، حيث تجمع هذه القوى على ضرورة الحل السلمي للأزمة وتتمسك في الوقت نفسه بإنقاذ الاتفاق من الانهيار حماية لصالحها وخشية مواجهة عسكرية في المنطقة. وتضع الانتهاكات الإيرانية للاتفاق النووي وأنشطتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة الدول الأوروبية في حرج وتعقد مهمتها في مساعدة طهران على الالتفاف على العقوبات الأميركية من خلال آلية للتجارة والتعاملات غير الدولارية لضمان استمرار تدفق النفط الإيراني وصادرات طهران النفطية. وذكرت ميركل أنه بالرغم من ذلك فإن المفاوضات مثل التي أجراها وزير الخارجية الألماني هايكو ماس في إيران مؤخرا هي الطريق السليم، داعية القيادة الإيرانية إلى التمسك بالاتفاق النووي الدولي ومحذرة من العواقب في حال عدم حدوث ذلك. وكانت برلين ولندن وباريس قد حذّرت يوم الإثنين إيران من تجاوز حدود مخزونات اليورانيوم المنصوص عليها في اتفاق 2015، في حين اعتبرت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي أن تهديدات طهران تأتي في إطار "الجدلية السياسية". ولوحت إيران الاثنين بزيادة مخزونها من اليورانيوم المخصب قائلة إنها ستتجاوز اعتبارا من 27 يونيو/حزيران الحدود التي ينصّ عليها الاتفاق النووي. لكن ماس رفض التحذير الإيراني وشدد على ضرورة أن تلتزم طهران بتعهداتها الواردة في الاتفاق. وقال بعد محادثات مع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ "لقد أعلنا في السابق أننا لن نقبل بأقل مقابل أقل. الأمر متروك لإيران للالتزام بتعهداتها"، مضيفا "بالتأكيد لن نقبل التراجع عن الالتزامات من جانب واحد". وردد متحدث باسم الحكومة البريطانية ذلك قائلا، إن الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق "أوضحت باستمرار أنه لا يمكن الحد من الالتزام"، مضيفا "في الوقت الحالي لا تزال إيران ضمن التزاماتها النووية. نحن ننسق مع الشركاء الأوروبيين في شأن الخطوات التالية". ودعا الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الاثنين طهران إلى التحلي بـ"الصبر والمسؤولية" ردا على إعلانها بشأن زيادة تخصيب اليورانيوم يما يتجاوز الحد المنصوص عليه في اتفاق 2015. وقال خلال مؤتمر صحافي مع الرئيس الأوكراني فولودومير زيلنسكي في باريس "أعرب عن الأسف للتصريحات الإيرانية"، مضيفا أن طهران لا تزال حتى الآن "تحترم واجباتها ونشجعها بقوة على التحلي بالصبر والمسؤولية". وتابع "إن أي تصعيد لن يدفع بالاتجاه الصحيح. سنبذل كل ما هو ممكن لإقناع إيران بسلوك هذه الطريق". وفي وقت لاحق، دعت مورغان أورتاغوس المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية العالم إلى "عدم الخضوع للابتزاز النووي" الإيراني. وقالت "نواصل دعوة النظام الإيراني للامتثال لالتزاماته تجاه المجتمع الدولي". وأجابت ردا على سؤال "قلنا بوضوح شديد أننا لن نتسامح مع حصول إيران على سلاح نووي، نقطة إلى السطر"، فيما طلب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من إيران أن تواصل تطبيق التزاماتها النووية. وقال ستيفان دوجاريك المتحدث باسمه "يشجع الأمين العام إيران على مواصلة تطبيق التزاماتها في المجال النووي ويدعو كافة الأطراف إلى احترام واجباتها والدول الأعضاء الأخرى إلى دعم تطبيق" الاتفاق النووي. أما وزيرة الخارجية الأوروبية فيديريكا موغيريني فقالت إن "تقييمنا لن يكون قائما أبدا على تصريحات بل على حقائق وعلى التقييم الذي تجريه الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، مضيفة "حتى الآن وأنا أتحدث معكم ما زالت إيران تحترم التزاماتها. وإذا غيرت الوكالة تقييمها فسوف نجري تقييما لموقفنا". وتابعت "التصريحات عبارة عن عناصر ذات صلة بالجدلية السياسية، لكن تقييمنا لتطبيق الاتفاق يستند إلى التقييم الواقعي والسليم تقنيا اللذين أجرتهما الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تقاريرها"، محذرة في ختام الاجتماع من أن النزاع سيكون "في غاية الخطورة". وقالت "لن يستفيد أحد من ذلك". وقال الوزير الفنلندي بيكا هافيستو في اجتماع الوزراء الفرنسي جان-ايف لو دريان والبريطاني جيريمي هانت والبلجيكي ديدييه ريندرز، إنه "من الضروري الحصول على كل الأدلة" قبل استخلاص الاستنتاجات. وأيد عدد كبير من الوزراء موقف الأمين العام للأمم المتحدة الذي طالب بإجراء تحقيق مستقل. وقال وزير خارجية لوكسمبورغ جان أسيلبورن إن "المهمة الأساسية لوزراء الخارجية هي تجنب اندلاع الحرب"، محذرا من تكرار الأخطاء الدبلوماسية التي أدت إلى غزو العراق عام 2003. وأضاف "أنا مقتنع كما كنت قبل 16 عاما بأن علينا ألّا نقع في خطأ الاعتقاد بأنه في إمكاننا حل مشكلة في الشرق الأوسط بالسلاح". وحذر وزير الخارجية النمساوي الكسندر شالنبرغ من أن "الخطر هو أننا هنا نلعب بالنار، وفي النهاية لن يكون هناك في الواقع سوى خاسرين". ويحاول الاتحاد الأوروبي إنقاذ الاتفاق النووي الإيراني المهدد بفعل انسحاب الولايات المتحدة منه وقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض عقوبات اقتصادية على طهران. وكانت هيلغا شميت مساعدة موغريني قد زارت الأسبوع الماضي المنطقة ضمن حولة خارجية شملت إيران لجمع المعلومات والاطلاع على تطورات الوضع في ذروة التوتر الأميركي الإيراني في الخليج. وكانت طهران أعلنت في 8 مايو/ايار أنها قررت وقف الالتزام باثنين من التعهدات التي قطعتها بموجب الاتفاق النووي المبرم مع القوى الكبرى عام 2015 بخصوص برنامجها النووي. ويحدد البندان احتياطي اليورانيوم المخصب بـ300 كلغ واحتياطي المياه الثقيلة بـ130 طنا.
مشاركة :