تستضيف العاصمة البلجيكية بروكسل، غدا الخميس، قمة الاتحاد الأوروبي، والتي تستمر لمدة يومين، بمشاركة قادة الدول الأعضاء الـ 28، وتتركز بالأساس على مناقشة التعيينات الجديدة الخاصة بالمناصب العليا لمؤسسات الاتحاد الأوروبي على خلفية نتائج الانتخابات الأوروبية الأخيرة.ومن المنتظر أن تتناول القمة أيضا البرنامج الاستراتيجي للاتحاد خلال الفترة من 2019-2024، والإطار المالي له لسنوات 2021-2027، فضلا عن مناقشة التغيرات المناخية في ضوء قمة المناخ التي تنظمها الأمم المتحدة في 23 سبتمبر المقبل، وتناول بعض قضايا السياسة الخارجية الأوروبية وعلى رأسها توسع الاتحاد الأوروبي.وتحظى مسألة اختيار المناصب العليا للمؤسسات الأوروبية بأهمية كبرى على جدول أعمال القمة حيث من المقرر أن تشهد الفترة المقبلة تغيير قيادات خمس هيئات في الاتحاد الأوروبى، حيث يتم اختيار رئيس البرلمان في مطلع يوليو المقبل، ورئيس المفوضية، والمنسق الأعلى للشئون الخارجية، ورئيس البنك المركزى الأوروبى في نوفمبر القادم ، ثم رئيس المجلس الأوروبى في الشهر التالي (ديسمبر).وينبغي أن تعكس تلك التعيينات الجديدة التوازنات السياسية والجغرافية والديموغرافية للاتحاد بحيث يتم تمثيل الدول الأوروبية الصغيرة والكبيرة، فضلا عن مراعاة المساواة بين الرجل والمرأة في كل المناصب رفيعة المستوى، وهو ما يجعل المعادلة تبدو أكثر تعقيدا.ويثير منصب رئيس المفوضية الأوروبية، خلفا لجون كلود يونكر، انقساما واضحا بين القادة الأوروبيين. فمن ناحية يحظى الألماني مانفريد فيبر مرشح مجموعة الحزب الشعبي الأوروبي (يمين)، والحائز على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان الأوروبي، بدعم المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، غير أنه لا يمتلك الخبرة اللازمة لهذا المنصب ويعارض ترشحه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يرغب في اختيار خليفة يونكر من دائرة تضم رؤساء حكومات الدول الأوروبية، ويؤيد مرشحين آخرين مثل الدنماركية مارجريت فيتسغير، والفرنسي ميشال بارنييه، والهولندي فرانز تيمرمان.في هذا السياق أكدت ميركل، قبل يومين، على المبدأ الخاص بقصر اختيار قادة الاتحاد الأوروبي على المرشحين الرئيسيين في انتخابات البرلمان الأوروبي، مشيرة إلى أنه لا يمكن لمجموعة حزبية أن تكون صاحبة القرار وحدها، ومؤكدة أنه سيتم التوصل إلى قرار " في هدوء تام" في موعد أقصاه بدء عمل البرلمان الأوروبي الجديد . ويتم اختيار رئيس المفوضية بترشيح من قادة الاتحاد الأوروبي ويجب أن يكون أحد المرشحين الذين يتصدرون اللوائح، ويجب أن يحصل على مصادقة الزعماء الأوروبيين خلال القمة المرتقبة غدا وأيضًا على الأغلبية المطلقة في البرلمان، أي 376 صوتا، في منتصف يوليو.ويرى المراقبون أن الجدل القائم حول المناصب العليا للمؤسسات الأوروبية يعكس الوضع الحرج الذي يشهده الاتحاد الأوروبي خلال المرحلة الراهنة. فمن ناحية، أفرزت انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة خارطة سياسية جديدة للمرة الأولى منذ أربعين عاما تعكس تنامي نفوذ تيار اليميني الشعبوي في أوروبا. فعلى الرغم عن من أن المحافظين والاشتراكيين لا يزالون يشكلون أكبر كتلتين في البرلمان الأوروبي إلا أن الأحزاب الشعبوية الرافضة لفكرة الاتحاد نجحت في تحقيق نتائج متقدمة خلال الانتخابات الأخيرة وعززت مكانتها داخل المؤسسة التشريعية الأوروبية.في ضوء ذلك، يبدو واضحا أن الحكومات الأوروبية تواجه حاليا أزمات داخلية ففي إيطاليا مثلا نجح حزب الرابطة اليميني المتطرف، بقيادة ماتيو سالفيني، المعروف بمناهضته الشديدة للتجربة الوحدوية الأوروبية، بالحصول على المرتبة الأولى بينما تعرض الحزب الديمقراطي (وسط يسار) لخسارة تاريخية إذ فقد أكثر من 20% من الأصوات، ويأتي ذلك في الوقت الذي تهدد فيه المفوضية الأوروبية إيطاليا بعقوبات تاريخية نتيجة ارتفاع العجز والدين العام، واستمرار الركود في الاقتصاد الإيطالي.وكذلك يبدو المشهد معقدا في فرنسا بعد الفوز الذي حققه "التجمع الوطني" بقيادة مارين لوبان في الانتخابات الأخيرة، وهو ما قد يؤثر سلبًا في قدرة ماكرون على لعب دور أكبر في اختيار رئيس المفوضية الأوروبية الجديد.من ناحية أخرى يشكل البريكست تحديا صعبا أمام الاتحاد الأوروبي ، خاصة في ظل العثرات التي تعترض طريق الوصول إلى اتفاق لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتم تأجيل موعد المغادرة إلى 31 أكتوبر المقبل. وأصبح البريكست ، وفقا للمراقبين، بمثابة تصدع عميق داخل التكتل، حيث أنه عزز من اتجاهات المشككين في جدوى الوحدة الأوروبية نفسها وساهم في تصاعد التيارات المتطرفة التي ترى الاتحاد "مؤسسة بيروقراطية" تثقل كاهل الدولة الوطنية وتفقدها حريتها. ووصف كثيرون البريكست بأنه "التغير الأخطر في تاريخ الاتحاد الأوروبي والحدث الأكثر حسما."من ناحية ثالثة، فإن تصاعد التوتّر بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يمثل تحديا إضافيا أمام التكتل. فبعد أن كانت الولايات المتحدة الحليف التقليدي لأوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بدا واضحا أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يسعى لتغيير مسار هذه العلاقة، وهو ما ظهر من خلال عدة خطوات من بينها فرضه لرسوم جمركية على عدد من السلع الأوروبية، وإعلانه انسحاب بلاده من معاهدة باريس للمناخ ومن الاتفاق النووي مع إيران، فضلا عن تصريحاته حول أن حلف الناتو ليس ضامنًا وعلى الأوروبيين زيادة نسبة الموازنات العسكرية. ويرى المراقبون أن مواقف ترامب قد ساهمت في تعزيز الخطاب القومي المتشدد داخل القارة الأوروبية، حيث أنه نجح في استغلال المواقف الأوروبية المتباينة حول عدد من القضايا، مثل الهجرة واللجوء، لتعميق الانقسامات داخل الصف الأوروبي وليس دعمه، على خلاف جميع الإدارات الأمريكية السابقة.
مشاركة :