اللعب تجربة حياتية يمارسها الطفل بعيدا عن سلطة الأبوين

  • 6/20/2019
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

يعد اللعب التجربة الحياتية الأولى التي يمارسها الطفل مستقلا ومعتمدا على نفسه وبعيدا عن سلطة الأبوين مع ما يشتمل عليه الأمر من نشاط بدني تقليدي ويتوفر على مغامرات مثيرة. ويتسبب حرمان الطفل من هذه الفسحة البدنية في مشاكل واضطرابات نفسية غير هينة، مع ضياع فرصته في تحقيق استقلاليته وبناء ثقته بنفسه. في عالم اليوم، يعبّر العديد من الآباء والأمهات عن مخاوفهم بشأن لعب أطفالهم خارج المنزل وما إذا كان في إمكانهم منح هذا الخيار لهم والمجازفة، من وجهة نظرهم، بترك الصغار عرضة لمخاطر الشارع أو تنمر أقران اللعب. ويؤكد الأستاذ الباحث في كلية بوسطن الأميركية، بيتر غراي، على أن السبب الأهم لخوف الأهل يتمثل في رغبتهم في أن يحقق أبناؤهم أقصى مستويات الكفاءة في دراستهم الأكاديمية، وبالتالي فإن أي فعالية ثانوية قد تبدو تضييعا للوقت وهدرا لطاقات من الأفضل أن توظف كاملة لدعم تفوقهم الدراسي في وسط مليء بالمنافسة والفرص التي لا يتوجب إهدارها في أي نشاطات جانبية. هناك أولويات معينة يضعها الأهل نصب أعينهم، قبل أن يقرروا ما إذا كان الوقت مناسبا للطفل للخروج واللعب مع أقرانه؛ فبعد انتهاء ساعات المدرسة ثم إكمال الواجبات البيتية والرياضة وبعض الأنشطة الأخرى، لن يتبقى وقت كاف للعب. كما أن وقت الفراغ هذا قد لا يتوفر إطلاقا حتى في عطلات نهاية الأسبوع، حيث يشغل الآباء وقت أطفالهم بالمزيد من الواجبات البيتية وربما الالتزامات الاجتماعية بحيث يكون يومهم ممتلئا حتى نهايته، مع أننا لو سمحنا لهم بوقت فراغ معين فإنهم سيخلقون فرصتهم للعب خارج المنزل من دون الحاجة إلى استشارة الكبار. تنجح هذه الفكرة فقط في الوقت الذي نمكن فيه الأهل من تبني فكرة أن “لا بأس من وجود وقت فراغ للطفل ولا بأس من فكرة كونه لا يقوم بأي شيء في لحظة ما”، عندها سيجد الطفل طرقا مبتكرة لملء هذا الفراغ. يؤكد بيتر غراي أن البعض من أولياء الأمور يجهلون مدى أهمية النشاطات البدنية في بناء شخصية أطفالهم، فهناك دائما حاجة إلى تذكيرهم بمدى ما أضافته لهم مثل هذه الأنشطة في طفولتهم؛ من ذلك مثلا التعرف إلى أصدقاء يمكن أن تمتد علاقتهم بهم إلى مراحل متقدمة من العمر، وأصدقاء يتعلمون منهم ومعهم الكرم ورعاية الآخرين، وتمتين الروابط العاطفية وكيفية الحفاظ عليها، والشعور بالمسؤولية والاعتماد على النفس. والأهم من كل ذلك التمتع بالنشاط والصحة الجسدية والابتعاد قليلا عن استخدام وسائل التقنية الحديثة، مع كل ما تسببه من آثار جانبية على الصحة العقلية بسبب سوء الاستخدام، ومحاولة الاستغناء عنها ولو جزئيا وإعادة التواصل مع الطبيعة. على الرغم من هذا يتحفظ الأهل في الغالب من إرسال أبنائهم للعب مع أقرانهم في الشارع، هذا الأمر قد يكون مشروعا من وجهة نظر العديد من الناس والمتخصصين منهم أيضا، خاصة أن بعض وسائل الإعلام صارت تروّج منذ عقود لأهمية مراقبة الصغار بشكل مستمر؛ فهم معرضون من وجهة نظرهم، إذا ما اختاروا اللعب خارج المنزل من دون إشراف البالغين، إلى التنمر والتحرش والاختطاف وربما القتل على يد الغرباء وقد يكونون محقين في ذلك. إلا أن هذا النوع من الجرائم يعد نادرا، بحسب الإحصاءات والأبحاث الجنائية لكن الآباء دفعوا إلى الاعتقاد بغير ذلك، إضافة إلى هذا فإن بعض المخاوف تدور حول الحوادث المرورية المحتملة خاصة للأطفال الصغار، فضلا عن الإصابات الناجمة عن السقوط والحوادث الأخرى التي تزداد إمكانية حدوثها في ساحات لعب الأطفال. وينسى الآباء أن حصول هذه الأمور يعد طبيعيا، فمن من الأطفال لم يتعرض في طفولته للكدمات والخدوش أو حتى السقوط من السرير في شهور حياته المبكرة؟ كما ينسى هؤلاء في الكثير من الأحيان أن جسد الطفل مرن وهو يتعافى بسرعة ويتعلم على المدى البعيد من مثل هذه التجارب المؤلمة، وهذا من شأنه أن يقوي مناعته النفسية ويجنبه الوقوع في مواقف مشابهة. بعض أولياء الأمور يجهلون مدى أهمية النشاطات البدنية في بناء شخصية أطفالهم، فهناك دائما حاجة إلى تذكيرهم بمدى ما أضافته لهم مثل هذه الأنشطة في طفولتهم مع ذلك تعاني الأمهات، بصورة خاصة، من الخوف الشديد من ترك أطفالهن يخوضون تجربة حياتية ما بمفردهم؛ فالرحلات المدرسية تمثل كوابيس مخيفة لبعض الأمهات، حيث يبدأ عندها خيالهن بابتكار سيناريوهات غريبة تغذيها مخاوفهن من احتمال تعرض الطفل وهو بعيد عن حمايتهن للخطر. في مثل هذه الحالات، ينصح متخصصون بضرورة ترك الطفل لخوض التجربة حتى إذا استدعى ذلك أن تقضي الأم أوقاتا عصيبة، بسبب قلقها وعدم ثقتها في أن يتحمل الطفل مسؤولية نفسه أو خوفها من أن يتعرض للمخاطر وهي بعيدة عنه فلا تستطيع نجدته. التجربة الأولى هي الأصعب، لكنها ستكسر حاجز الخوف وتتيح للطرفين اختبار مشاعرهما وقدراتهما الحقيقية، بمعنى أن الحب لا يمنع من أن تتصرف الأم بثقة أكبر بقدرتها على تحمل غياب الطفل لمصلحته وليمارس حريته في اتخاذ القرار والاعتماد على نفسه. هذه المغامرة التي يقوم بها الطرفان يمكنها أن تبني الثقة بينهما وتزيل حواجز الخوف.

مشاركة :