اتهامات متواصلة وُجّهت لألعاب الفيديو بوصفها مسؤولة عن توجيه اللاعبين نحو العنف، وسرقة الوقت، ودفع البعض من الأطفال والشباب من المستخدمين لها، إلى العدوانية والعنف. لكن في الآونة الأخيرة تعالت الأصوات التي تطالب بإعادة النظر في هذه الاتهامات، مؤكدة أن هذه الألعاب الإلكترونية أمر واقع يجب التعامل معه، والبحث عن سبل لاستثمار شغف جيل اليوم بها، وتحويله إلى طاقة إيجابية لتنمية المهارات والقدرات الذهنية. لكن هل شغف الألعاب الإلكترونية يمكن أن يفجر الطاقات الإبداعية الشبابية، ويسهم في بناء القدرات الذهنية وتنمية المهارات العقلية؟ سؤال طرحته «الإمارات اليوم» على جيل الألعاب الإلكترونية لتتعرف إلى آرائهم، خلال مشاركتهم في فعالية «في جي إكس» التي تنظمها مؤسسة «فن»، المتخصصة في تعزيز ودعم الفن الإعلامي للأطفال والناشئة بالشارقة، لتسليط الضوء على سبلهم في استثمار شغفهم بهذه النوعيات من الألعاب بطريقة إيجابية وسليمة. واقع لا مهرب منه ألعاب الفيديو واقع نعيشه ولا يمكن الهروب منه، لكن يجب التعامل معاه بشكل إيجابي، هكذا بدأت الشابة، نيرمين هاني، حديثها قائلة: «أؤمن بأن الشغف بتلك الألعاب يؤثر إيجابياً في الدماغ، ويجعله قادراً على القيام بوظائفه على مستوى مميز، وفي الآونة الأخيرة أكد الباحثون أن مزاولة ألعاب الفيديو من شأنها أن تُحافظ على مرونة الذهن وسرعة البديهة والتعلم، وإلى جانب دورها الفعال في تطوير التركيز الذهني، وزيادة الوعي بالمكان، ودقة التقدير، والقدرة على إتمام مهام متعددة بكفاءة». وتضيف: «على سبيل المثال، الألعاب الإلكترونية ثلاثية الأبعاد تتطلب من اللاعب الانتباه والدقة وسرعة اتخاذ القرارات، وينعكس ذلك بشكل مباشر على تفاعله مع كل تفاصيل حياته الدراسية والعملية على حد سواء، فتصبح الدقة والسرعة واليقظة أدواته التي يعتمد عليها في كل تفاصيل حياته، رافضاً أن تناله الخسارة بداية من اللعب حتى أصعب القرارات المصيرية». وتعتقد هاني أن «مراعاة التصنيفات العمرية للألعاب الإلكترونية، تسهم في تفجير الطاقات الإبداعية لكل فئة عمرية، فالألعاب الموجهة للأطفال تسهم في تنمية قدراتهم العقلية، وتساعدهم على التفكير الإبداعي للوصول إلى حلول تُحقق لهم الفوز باللعبة»، لذلك تطالب باعتماد هذه الألعاب والتطبيقات في العمليات الدراسية، لافتة إلى أن فعالية «في جي إكس» التي تحتضنها إمارة الشارقة كانت بمثابة ملتقى مثالي لتفجير هذه الطاقات، من خلال تسليطها الضوء على ألعاب الفيديو المفيدة لبناء العقل، وإطلاع عشاقها عليها، بجانب توفير ورش عمل للآباء والأبناء لمعرفة السبل العلمية لاستثمار شغف الأبناء بالألعاب الإلكترونية». التعميم مرفوض ويرفض الطالب الجامعي، أحمد الراضي، وضع ألعاب الفيديو كافة في سلة واحدة قائلاً: «لا يمكن تعميم مبدأ أن تلك الألعاب جميعها ذات تأثير سلبي، فالعمليات التي تجري داخل أدمغة اللاعبين ليست واحدة أثناء تعاملهم مع تلك الألعاب، ويمكن استثمار ذلك الشغف بألعاب الفيديو في ترسيخ ثقافة الرياضة نشاطاً يومياً مهماً، وذلك ما توفره ألعاب الحركة، التي عادةً ما تتضمن تحديات بدنية كإطلاق النار وتخطي العقبات وجمع أشياء». ويضيف: «ألعاب الفيديو تعد تدريباً عملياً لاستخدام الحواس وتنشيط الاستجابة اللحظية، حيث إن تسجيل اللاعب معدلاً مرتفعاً يحتاج إلى مهارات عدة، مثل الرؤية الشاملة، ومعالجة المعلومات، وسرعة تقدير الموقف، وإنجاز مهام متعددة في الوقت الذي يُجهز فيه رد فعل سريعاً». ويرى الراضي أن «فوائد الألعاب الإلكترونية عديدة على الصعيد الاجتماعي، لأن من شأنها تدريب الطفل على التغلب على المشكلات التي تواجهه مهما كانت صعوبتها، وتجعله يجتهد في إدارتها، كما تُعزز لديه بعض الأخلاقيات الحسنة كالصبر والمثابرة، كما يمكن أستخدامها كمحفز للطفل، لدفعه إلى الإقبال على الدراسة بروح معنوية عالية». التواصل مع الثقافات ويضيف الطالب وليد محمد: «لاشك أن ألعاب الفيديو كغيرها من الأمور التي استحدثتها التقنيات في القرن الحالي، وبتطور أنواعها أصبح البعض يستهدف التواصل مع أشخاص من دول شتى حول العالم، لذلك لجأت أخيراً بعض الشركات لإنتاج ألعاب فيديو تستهدف فئة البالغين، وتهدف إلى تخليص الفرد من الاكتئاب والشعور بالوحدة». ويقول: «انتشر العديد من هذه الألعاب التي تهدف إلى التواصل مع شخصيات أخرى، من خلال السفر عبر الزمن والتعامل مع التحديات الاجتماعية التي يتعرض لها اللاعب، وهذا النوع يعطي الإحساس بالانتماء لمجتمع صغير من أشخاص لهم الاهتمامات ذاتها، حتى إن كان اللعب بفرق متنافسة، كما أن اللعب حين يكون مباشراً يزيد من الإثارة والحماس، ويتطلب بعض هذه الألعاب عملاً جماعياً للفوز، ما يخلق تحدياً شائقاً، خصوصاً مع اختلاف الدول واللغات». وسيلة للتثقيف استشاري الطب النفسي، الدكتور نادر ياغي، يؤكد أن «خطر ألعاب الفيديو يكمن في إدمانها، لكن أثبتت دراسات علمية حديثة أن الاستخدام المعتدل والمناسب للفئة العمرية يجعل لها فوائد عدة، ومنها أنها قد تكون مصدراً للمعلومات العامة، فبعض الإصدارات الحديثة الخاصة بألعاب الفيديو، تدمج بين المعلومة العلمية وبين المتعة الترفيهية في آن، فهناك مجموعة من الألعاب الحربية التي تدور في زمن الحرب العالمية، وتضع اللاعب في خضم أحداثها، تلك الألعاب تعتمد على البناء الدرامي الخاص بها على أحداث حقيقية، وتنتقل باللاعب بين أبرز المعارك التي شهدتها تلك الحرب، وقبل بدء كل مرحلة من مراحل اللعبة يتم تعريف اللاعب بمكان المعركة وتاريخها وأسبابها والنتائج المترتبة عليها، ما يجعل ألعاب الفيديو في تلك الحالة بمثابة دراسة التاريخ لكن بشكل ترفيهي، إضافة إلى الألعاب التي تتضمن معلومات من فروع علمية مختلفة مثل الجغرافيا والكيمياء». ويضيف: «بعض الألعاب التي صدرت خلال السنوات الـ10 الأخيرة، تلعب دوراً فعالاً في تحسين مستويات التفكير والارتقاء بالقدرات الذهنية للأطفال والمراهقين، وتحققت تلك الفائدة من خلال رغبة صناع الألعاب في تطوير المحتوى الذي يقدمونه، حيث حرصوا على جعله أكثر صعوبة وتعقيداً بهدف تحقيق المزيد من المتعة، وجعل الألعاب مناسبة لفئات عمرية متعددة، ويكون عمادها وضع اللاعب في مواجهة العديد من المشكلات والألغاز وإيجاد الحلول». نشاط بدني ممتع يرى استشاري الطب النفسي، الدكتور نادر ياغي، أن «رافضي ألعاب الفيديو اعتمدوا في هجومهم عليها، على أنها تجعل الشباب والأطفال يعتادون الكسل والخمول، ما قد يعرضهم مستقبلاً لمخاطر زيادة الوزن والإصابة بدرجة من السمنة، لكن خلال السنوات الأخيرة أصبح النشاط البدني متوفراً، إذ لم تعد تقتصر على استقبال الأوامر من اللاعب عن طريق ضغط الأزرار، بل قائمة على استشعار حركة جسم اللاعب بالكامل، وبالتالي أصبحت ممارستها تتطلب الوقوف وأداء حركات جسمانية رياضية، ومنها أجهزة (بلاي ستيشن موف)، (نينتندو)، و(إكس بوكس كينكت)». يؤكد ياغي أن «ألعاب الفيديو قادرة على التنسيق بين الحواس المختلفة، والتدريب، واستخدامها معاً في الوقت ذاته من أجل تحقيق هدف واحد، كالتناغم بين حاستي البصر واللمس، خصوصاً في الألعاب التي تعتمد على السرعة والمفاجآت غير المتوقعة، مثل ألعاب سباقات السيارات أو كرة القدم الرقمية بمختلف إصداراتها، ما يجعلها وسيلة مهمة للتدريب على سرعة الاستجابة اللحظية، واتخاذ القرارات الحاسمة في زمن قياسي». ونصح بضرورة انتقاء إصدارات الألعاب التي تتضمن محتوى متوافقاً مع الفئة العمرية للطفل والشاب، وكذلك تتناسب والثوابت الدينية والأخلاقية، وإشراف الأبوين على محتوى الألعاب، وتجنب النوعيات التي تزيد العدوانية والتي تدور في أجواء إجرامية مشوهة، بجانب ألا يزيد الوقت المخصص لها على ساعتين يومياً بشكل غير متواصل». - «الألعاب ثلاثية الأبعاد تتطلب من اللاعب الانتباه والدقة وسرعة اتخاذ القرارات». - اتهامات تعتبر ألعاب الفيديو مسؤولة عن توجيه اللاعبين نحو العنف.ShareطباعةفيسبوكتويترلينكدينPin Interestجوجل +Whats App
مشاركة :