بعد تفاهم السداسية الدولية مع إيران إزاء برنامجها النووي تنتظر الأوساط السياسية في العالم الأشهر الثلاثة القادمة بنوع من الترقب والحذر خصوصاً أن الاتفاق الذي سيعلن سيتناول نقاش التفاصيل والتي من الممكن أن تتعثر في حالة طرح نقاط لم تقبلها طهران. وتعتبر المرحلة الآتية أصعب بكثير لأن التفاصيل الدقيقة ستحكم المعادلة في ظل الاحتفالات التي شهدها الشارع الإيراني الذي ظن أن إيران انتصرت على أمريكا وأبادت الاحتلال الإسرائيلي على فلسطين أمام ترك المجتمع الدولي للساسة الإيرانيين يقولون ما يشاؤون لكي يتم تمرير الاتفاق والوصول إليه. ويواجه الحراك الدولي لابرام الاتفاق معوقات صعبة تتمثل في أن المجتمع الدولي مضطر أن يقبل مخرجات هذه المفاوضات لأنه لا خيارات أخرى لديه ويبدو أن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما عاقدة العزم على أن يكون هناك اتفاق مع إيران أياً كان شكل هذا الاتفاق رغبة في تسجيل نجاح يصب في رصيده الرئاسي بجانب كوبا بعد أن كسر العزلة معها وأعاد العلاقات الدبلوماسية مع سعيه إلى كسر العزلة مع طهران لاسقاطه تماماً الخيار العسكري. وتحتاج واشنطن لطهران في المرحلة المقبلة كوكيل شرعي في عدد من الملفات العالقة والمفتوحة فالإدارة الأمريكية ترى أن أفضل طريقة للتعامل مع إيران هو احتواؤها وتقليل حدة الخلاف والصدام معها. فارق تقني بسيط بين «السلمي» و«العسكري» يهدد بولادة قنبلة إيران الذرية شرعنة الاحتلال في الجانب الإسرائيلي فعلى عكس ما تدعيه بأن الاتفاق يقتلها ويهددها فتل أبيب حققت ما تريد من خلال تأكيد نتنياهو بأنهم سيقبلون بالاتفاق الذي سيبرم عند اعتراف إيران بحق إسرائيل بالحياة, في تناقض سياسي فكيف يتم التأكيد بأن الاتفاق يقتل ويهدد إسرائيل في نفس الوقت يطلب الاعتراف بحق إسرائيل بالحياة. كما أن نتنياهو شدد بأن الخيار العسكري سقط بهذا الاتفاق, إضافة إلى أن إسرائيل ليس بمقدورها أن تقضي على البرنامج النووي الإيراني حيث لن يسمح لها المجتمع الدولي بذلك لأن طهران لديها حصانة من خلال اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية لعام 1968 والبرتوكول الاضافي الملحق بها الذي وقعت عليه في عام 2003 والذي يجعلها جزءاً من نظام منع الانتشار النووي بمعنى أن تحصل على دعم من المجتمع الدولي لمواصلة برنامج نووي مدني والوكالة الدولية والولايات المتحدة والدول النووية تساعدها بموجب حقها في الاتفاقية التي لن يستطيع أحد من منعها في امتلاك برنامج نووي مدني. وتواجه إسرائيل الكثير من العقبات للحيلولة دون امتلاك طهران للسلاح النووي نظراً لحاجتها لدعم أمريكي عسكري فمالم تقدم واشنطن هذا الدعم لن تستطيع تل أبيب من القيام بالخيار العسكري ضد إيران. وقد أعطى التفاهم الذي جرى قبل أيام بمنع أي طرف القيام بعمل عسكري ضد إيران لأنه أصبح هناك مفاوضات واتفاقات وأصبح أي عمل يمثل عدواناً يتطلب رد فعل من المجتمع الدولي ومن إيران أيضاً. وتحاول إسرائيل أن تروج بأنها مظلومة وبأنها مهددة حتى يباشر الكونغرس الضغوط على إيران ويكون جاهزا لفرض عقوبات جديدة ويجبر النظام الإيراني على الالتزام بالتفاهمات والاتفاقات التي تتم, وتعلم إسرائيل وأميركا بأن الهدف من هذا الاتفاق هو تعطيل إيران في الوصول إلى القنبلة النووية لمدة عشرة سنوات لأن التقديرات الإسرائيلية تشير بأن طهران كانت في غضون سنة تستطيع أن تنتج القنبلة النووية, فبهذا الاتفاق الذي سيوقع خلال الفترة المقبلة الذي يقضي بتجميد تخصيب اليورانيوم وتقليل مستواه لعشر سنوات معنى ذلك أن طهران لن تستطيع انتاج القنبلة قبل عشر سنوات وبعد ذلك بإمكانها أن تعيد الكرة وتطور المستويات والمعدلات حتى تصل إلى القنبلة. وتعتقد الولايات المتحدة بأنها خرجت بإنجاز كبير جدا وهو التفتيش في أي مكان وفي أي وقت وبشكل مفاجئ وإيران وافقت على ذلك بموجب البرتوكول الإضافي الملحق بمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية ليصبح البرنامج النووي الإيراني تحت التفتيش والرقابة الدولية. برنامج نووي خليجي وبات ملحاً على الدول الخليجية والعربية والتي حصلت على ضمانات من الرئيس الأميركي باراك أوباما بأنه لن يكون هناك اتفاق مع إيران على حسابها على أن تعلن على أن أي إنجاز تحصل عليه طهران من اتفاقها مع الغرب والسداسية الدولية لابد أن ينسحب بالضرورة على الدول الخليجية والعربية فإذا سُمح لإيران ببرنامج سلمي فمن حق المجموعة الخليجية والعربية أيضاً أن تمتلك برنامجاً سلميلاً ولو سُمح لها بتخصيب يورانيوم بنسبة معينة من حق الخليج والعرب أن يخصبوا بنسبة معينة كل الذي تحصل عليه إيران لا بد أن ينسحب على المحيط الخليجي والعربي. دعوة كامب ديفيد وتعتبر دعوة أوباما لدول مجلس التعاون في الربيع المقبل للتباحث في كامب ديفيد لسبل إقامة نظام أمني جديد مهمة للغاية رغم أن دول الخليج لم ترد حتى الآن لرغبتها في بلورة رد جماعي في ضوء الأحداث في اليمن والمنطقة. وفي ظل التطورات التي تشهدها المنطقة نجحت المملكة في تشكيل نظام أمني جماعي تقوده بنفسها اتضحت معالمه في عاصفة الحزم وبقرار القمة العربية بإنشاء قوة عربية مشتركة تكون موجهة ضد التهديدات إن كانت من الداخل أو الخارج ولا يستبعد إيران كتهديد. العجز الدولي وتعد النظرة الغربية قاصرة في تعاملها مع البرنامج النووي الإيراني نظراً لوجود عقبات فنية حيث أن الدولة إذا امتلكت البنية التحتية أو برنامجاً نووياً يعمل على الأرض فلا أحد يضمن عدم تحويل هذا البرنامج من سلمي إلى عسكري في أي وقت لأن الفارق التقني بين المدني والعسكري ضئيل للغاية. يقول في هذا الجانب بشير عبدالفتاح الباحث بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية بأن تخصيب اليورانيوم من 30 إلى 40% لا مشكلة فيه ولكن إذا اقترب من 70% ووصل إلى 90% عند ذلك يمكنك أن تنتج قنبلة نووية مضيفاً من يضمن في ظل غفلة من المجتمع الدولي أن تسرع وتيرة تخصيب اليورانيوم وتقوم طهران بإنتاج القنبلة النووية ومن يضمن بأن تستخدم البلاتنيوم لأن القنبلة النووية تنتج بيورانيوم مخصب أو بلاتنيوم جاهز. وتساءل هل هناك من تأكيدات لدى الغرب بعدم وجود منشآت نووية تحت الأرض غير خاضعة للتفتيش والرقابة ولا يعلم بها أحد أو أخرى سرية مشيرًا بأن العرف في هذا الإطار يقول إنك تستطيع أن تمنع لمن ليس لديه منشآت نووية أما من لديه بالفعل تكون مسألة صعبة. وأمام هذه التطورات الخطيرة من الوارد أن تكون إيران وصلت لمستوى من إنتاج السلاح النووي وما تقوم به مجرد مراوغة وهي التي وصلت إلى عتبة الدولة النووية كاليابان وألمانيا اللتين لا تمتلكان السلاح النووي لكنهما في فترة قصيرة جدا تستطيعان انتاجه والمسألة تعود إلى القرار السياسي فيما طهران تعكف في جهودها الخبيثة في هذا المضمار منذ أيام الشاه. وقد بات واضحا بأن المجتمع الدولي عاجز عن أن يمنع إيران من هذا الأمر لأن العالم ترك طهران لكي تصل إلى مستوى أصبحت بموجبه قادرة على التضليل والإخفاء والسرية فهناك مستوى معين إذا تخطته الدولة تكون إمكانية الرجوع مستحيلة وهي نقطة "اللاعودة", فالتطور والأموال التي أنفقت والمستوى التقني الذي وصلت إليه إيران ذاتيا يعجز المجتمع الدولي التصرف تجاهها فقد وصلت لمستوى من التعقيد الفني لا يمكن ايقافه إلا بالمفاوضات والتراضي.
مشاركة :