الضوضاء تعكّر مزاج الناس وصحتهم في المدينة

  • 6/22/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لا يعرف القادمون الجدد إلى المدن طعم النوم، ويستغربون من سكان يعيشون في العواصم والمدن المكتظة، كيف يرتاحون وسط هذا الضجيج المتوصل ليلا ونهارا، وهم محقون في ذلك. فقد أثبتت دراسة أن سكان المدن لديهم نشاط أكبر في منطقة من المخ تسمّى “اللوزة”، وهي منطقة ترتبط بالمزاج السلبي والإجهاد، ويرجح المختصون أن اللوزة تلعب دورا في التوتر والاكتئاب والسلوك العنيف. ويقول خبير الضوضاء البريطاني ستيفن ستانززفيلد، إنه تم تصميم أجسامنا على الفرار من الضوضاء، حيث إن أجسامنا تفرز هرمون التنبيه الكيميائي الذي يطلق عليه اسم “الدوبامين”، وإذا استمر الضجيج، يبدأ الجسم بإنتاج هرمون الكورتيزول (هرمون التوتر)، وهو هرمون الإجهاد الذي له تأثير سلبي قوي على الصحة، حيث يسبب مرض القولون العصبي، ومشاكل النوم، والصداع، والعقم ويرفع ضغط الدم. وتختلط أصوات الحافلات والدراجات والسيارات والقطارات والطائرات والمترو ببعضها لتثير في المخ أفعالا متباينة بقطع النظر عن مدى انخفاضها أو ارتفاعها، حيث تفيد التجارب، بأن هناك أصوات تصدر من بيئتنا، تكون في غالب الأحيان غير محببة، علما وأنها قد لا تتخطى المستويات المرتفعة لضغط الصوت. وحتى الموسيقى التي أصبح أهل المدينة يسمعونها بصوت عال، صارت مزعجة، وتشكل مع بقية الضجيج تلوثا لا يقل خطورة على صحة الإنسان عن أشكال التلوث الأخرى ذات التأثيرات السلبية على الصحة، كما تم تحديد الضوضاء والجريمة كأكبر عاملين ضمن العوامل التي تؤدي إلى رغبة الناس في الانتقال من أماكن سكنهم. ويعاني الذين يسكنون على مقربة من الشوارع الكبرى ويصلهم الضجيج بصورة أكبر من اضطرابات في النوم، قد تؤثر بشكل مباشر على راحتهم، وسلوكهم خلال فترة النهار. ويقول الباحثون في علم النفس والمختصون في الطب المهني، إن الإنسان الذي يتعرض إلى مستوى مرتفع من الضوضاء هو أكثر عرضة للإصابة باضطرابات صحية مثل ارتفاع ضغط الدم وتراجع حاسة السمع وأمراض القلب والسمنة. "الضوضاء الاجتماعية"حين يسمع الناس بأضرار التلوث، فإن أول ما يخطر ببالهم هو الدخان الكثيف أو المياه الآسنة ونفايات البلاستيك المنتشرة في كل مكان، لكن ما لا يعرفه كثيرون هو أن تلوث الضجيج، لا يقل خطورة عن أشكال التلوث الأخرى. ويحتل التلوث الضوضائي المرتبة الثانية في المدن، مباشرة بعد تلوث المياه. ويحدث التلوث الضوضائي أو السمعي، عادة بسبب التزاحم والتقدم الصناعي، وهو خليط من أصوات ذات استمرارية غير مرغوب فيها، ويقاس بمقياس مستوى الصوت والديسيبل، وهي وحدة قياس الصوت المعروفة عالميا. وتنقسم أنواع التلوث الضوضائي إلى تلوث مزمن، أي تعرض دائم ومستمر لمصدر الضوضاء وقد يُحدث ضعفا مستديما في السمع. وتلوث مؤقت يسبب أضرارا فسيولوجية، وهو تعرض لفترات محدودة لمصدر أو مصادر الضوضاء، مما قد يحدث عنه تلف داخلي للأذن الوسطى. وتلوث مؤقت دون ضرر، وهو تعرض لفترة محدودة لمصدر ضوضاء، كضجيج الشوارع والأماكن المزدحمة أو الورش، ويؤدي إلى ضعف مؤقت في السمع يعود إلى حالته الطبيعية بعد فترة بسيطة. ومن المعروف أيضا، أنه ليس كل مكونات الصوت على نفس الدرجة من الإزعاج وأن مدى إدراكها والتأثر بها يتوقف في المقام الأول على مستويات التردد. ومع ذلك، تثير أصوات منخفضة نسبيا ردود أفعال غاضبة لدى الكثير من الأشخاص، ويرجع ذلك إلى تكرار إيقاعها الرتيب وخير مثال على ذلك تكتكة عقارب الساعة أو طنين توربينات حقول الرياح المستخدمة في توليد الطاقة. وهناك الضوضاء الاجتماعية وتأتي في أعلى قائمة أنواع الضوضاء، وتحدث في المحيط السكني ومكاتب العمل. ومصادر انبعاثها هي ضجيج الحيوانات الأليفة أو الضالة، الضجيج الصادر عن الأعمال المنزلية اليومية من الأجهزة الكهربائية المستخدمة مثل أجهزة التلفزيون والراديو والتكييف، والمكانس الكهربائية والخلاطات والغسالات والأصوات المرتفعة الصادرة عن الأشخاص، وأصوات الموسيقى الصاخبة. والموسيقى الصاخبة مصنفة أيضا من قبل منظمة الصحة العالمية مع التوربينات الهوائية كمسبب للتلوث الضوضائي، تلك الموسيقى الصادرة من النوادي الليلية والحانات ودروس اللياقة البدنية والحفلات والاستماع إلى الموسيقى الصاخبة من خلال سماعات الرأس ولها تأثيرات صحية ونفسية على الإنسان. وقد خلصت دراسة أميركية إلى أن الأشخاص الذين يتعرضون للضوضاء لفترة طويلة في مكان العمل أو أثناء الأنشطة الترفيهية قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بمرض القلب. ووجد الباحثون الدليل الأقوى على ذلك بين من هم في سن العمل ويعانون فقدان سمع التردد العالي، وهو نتيجة طبيعية للتعرض للضوضاء لفترة طويلة. وقال الأستاذ وين كي جان من كلية الصحة العامة بجامعة كنتاكي في لكسينغتون، “مقارنة بالسمع الطبيعي للتردد العالي، فإن الأشخاص الذين يعانون من فقدان سمع التردد العالي في الأذنين هم تقريبا أكثر عرضة مرتين للإصابة بمرض القلب التاجي”. وتربط أبحاث عديدة بين التعرض للضوضاء، خصوصا في أماكن العمل، والإصابة بمرض القلب التاجي، وضغط الدم المرتفع، وغيرهما من الأمراض. ووجدت هذه الأبحاث، أن المصابين بفقدان سمع التردد العالي في الأذنين هم أكثر عرضة مرتين تقريبا للإصابة بأمراض القلب مقارنة بالأشخاص الطبيعيين، مضيفة أن خطر الإصابة بمرض القلب يزيد أربعة أمثاله بين من يبلغون من العمر 50 سنة أو أقل، ويتعرضون على الأرجح للضوضاء في مكان العمل. ويوصي جان بوقف التعرض الزائد للضوضاء، أو الحد منه في المنزل ومكان العمل. وقال “استخدام سدادات وواقيات الأذن يمكن أن يحد من تعرض الشخص للضوضاء”.يحذر خبراء في الأمم المتحدة في مجال الصحة من أن أكثر من مليار شخص تتراوح أعمارهم بين سن الـ12 و35 قد يواجهون بجدية خطر الإصابة بالصمم وفقدان السمع بشكل لا رجعة فيه، بسبب تعرضهم للأصوات العالية مثل الموسيقى المشغَّلة على هواتفهم الذكية. وتؤدي الموسيقى الصاخبة باختراقها للجسم وتغلغلها لكل خلية، إلى أضرار على مستوى كل خلية في الجسم شبيهة بضرر سماع دوي انفجار قنبلة بجوارك، ويستقبلها الجسم كصورة من صور الألم ليزيد من إفراز الهرمونات المسكنة للألم، والتي تعمل عمل المخدر تماما وما يصاحبها من نشوة ومتعة ولذة، وهكذا تبدأ دائرة الإدمان، وهذا ما أكده الدكتور وليام غلاسير في كتابه “الإدمان الإيجابي”، وهذا يفسّر إدمان المراهقين على الموسيقى الصاخبة والاستماع إليها لساعات طويلة في اليوم. ومن خصائص التلوث السمعي أن الإنسان قد يختاره بمحض إرادته عبر تشغيل الموسيقى بصوت مرتفع في السماعات. وحسب منظمة الصحة العالمية، فإنه لا ينبغي سماع الموسيقي الصاخبة لأكثر من ساعة، لأنها تتسبب في مخاوف كفقدان السمع عند الشباب، حيث قالت المنظمة، هناك ما يقرب من 1.1 مليار مراهق حول العالم معرضون لخطر الإصابة بضعف السمع بشكل دائم، وهذه المشكلة بسبب الاستماع كثيرا للموسيقى خاصة الصاخبة منها بشكل دائم. والذي يحدث أثناء الاستماع لموسيقى صاخبة هو أن الإيقاعات غير المنسجمة مع فطرة الإنسان وفسيولوجيّته الطبيعية، والذّبذبات والترددات العالية الصاخبة تخترق جسم الإنسان وتنفذ إلى كل عضو من أعضائه الداخلية، وتتغلغل في كل خلية من خلاياه، فيستقبلها الجسم على أنها خطر محدق فيفرز هرمونات مثل التي يفرزها الجسم قبل دخول أي عراك أو حرب استعدادا للهجوم أو للهروب، مثل الأدرينالين والكورتيزول، فيرتفع ضغط الدم ودقات القلب والكولسترول.وبيّن عالم النفس هينك تايسمن من جامعة مونستر بألمانيا أضرار الموسيقى الصاخبة على الخلايا العصبية للقشرة السّمعية بالدماغ، وكذلك فإن زيادة إفراز هرمون الكورتيزول لفترات طويلة أدت إلى أضرار عديدة منها فقدان الذاكرة، فقد بيّنت إحدى هذه الدراسات التي أجريت في ألمانيا أن الذاكرة تضعف بنسبة تتراوح بين 15 بالمئة إلى 60 بالمئة في أوساط عشاق الموسيقى الصاخبة. وتقول خبيرة الوقاية من الصمم وفقدان السمع في منظمة الصحة العالمية شيلي شادها “أكثر من مليار من الشباب معرضون لخطر فقدان السمع، بينما هم ببساطة يمارسون ما يستمتعون به من ترفيه، مثل الاستماع المستمر للموسيقى عبر سماعات الأذن على هواتفهم الذكية. وليس لدينا حل في الواقع غير أن نستمع لتفكيرنا البديهي ونسأل أنفسنا: هل نمارس هذه النشاطات بشكل آمن؟ أم أنها ممارسة ستؤدي إلى طنين الأذن وفقدان السمع، بعد بضع سنوات”. وتضيف أن “على الشخص أن يفكر في هذا الأمر وكأنه يقود سيارة على الطريق السريع، دون استخدام عداد لحساب السرعة، أو قيادتها بالحد الأقصى للسرعة. وما نقترحه هو أن يزوّد الهاتف الذكي بمقياس للسرعة وبنظام قياس يوضح لك مستوى الصوت الذي تحصل عليه، ويُعلِمك أيضا عما إذا ما تجاوزت الحد الأقصى المسموح به؟”. وتظهر بيانات صحية أن واحدا من بين كل اثنين من فئة الشباب يستمع إلى مستويات من الصوت زائدة عن الحد الآمن، وحذرت من أن الأشخاص الذين يتعرضون بانتظام لأكثر من 70 ديسيبل، يمكن أن يصابوا بالاكتئاب بنسبة 65 بالمئة مقارنة بأولئك الذين تعرضوا إلى 45 إلى 54 ديسيبل فقط. ويتم تعريف مستويات الضوضاء المرتفعة بما يزيد على 65 ديسيبل، مع ملاحظة أن شاحنة وقود عابرة تولد حوالي 85 ديسيبل، بينما تسجل الدراجة النارية 100 ديسيبل تقريبا. ووفقا لبيانات من منظمة الصحة العالمية، فإن أكثر من شخص واحد من بين كل 20، أي حوالي 432 مليون بالغ و34 مليون طفل، يعانون من ضعف في السمع.وتقول المنظمة التابعة للأمم المتحدة، إن معظم المصابين يعيشون في البلدان الفقيرة ومتوسطة الدخل، مشيرة إلى أنه “بحلول عام 2050، سيعاني أكثر من 900 مليون شخص من ضعف في السمع”. ويعاني عدد كبير من المستمعين لتلك الأنواع من الموسيقى بمرض طنين الأذن بكميات متفاوتة والطنين الخفيف والهديل المتواصل في الأذن والرأس مما يجعله يؤثر على كل مناحي الحياة لدى الشخص ويؤثر على تركيزه أثناء العمل والقدرة على النوم ويقلل من مستوى النشاط والإنتاجية. وتفيد الدراسات بأن واحدا من كل عشرة أشخاص من المستمعين للموسيقى الصاخبة مصابون بأمراض طنين الأذن و30 بالمئة من المستمعين يعانون من مشاكل صحية، والإرهاق المتكرر هو من مؤشرات تضرر حاسة السمع، وتعاني الغالبية العظمى من المرضى من مشاكل كالخوف والشعور بالعجز والانزعاج مما يؤثر تأثيرا كبيرا على الحياة اليومية، كما أن الموسيقى نفسها تعكس آثارا سيئة على صحة الإنسان وعلى ضغط الدم حيث أظهرت الفحوصات الدماغية لمستمعين للموسيقى الصاخبة تغيّر الأنشطة الدماغية لديهم . وتشير الدراسات إلى أن مستوى اللياقة النفسية يتأثر إيجابا وسلبا، مثله مثل اللياقة البدنية، حيث أظهرت هذه الدراسات أن الضوضاء فوق 65 ديسيبل يمكن أن تؤدي إلى وفيات مبكرة بسبب الارتفاع المفرط في ضغط الدم، أو نتيجة لزيادة حالات السكتة الدماغية. ويقدم الخبراء مجموعة من الاقتراحات العملية تتعلق بأجهزة استماع الموسيقى، بإضافة ميزات معينة مثل التقييد التلقائي للصوت، أو الخفض التلقائي لمستوياته لما دون المستويات الخطرة. ويقول خبراء الأمم المتحدة إنه من الممكن بالفعل منع حدوث حوالي نصف حالات فقدان السمع من خلال تدابير الصحة العامة والتوجيهات.

مشاركة :