أكد مسؤولون عراقيون عودة الغموض بشأن فرص إبرام أكبر عقود تطوير صناعة النفط والغاز العراقية، والذي تصل قيمته إلى 53 مليار دولار ويمتد لثلاثين عاما، بعد أن كانت بغداد توشك على توقيعه قبل أسابيع. وأشاروا إلى أن أسباب عرقلة الصفقة تأتي من مزيج من التفاصيل الفنية والمخاوف الأمنية والجدل المحتدم بين الأطراف السياسية العراقية المنقسمة بشأن تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران.ونسبت وكالة رويترز إلى أربعة مسؤولين عراقيين مشاركين في المباحثات قولهم، شريطة عدم الكشف عن هويتهم بسبب حساسية المسألة، إن المفاوضات تعثرت بفعل بنود في العقد تعارضها أطراف سياسية في بغداد. وقالوا إن نقطة الخلاف الرئيسية كانت السبل التي اقترحتها إكسون لاسترداد تكاليف التطوير التي ستنفقها، حيث تطالب الشركة بتقاسم النفط المنتج من حقلين، وهو ما تقول بغداد إنه يمثل تعديا على ملكية الدولة للإنتاج. ورجح مفاوض عراقي أن ترفض بغداد البنود التي تقترحها إكسون موبيل، التي امتنعت عن التعليق على بنود العقد أو المفاوضات. وكان فياض نعمة وكيل وزارة النفط العراقية لشؤون أنشطة المنبع قد أكد يوم الأربعاء أن المحادثات مستمرة وأنه يتوقع إبرام اتفاق قريبا، وذلك بعد ساعات من إطلاق صاروخ على موقع للشركة في جنوب العراق وإعلان إجلاء بعض موظفيها. ويعيش العراق حالة تناقض حيث يرتبط بعلاقات وثيقة مع واشنطن وطهران، وهو ما يثير مخاوف من تحوله إلى ساحة للصراع على النفوذ بين العدوين اللدودين. ويمكن للخلافات الفنية في شروط العقد أن تكون مجرد واجهة للخلافات السياسية في بغداد نتيجة ضغوط النفوذ الإيراني الكبير في بغداد، حيث تعارض أطراف سياسية متنفذة موالية لإيران منح ذلك العقد الكبير لشركة أميركية. ويتعرض العراق لضغوط من الإدارة الأميركية للاستغناء عن إمدادات الكهرباء والغاز الإيراني، حيث تطالب بغداد بتمديد إعفائها من العقوبات الأميركية على طهران. وقال مسؤولون عراقيون إن توقف المحادثات مع إكسون يؤكد محدودية النفوذ الأميركي في العراق، بعد سلسلة من الهجمات داخل العراق وضد ناقلات نفط في الخليج، تؤكد واشنطن أن طهران تقف خلفها. وتساءل مسؤول عراقي يشرف على عمليات الشركات الأجنبية في جنوب العراق بالقول “كيف سيديرون مشروعا بقيمة 53 مليار دولار مع استمرار حالة عدم الاستقرار الإقليمي… ربما يتخلون عن العمل مجددا وهو ما سيلحق ضررا بقطاع الطاقة العراقي”.ويسعى العراق، ثاني أكبر مصدر للنفط في منظمة أوبك، لتعزيز إنتاج النفط والغاز، الذي كبحته سنوات من الحرب والعقوبات. وتعد مشاريعه من أكثر الفرص إغراء لشركات النفط العالمية. ويتضمن الاتفاق المقترح مع إكسون تطوير حقلين نفطيين على الأقل هما نهر بن عمر وأرطاوي، إضافة إلى تشييد خطوط أنابيب ومنشأة لمعالجة المياه لتعزيز طاقة إنتاج النفط والغاز. وكان رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي قد أكد في مايو قرب توقيع الاتفاق مع إكسون موبيل وشريكتها بتروتشاينا، بعد محادثات مع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو خلال زيارة مفاجئة له إلى بغداد. وأكد مسؤولون عراقيون أن الخلافات بشأن مطالب إكسون بتقاسم الإنتاج تمنع حتى إبرام اتفاق مبدئي قريبا، حيث تفضل بغداد منذ 10 سنوات ما يُعرف بعقود الخدمة التي تتلقى الشركات بموجبها رسوما ثابتة بالدولار للبرميل. وقال أحد المسؤولين المشاركين في المحادثات إن اقتراح إكسون لتقاسم الإنتاج يتضمن قيامها ببيع بعض النفط، بدلا من بيعه عبر شركة تسويق النفط العراقية، وهي خطة ترفضها الحكومة بشدة. وتفاقمت التعقيدات التي تواجه صفقة إكسون في ظل تصعيد سريع في المواجهة بين واشنطن وطهران بعد هجمات على الناقلات وإسقاط إيران لطائرة أميركية مسيرة، وانعكس التوتر على الانقسام الشديد في بغداد. وكان وزير النفط العراقي ثامر الغضبان قد انتقد الشهر الماضي بشدة قرار إكسون إجلاء موظفيها الأجانب من البلاد وقال إنه “غير مقبول وغير مبرر”. وأكد أنه يعرقل عملية إبرام الصفقة. وقالت بسمة باسم النائبة في البرلمان العراقي وعضو لجنة الطاقة البرلمانية إنه يتعين على العراق المضي قدما في الصفقة مع إكسون لمساعدة بغداد على تطوير قطاع الطاقة الخاص بها.لكنّ سياسيين من أحزاب شيعية متحالفة مع إيران يصورون الصفقة على أنها ابتزاز واحتلال أميركي جديد. وقال النائب كريم علوي الذي ينتمي إلى منظمة بدر، التي تقود أحد أكبر تكتلين في البرلمان العراقي، إن الحكومة تتعرض لضغوط كبيرة من الأميركيين لتوقيع اتفاقات طاقة وكهرباء طويلة الأمد. وأضاف أنها حيلة للسيطرة على اقتصاد العراق. وتغلي الساحة السياسية العراقية على وقع التصعيد الأميركي ضد إيران في ظل انقسام البرلمان والحكومة بين فريق يدافع عن مصالح إيران وفريق متحفظ على التأثيرات السلبية لنفوذها الكبير في البلاد. وتتقاطع تلك المواقف مع تكثيف الولايات المتحدة ضغوطها على إيران وخنق شريان صادراتها النفطية في ظل اعتماد العراق بشدة على إمدادات الغاز الطبيعي والكهرباء من إيران خاصة مع اقتراب ذروة الطلب في أشهر الصيف الحارة. وكثف العراق جهوده في الأشهر الأخيرة لاستثمار الغاز المصاحب، الذي كان يجري حرقه على مدى عقود بسبب نقص منشآت المعالجة لتحويله إلى وقود للاستهلاك المحلي أو التصدير.
مشاركة :