ألعاب زمان.. إبداع الجدات وفرحة الأحفاد

  • 6/22/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تحلق أفكارنا عالياً، لتعانق السحاب، وتستند على روايات نسجتها عقول الأولين، رغبة في خلق نوع من البهجة والترفيه والدعابة في زمن ضعفت فيه مواد الترفيه، فلم يكن منهم إلا سرد الحكايات والقصص للصغار الذين يحلّقون بخيالهم في رسم الشخصيات والأحداث، أو خلق دمى بسيطة لتكون ملاذاً لهم كي يلهوا بها في مساحة هائلة من الفراغ يستنزفونه مع الرفاق في «السكيك» والأزقة، لتمضي ساعات النهار مع رحيل شمسها ليعودوا أدراجهم مسرعين، حيث الجدات قد تفرغن لهم ليأخذوهم في رحلة تحت ضوء «الفنر» بحكاياتهن وخراريفهن، أو يشكلن لهم ألعاباً شعبية من خامات البيئة المحلية، لتكون لهم فرحة وبهجة يحلّقون معها في نسج عالمهم المليء بالخيال والمغامرة. استطاع الأهالي قديماً الاستفادة من خامات البيئة المحلية في ابتكار ألعاب ومواد ترفيهية تزرع الفرحة والبسمة على وجوه الأطفال، وتثري أوقاتهم وساعات نهارهم الطويلة، وعلى الرغم من بساطتها إلا أن تأثيرها كان عميقاً في نفوس الصغار الذين يتعاملون معها بدفء وحب. تشكيل اللعبة تقول الباحثة موزة عبد الله، من مركز الحرف التراثية: الألعاب جزء لا يتجزأ من موروث الشعوب، فهي ترتبط بثقافتهم وتشكل بيئتهم، وهذه الألعاب شغلت أوقات الأطفال بالمتعة والبهجة، فالحاجة تولد أفكاراً لتلبية احتياجات المجتمعات البسيطة في الماضي، وهذه الأفكار أثمرت عن ولادة بعض الألعاب من نتاج البيئة والخامات المتوافرة لديهم، وهناك الكثير من الألعاب التي ابتكرت قديماً وارتبطت بطفولتنا، وعلاقتنا الوثيقة بالأشياء من حولنا بالرغم من بساطتها، فلا يمكن أن ننسى أمهاتنا وهن يستغلين وقت راحتهن في ابتكار ألعاب من خامات ومواد معاد تدويرها لتشكيل ملامح لعبة أو قطعة للترفيه، فكان الاعتماد الرئيس على النخيل من جريدها وسعفها وخوصها في تشكيل مختلف الألعاب التي حولت زقاق وسكيك والفرجان، إلى بيئة تصدح بالنشاط، حيث يمارس الأطفال ألعابهم فيها وينطلقون مخترقين السكيك، التي تصدح بأصواتهم من الصباح الباكر إلى الظهيرة، ليعودوا مجدداً مع مغيب الشمس ومنهم من يواصل اللعب تحت ضوء القمر، فلا تهدأ الفرجان من حركة الأولاد ونشاطهم الدائم. ومن جملة هذه الألعاب نجد صناعة الطائرات الورقية، حيث تقص قطعة من النايلون على شكل مربع وتثبت زواياه وتربط بإحكام على عصي من سعف النخيل يتم سحلها جيداً وتربط من المنتصف بخيط طويل، وتترك لتحلّق في سماء «البراحة» وهي مساحة رحبة من الأرض يمارس الأطفال أغلب أنشطتهم فيها. صناعة الدمى وتضيف موزة، قائلة: تنوعت هذه الألعاب التي كان مصدرها خامات البيئة المحلية التي أفرزت عن الكثير من الأفكار التي تعاطى معها الأطفال بفرح وبهجة، فكان جريد النخيل مصدراً مهماً لابتكار وصناعة الألعاب قديماً، حيث كان يُربط جريد النخيل بحبل ويتعامل معها كناقة أو خيل، فيما تم شك «الحبابو»، وهي ثمار البلح الأخضر اللون صغيرة الحجم، بخيط لتتحول إلى عقود للزينة تلهو بها البنات، ويتعلمن منها طرقاً بسيطة في صناعة الحلي، وربما أكثر ما كان يشغل البنات ويملن إليه هو الدمى بالرغم من بساطة صناعتها، إلا أنها كانت تعني الكثير للأطفال الذين ينتظرون بفارغ الصبر لحظات تشكيل ألعابهم من خامات تم إعادة تدويرها، لتتحول إلى قطعة لها مكانة وقيمة بالنسبة لهم، ومن خلال صناعة هذه الدمى يتعلم الأطفال الكثير من الثقافة والتراث المحلي، منها تجهيز الثوب التراثي التقليدي وملحقاته، بالنسبة للمرأة وأيضاً للرجل، فكانت الجدات يصنعن الدمى لأحفادهن، مستعينات ببقايا الأقمشة أو ملابس يتم إعادة تدويرها، وقطعة من خشب سعف النخيل تكون كدعامة للدمية، حيث يشكل أولاً الرأس بقماش ويلف حوله الخيوط بإحكام، ثم تعلق الأطراف تحت القماش وتُثبت بالخيوط. وتظل عملية تصميم الملابس وفقاً لتوافر الخامات، وهذه الخطوة مهمة في تعلّم البنات لمبادئ حرفة الحياكة، حيث تجتمع البنات كل يوم جمعة في الباحة الخارجية لأحد المنازل، ويتباهين بما صنعنه من دمى، وما أضفنه عليها من زينة، ليستشعرن لذة هذه الألعاب التي أثرت يومهن، ونسجن عبرها الكثير من خيالات طفولتهن الحالمة.

مشاركة :