عاش يتيما ومات شهيدا، بكاه الوطن بأكمله، احتضنه حصن ظهران الجنوب بدموع الفرح، سقط شهيدا، سال دمه الطاهر ليروي ثراء الوطن، ظل صامدا لم يتزحزح أمام رصاصات الغدر والعمالة القادمة من جحور الظلام، تحولت كلماته الأخيرة لخاله "يا خال هذا يومي دون وطني" إلى شجاعة وإقدام في نفسه الأبية نحو العدو، لم يتراجع قيد أنملة، أدخل العزيمة في قلوب زملائه، فزادهم حماسة وإقداما مع حمى الوطيس. أمطر العدو بوابل من رصاص لم ينقطع، مع كل رصاصة كان يطلقها نحو العملاء جيران السوء، كان شريط الذاكرة يعود به إلى طور الطفولة والحياة القاسية مع أسرته الصغيرة، مع أم حنون وشقيق عاطل، وشقيقات ثلاث ينتظرن جميعا عودته من جبهة القتال، حبا لعائلهم الوحيد، وشغفا إلى طلته الجميلة وابتسامته الصادقة. نعم عاش شهيد الوطن عبدالرحمن القحطاني ابن الـ24 عاما يتيما، ولكن الله أنعم عليه بأن يموت شهيدا، فقد والده قبل أن يبلغ الثالثة من العمر، فتولى خاله الشهم تربيته. التحق قبل عامين بحرس الحدود برتبة جندي، اختار أن يكون في أقصى نقطة على الشريط الحدودي بمركز حصن الحماد بظهران الجنوب، كان يعلم أنها الأخطر والأقرب من العدو ومن سقط بها من عشرات شهداء الواجب، ولكن إصراره وحبه لوطنه وشجاعته جعلت قادته يرضخون لرغبته في البقاء لرصد وتتبع العدو. نعم أصابته يد الغدر في مقتل، ما خفف وطأة الفاجعة التي هزت وطن بأكمله أن الفقيد سلم نفسه المطمئنة لخالقها أكرم الأكرمين، فشيعه إلى مثواه الأخير شعب بأكمله.
مشاركة :