إيمان سرور كلمة جارحة عفوية تبدر من أحد الأبوين أو المعلمين، في لحظة غضب، قد تصيب الطفل بعقدة نفسية تستمر معه لسنوات ما بعد مرحلة الطفولة، وتؤذيه إيذاء عاطفياً من دون أن يشعر هؤلاء بهذا الذنب الذي اقترفوه في حق فلذات أكبادهم، فيكبر وتكبر معه عقدة دفينة متأصلة في نفسه منذ زمن بعيد، كان بالإمكان تجنبها بطريقة الاحتواء والحب، وتوضيح الخطأ الذي ارتكبه الطفل، بمسؤولية ورحابة صدر، أو معاقبته بأسلوب تربوي غير جارح لمشاعره، لا يفقده نموه العاطفي والاجتماعي.وقد يقسو أحد الوالدين أو كلاهما في بعض الأحيان على أطفالهم، ظانين أنهم بهذا العقاب النفسي أو البدني يحسنون إلى أطفالهم بفرض النظام والانضباط داخل الأسرة، وأحياناً بدافع الحب والحرص على مصلحتهم، متناسين أن وقع العقاب العاطفي أكثر إيلاماً من العقاب الجسدي.وشدد عدد من التربويين والمهتمين بالطفولة على أهمية «لغة الحوار الأسري» لتقوية مناعة الطفل النفسية، ولإعطائه مجالاً للقدرة على التعبير والتخلص من المشاعر السلبية بشكل صحيح، من غير أن يلجأ إلى تفريغ انفعالاته بشكل عدائي تجاه الآخرين، مشيرين إلى أن الطفل المُعنف قد يلجأ إلى عكس ما تعلمه من عنف في المنزل إلى سلوك عدائي خلف أسوار مدرسته.وحددت الدكتورة كريمة العيداني استشارية نفسانية صور الإيذاء العاطفي للطفل التي تبقى في ذاكرته، ويمتد تأثيرها إلى ما بعد مرحلة الطفولة، ومنها عدم مبالاة الأبوين بنجاح أبنائهم في أي مجال، سواء تعليمياً أو رياضياً أو فنياً، وعدم تشجيعهم على الاندماج في المجتمع، الأمر الذي سيحرم أطفالهما من العناصر الضرورية لتحقيق نموهم العاطفي والاجتماعي، وإلغاء الدافع للاستكشاف والتعلم لديهم.وأضافت أنه في أحيان كثيرة تتراكم مشاعر اللامبالاة مع ضغوط الحياة وانشغال الأبوين باستمرار، حيث يدفع الصغار ثمن اللامبالاة التي يتبادلها الأبوان أحياناً، فمثلاً عندما يرسم الطفل لوحة أو يحقق تفوقاً في مجال رياضي معين، ويعرض ذلك النجاح على والديه ويواجه بعدم الاكتراث من أحدهما أو كليهما، وهو ما يترك في ذاكرته شعوراً بعدم الاهتمام والإهمال. فطرة سليمة وقالت ابتسام الحواني اختصاصية اجتماعية في مدرسة الريم: ليس هناك وصفة جاهزة لضمان أفضل تربية للأبناء، ولكن هناك أسساً من المهم بمكان أن يعيها الآباء، إضافة إلى التزام الفطرة السليمة، مشيرة إلى أن عملية التربية تحتمل التجربة والخطأ وأحياناً يتعلم الآباء من أبنائهم، إلا أن الخطر يظل قائماً من أشكال العنف والإيذاء النفسي الذي يتجاوز مجرد التطاول اللفظي، ويهدد النمو العاطفي والاجتماعي للطفل.وأكد مبارك الجنيبي الاختصاصي الاجتماعي بمدرسة حمدان بن زايد أن الاهتمام بأمور الطفل الخاصة مثل الذهاب إلى مدرسته، والاطمئنان على مستواه الأكاديمي، وحضور حفلاته المدرسية، ومشاركته في اختيار ملابسه والاهتمام بأصدقائه، كل ذلك يعزز عنده الثقة بالنفس والشعور باهتمام الوالدين نحوه، مشيراً إلى أنه ينبغي على الآباء عدم إطلاق صفة «غبي» أو توجيه أي كلام جارح قد يؤثر سلباً في إحساس الطفل بذاته وثقته بنفسه، وخاصة إذا أصبح بصورة مكررة ومعتادة، منوهاً بأنه من الأفضل أن يمارس الوالدان النقد الفعال للطفل، فمثلاً عندما يخفق في تحقيق معدل أعلى في امتحاناته عليهما معاتبته بقولهما: إنه لم يستغل وقته بطريقة صحيحة، أو لم يعطِ الاهتمام أو الوقت الكافي الذي يحتاج إليه للدراسة، وهذا يمكّن الطفل من التبصر بمشكلته، ويساعده على إيجاد حل لها دون النظر إلى نفسه بأنه إنسان فاشل. اضطرابات سلوكية وتقول منار إسماعيل اختصاصية تربوية بشؤون الأطفال: إن الأطفال الذين يشعرون بالرفض من ذويهم يعانون من اضطرابات سلوكية كثيراً ما تؤدي إما إلى خلق شخصية ضعيفة متخاذلة غير قادرة على مواجهة الآخرين، وتعاني من الإحساس بالدونية وعدم القيمة، أو شخصية سادية معادية للمجتمع، وعلى الوالدين أن يوضحا لطفلهما بأنهما لا يرفضانه هو ذاتياً، بل يرفضان أفعاله.وأشارت مريم الرميثي معلمة في رياض الأطفال إلى أن تهديد الطفل بالعقاب القاسي، مثل لفظ سأقطع رقبتك، أو سأطردك من البيت، كل هذه الأمور تثير الفزع والخوف في نفسيته، وتترتب عليها آثار نفسية، خصوصاً إذا كان ذلك التهديد أمام أصدقائه، لافتة إلى أن التدليل الزائد يعتبر شكلاً آخر من أشكال الإيذاء العاطفي للطفل، ولكنه إيذاء غير مباشر، فهو ليس عقاباً ولا تهديداً بالعقاب، ووجه الشبه بينه وبين الأشكال السابقة يتمثل في النتيجة، وبأنه يحرم الطفل من تحمل المسؤولية والقدرة على حل مشاكله مستقبلاً، وينمي لديه روح الاتكالية على الآخرين.قسوة وعقوق وذكرت الدكتورة جميلة خانجي مستشارة الدراسات بمؤسسة التنمية الأسرية، أن أكثر أشكال الإيذاء العاطفي بروزاً هو العقاب القاسي، سواء البدني أو العاطفي أو المعنوي لأخطاء قد لا تستحق العقاب أحياناً، والأسوأ عندما يعاقب الطفل ولا يعلم ما هو خطؤه، ولماذا يعاقب من قبل أبيه أو أمه، أو حتى معلمه في الفصل، مشيرة إلى أن بعض الآباء يلجؤون للقسوة مع الأبناء، وذلك يتسبب في الكثير من المشكلات النفسية والاجتماعية، وقد يجعلهم عرضة لأن يكونوا معتدين على غيرهم، كما قد تؤدي تلك القسوة إلى عقوق الأبناء والجحود والنكران، لأن ما زرعه الأبوان في صفحة طفولتهم البريئة يحصدانه في الكبر، داعياً إلى أن يفكر الآباء في تأمين مستقبل أبنائهم قبل أن يحلما بتخرجهم في الجامعات، وعليهم أن يفتشوا عن الوسائل الناجعة التي تجعل من أبنائهم أشخاصاً أسوياء. انخفاض الدافعية رشا عبدالعزيز معلمة تربية خاصة لفتت إلى أن قضايا تعنيف الآباء لأبنائهم إلى جانب المعلمين داخل المدارس تعتبر من أهم المشكلات التي تؤدي إلى عدم تطوير العملية التعليمية، نتيجة تولد الخوف والغضب الداخلي في نفوس الأبناء اللذين يؤديان إلى انخفاض الدافع الذاتي للتعلم، وضعف مستوى الأداء، الأمر الذي ينعكس سلباً على العملية التعليمية، ويعمل على خفض الثقة بنظام التعليم، فتصبح المدرسة مكاناً غير آمن ولا مرغوب فيه. تنمر وتمرد وأشار جمال شحود معلم اللغة العربية إلى أن بعض الآباء والمعلمين يلجؤون إلى الشدة لفرض احترام الأبناء لهم أو تحسين سلوكياتهم، وذلك عبر أشكال مختلفة، منها الإيذاء اللفظي «الإهانة» وأحياناً البدني «الضرب»، وهذا أسلوب غير تربوي وخاطئ، ويزيد من عناد الطالب، ويؤدي إلى مالا تحمد عقباه، كالتنمر إما بتطاول الطالب على معلمه وقلة أدبه، أوخلق عداوة بينهما تؤدي إلى تمرده واستهتاره بالحصة الدراسية، وإثارة الشغب داخل الصف، وإذا شعر الطالب بالقسوة والإهانة من أحد الأبوين أو كليهما، فسيؤدي حتماً إلى هروبه من المنزل والارتماء في أحضان أصدقاء السوء، لذلك يجب على الآباء والمعلمين الارتقاء بأساليب التنشئة الاجتماعية ورعاية الأبناء، ومنحهم المزيد من الاهتمام والحب والعطف والحنان. تنمية الذكاء العاطفي نصح الدكتور صالح الجرمي مدرب مهارات التفكير ومحاضر الأساليب التربوية، الآباء والأمهات، وكذلك المعلمون، بتعليم الطفل وتنمية ذكائه العاطفي، وذلك بتوفير البيئة الحياتية الآمنة والمشوقة، والحذر من استعمال القوة والعنف والقهر مع الطفل، وعدم اللجوء إلى أسلوب تجعله يشعر بالذنب والتأنيب، لأن ذلك يؤدي إلى نوعين من النتائج السلبية، وهما توتر العلاقة بين الآباء والأطفال، والتأثير في ثقة الطفل بنفسه، أو نفور الطفل من المعلم في مدرسته، ومن ثم كراهيتها وإعراضه عن الذهاب إليها، إضافة إلى قتل ذكائه العاطفي وإضعافه.
مشاركة :