يتعذر على فئة من العاملين التعامل مع التكنولوجيا الحديثة بيسر، ولو كانت مجرد تغيير في نظم التشغيل المستخدمة. بعضهم يتعلل بصعوبة التعلم لدواعي السن، ويرجع آخرون المشكلة إلى أوجه نقص في أنفسهم، ويكتفون بالانغلاق على ذاتهم والتحسر على حالهم، بينما يدور دولاب العمل من حولهم بكل قوة. فهل هذا كله صحيح؟ دعنا نرى. يتسبب التغيير التكنولوجي في حدوث احتكاكات أحياناً بين فئتين: الأولى متعاونة ترحب بالتطور وتفرح به إدراكاً لمزاياه، والثانية معوقة فتشكو، وتتذمر، وتتملص من التدريب المعرفي اللازم. وقد يتسبب وجود عنصر معوق واحد في تعطيل عمل فريق بأكمله، وهنا مكمن المشكلة. لذا يتعين ابتكار وسائل لاجتذاب المتكاسلين عن اللحاق بالحداثة، بتفهم المعوقات النفسية التي تواجههم، ومساعدتهم في استيعاب مزايا التكنولوجيا الحديثة، ومنحهم الوقت الكافي للتعلم. ويقول بول كانون صاحب مكتب للاستشارات القانونية في هيوستون إنه اندهش لمقاومة فئة من مرؤوسيه قراره بإحلال برامج تشغيل حديثة محل البرامج العتيقة المستخدمة في الشركة. وأوضح أن بعضاً منهم قاوم مجرد مشاهدة أفلام الفيديو الخاصة بالتدريب، بينما لجأ آخرون إلى نوع من التخريب بالاستمرار في تخزين ملفاتهم على أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم بدلاً من إرسالها إلى تطبيق «كلاود». وعمدت فئة ثالثة إلى إعاقة التطور بذكاء عن طريق تعقب أتفه الأخطاء واعتبارها حجة للتخلي عن الفكرة. واستخدم بعضهم البرمجيات والأجهزة الجديدة بنفس طريقة استخدام القديم منها، ليدركوا أن مجرد جلب قائمة عناوين بالطريقة السابقة إلى نظام تشغيل متطور سيتسبب في أخطاء لا حصر لها. ودفع هذا إلى تكليف مختصين بعلاج مشكلة لا لزوم لها أساساً، فضاع مزيد من الوقت والمال. وخلص كانون من هذا بقوله «تعلمت من هذه التجربة أن عدداً لا بأس به من الأفراد يخافون من التغيير لخشيتهم من ارتكاب أخطاء. إذ أنهم يعرفون كيفية النهوض بأعمالهم في ظل النظام القديم حتى إذا ما كان هذا النظام ثقيلاً مرهقاً ويفتقد للكفاءة. ولكنه مريح، والراحة تعادل الأمان أحيانا». كما ينحي مقاومو التغيير باللائمة على التكنولوجيا الحديثة في تراكم ما ينبغي على غيرهم القيام به من عمل. وكشفت دراسة أجريت في عام 2005 وشملت تقييم الأداء في ثلاثة مستشفيات طبقت نظام حفظ الوصفات الطبية وسجلات المرضى إلكترونيا، كشفت عن شكوى الأطباء من زيادة الأعباء على عاتقهم نتيجة لاضطرارهم إلى تسجيل كل شيء بأنفسهم بدلا من ترك المهمة لطاقم التمريض. وبسبب هذا الصراع المكتوم، لجأ أحد الأطباء إلى ما يمكن وصفه «بالتخريب» عن طريق إقرار نقل كميات معلومة من الدم بانتظام وبمعدل مرة كل ساعة إلى جميع المرضى مما أدى إلى انهيار المنظومة الجديدة! من جهة أخرى، فإن مقاومة بعض العاملين للتحديث يهددهم بفقد أعمالهم. لذلك أصبح شرط التأقلم مع التكنولوجيا الجديدة أمرا أساسيا في معظم الوظائف. ونشرت دورية إدارة نظم المعلومات في مارس الماضي نتائج دراسة أظهرت أن معاناة العاملين مع التكنولوجيا الحديثة المعقدة قد يشعل مخاوفهم من الطعن في كفاءتهم، أو خطر فقدان مراكزهم الوظيفية بين أقرانهم في العمل ما يهدد شعورهم بهويتهم. ولاحظت الدراسة أن بعض العاملين يتحرجون من الإقرار بعدم معرفتهم كيفية استخدام هذه التكنولوجيا لدرجة تدفعهم إلى نبذها تماما، أو الالتفاف عليها بشتى الحيل. ومن اللافت للنظر أن السن ليس عائقا أمام التأقلم مع التكنولوجيا الحديثة واستيعابها بعكس ما يعتقد كثيرون. وأظهر مسح شمل 16 ألف عامل في هذا الصدد أن نسبة تصل إلى نحو 76% من العاملين فوق سن الخمسين عبرت عن أهمية الالتحاق بوظيفة تستخدم أحدث تطبيقات التكنولوجيا الحديثة. والمدهش هنا أن هذه النسبة تضاهي نتائج المسح تقريبا بين العاملين فوق سن العشرين. بل إن الفئة الأولى تفوقت في أدائها على جيل الشبان على صعيد إيجاد وسائل استراتيجية لتطبيق البرامج الجديدة. وختاما، فإن تعليم الأفراد مزايا التكنولوجيا الحديثة يتطلب تبني طرق مختلفة لتقديمهم إليها أو العكس، مع العمل على إزالة الحواجز النفسية التي تحول بينهم وبين التأقلم مع كل جديد، وطمأنتهم إلى أن وظائفهم آمنة طالما تكيفوا مع النظم الجديدة.
مشاركة :