«مريت دار العز مصفوت شفت الكرم قيل بها وبات.. مفتحة بيبان البيوت هلها لهم بالطيب عادات».. هكذا عُرف عن أهالي «مصفوت»، التي تتبع إمارة عجمان، بجودهم وكرمهم وحفاوتهم بكل زائر، ورغم تدفق حياة التمدين فيها، إلا أن البيوت مازالت تسير على وتيرة الحياة قديماً، بتواصل أهلها وترابطهم، وجمعتهم وملتقياتهم المتواصلة، في كل وقت، فلم تغير إيقاع الحياة العصرية، نمط حياتهم التي توارثوها وتناقلوها بين الأجيال، فهي منبع أصالتهم وقيمهم وعاداتهم ومنهج تربو عليه. هذه القرية التي تحتضنها الجبال، وتطوقها من كل الجهات في منظر يؤكد مكانتها وأهميتها، استقرت ونشأت بين تضاريس شكلت حماية طبيعية لها ضد أي خطر كان يحدق بها قديماً. «يا حلو طاريها» حول قرية «مصفوت» يحدثنا د. سيف بن عبود البدواوي أستاذ جامعي متخصص في تاريخ الخليج العربي الحديث والمعاصر، قائلاً: أخذت «مصفوت» اسمها من موقعها الجغرافي، حيث تقع بين الجبال التي تحيط بها من عدة جهات لذا كأنها مصفوتة بين الجبال فهي مصفوت، ويقول شاعر مصفوت، كلفوت البدواوي، رحمة الله عليه: «مصفوت زينة يا حلو طاريها.. يعل يبلها يندري غربيها». ويلفت البدواوي قائلاً: مصفوت قرية تتبع إمارة عجمان ورغم بعد المسافة ما بين عجمان ومصفوت (120 كم)، إلا أن الزيارات التي كان يقوم بها الشيخ راشد بن حميد النعيمي، رحمه الله (حاكم عجمان 1928-1981) للقرية ساهمت في تقوية الترابط بين البلدتين، كما كرس ذلك صاحب السمو الشيخ حميد بن راشد النعيمي، عضو المجلس الأعلى حاكم عجمان، حيث يزور القرية كل أسبوعين تقريباً ويقضي فيها يوم الجمعة، حيث يقابل فيها الأهالي ويتفقد شؤونهم ويحل مشاكلهم، كما حظيت مصفوت بزيارة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، عام 1975، وتفقد معالمها المختلفة وسط جمع من الأهالي. «برج البومة» والناظر لتضاريس هذه البلدة يجد أنها محاطة بجبال شاهقة، ومنها «جبل البومة»، و«جبل الأبيض»، و«جبل اليشم»، وغيرها من الجبال، والتي تشكل حماية طبيعية للمنطقة، لذلك نرى أبراج الحراسة منتشرة فوق قمم الجبال مثل «برج البومة»، والذي سمي بهذا الاسم لأن الحرس كانوا يقومون على حراسة القرية ليل نهار وأطلق عليهم اسم البومة لأنهم لا ينامون بالليل مثل طائر «البوم». ويشير البدواوي قائلاً: وبسبب موقعها الذي يشكل لها حماية طبيعية، حيث لا يستطيع أحد الوصول إليها إلا عن طريق الوادي أو عن طريق الجبال، قامت فيها الزراعة وخاصة النخيل، والهمبا، والليمون، والسفرجل، والموز، والذرة، والقمح، والدخن، والهندال، والتين ذو الحبة الصغيرة. كما تميزت مصفوت بكثرة الأفلاج، حيث كان بها أكثر من تسعة أفلاج، منها ما دمر واندثر، ومنها ما زال باقياً يتدفق مع قدوم الأمطار ويجف في المحل، كفلج مصفوت، وفلج الورعة، وفلج ضفدع، وفلج الشرية، وفلج المصيف، وفلج النقاع. رواية «الجازرة» ويؤكد البدواوي قائلاً: كان بعض أهالي مصفوت يسقون مزارعهم بوساطة «الجازرة»، التي كانت تقوم على جر دلو كبير برشاء يجره ثور يذهب ويرجع في الخب، ولكن مع قدوم المكائن التي تعمل بالديزل اندثرت الجازرة، وقد ذكر لي سالم بن محيل، رحمه الله، عندما زرته في مزرعته تحت الجبل الأبيض عام 2014، فقال: أنظر إلى قمة الجبل ألا ترى شيئاً شبيه بـ«اليازرة»؟ ولما تحققت أجبته مستغرباً، بلى ولكن ما معنى جازرة من دون طوي ولا ثور؟ قال تلك قصة رومانسية لشاب اسمه منيور أحب فتاة اسمها مي، ولكن أهلها رفضوه لأنه شاب غير معروف ولا صيت له، فأراد أن يلفت انتباه محبوبته والقرية كلها فعمل مثال البئر في قمة الجبل الأبيض وربط بها حبل وكان كلما يجر الحجر على الحجارة تعمل صوتاً مثل صوت الجازرة، وتروي الحكاية الشعبية أن منيور تزوج مي وبقي أثرهما لليوم في قمة الجبل الأبيض مشرفاً على مصفوت مذكراً بتلك الحكاية الشيقة، التي قد تكون من الأساطير. أول مدرسة يشير البدواوي إلى بداية التعليم في «مصفوت»، أن أول مدرسة تم تشييدها كانت عام 1963، ودرس فيها كثير من الطلاب والطالبات، الذين تلقوا تعليمهم على يد الشيخ علي بن حمد بن غانم الشامسي من سكان الحيرة، والذي كان يدير المدرسة ويعلم الطلاب ويصلي بالناس إماماً، وكانت له هيبة بحيث إذا رآه الطلبة في سكة هربوا منه لسكة أخرى حتى لا يراهم، وكان من تلاميذه الكثير من الشيوخ والأهالي، أما اليوم فتضم مصفوت العديد من المدارس والمستشفيات، إلا أن الحياة في القرية قد تختلف في مظهرها، لكن يبقى جوهرها صافياً نقياً بسيطاً كما كان في الماضي.
مشاركة :