سمعت الخبر وهزني مثل بقية شعب البحرين لموت ثلاث نساء من عائلة واحدة في سترة بسبب تسرب الغاز، فيما حكاية الموت الاخرى والقريبة في زمنها للموتات الثلاث هو انتحار الفتاة «إيمان» لأسباب عائلية شخصية متعلقة بحالة إحباط زوجية، لا يستطيع الشرع وملابساته أن يتملص ولو بشكل غير مباشر أو مباشر في دفع جيل كامل من النساء لم يجدن من ينصفهن انصافاً عادلاً في الحياة الزوجية، ويمنح فعليًا المرأة المتزوجة أو حتى غير المتزوجة حقاً متساوياً وكاملاً في المجتمع الذي تعيش فيه، فهناك حقوق دستورية لكل مواطن لا ينبغي أن تتعارض وتتناقض مع أمور لها علاقة بالمحاكم الشرعية، تلك القضايا لابد من تسويتها عاجلاً وإلا جرس «الفتاة إيمان» عبدالواحد سيظل يقرع ليس في فضاء سترة وحدها فحسب بل وفي فضاء بلادنا كلها، فالظروف والأسباب والعوامل التي أنتجت حالة إيمان تشكل قضايا كثيرة شبيهة لها ظاهرة واسعة مستشرية. أن وضع حالة إيمان التراجيدية وكأنها مجرد فتاة محبطة في زواجها واختارت الموت والانتحار طريقا لإنهاء مأساتها، تبسيط ساذج لحقيقة أعمق وأوسع لمسألة اضطهاد المرأة في المجتمع وتحويلها الى سلعة رخيصة وكائن اجتماعي تافه ومواطن هامشي ومنبوذ لا يستحق الحياة. ولن ينتشل أشكال إيمان وغيرها من ربقة التقاليد البالية والتشريعات الجامدة المتخلفة إلا جانبان، هو ضرورة حراك المجتمع النسوي برمته وبكل مكوناته بالدفاع معًا عن حقوق جنسها أولاً وحقوقهن ثانياً، كونهن مواطنات معنيات بالاحتماء واللجوء الى أعلى مؤسسة وسلطة في الدولة، لكي تنزع لهن حقوقهن المستلبة من سلطات تاريخية وبراثن جاهلة تسعى على الدوام تكبيل وتقييد المرأة في معبدها التاريخي المقدس، سلطة عليا تحمي مواطنيها متى ما أدركت النساء جميعاً أن الدولة والمجتمع المدني هو الجهة التي ينبغي الاحتماء بمتاريسها ومكانتها، من قتلوا «إيمان» لم يشهروا عليها مسدسا كاتما للصوت، ولا خنقوها بالغاز كما هن نساء سترة الثلاث، وإنما وضعوا حول عنق ايمان حبل الانتحار وسهلوا لها مهمات الانتحار بجعل حياتها سوداء مغلقة كئيبة بطرق مسدودة. أي إنسان أو جهة أو مجتمع يحرض ويدفع لخندق الموت نماذج من «إيمان» لابد وأن يتم مساءلته وملاحقته ووضعه أمام العدالة ليس الإلهية وحدها وحسب بل والقضائية والاجتماعية معًا. رحلت إيمان من عالمنا دون ورود على شاهد قبرها، دون الاحساس بشبابها وحقها في العيش بيننا كإنسان ومواطن بحريني بسيط يفتش عن سعادة «صغيرة» في الحياة. أما مأساة النساء الثلاث اللاتي متن بسبب الغاز المتسرب، تشكل جرساً آخر حول الموت المجاني العابر على بيوت الفقراء. تموت سترة باستنشاق الغاز المتسرب يجعلنا نقف أمام عدة أمور من أهمها مدى جهل الناس بأمور وأخطار محدقة حولهم، وغياب مسألة وعي الناس بكيفية استعمال تلك السلندرات ومراقبة الدفاع المدني الجهات التي تسوق أنابيب الغاز وتسمح للناس باستعمالات خاطئة دون إشراف او متابعة لها علاقة بشروط السلامة. من الملاحظ في السنوات الأخيرة حالات وفاة عدة بسبب تسرب الغاز، فأتذكر جهل أمهاتنا في الزمن الغابر حينما كن يتعاملن مع «الجولة» التي تعتمد على الكيروسين (ويسمونه في البحرين الكاز). وبما أن النساء في الماضي ملابسهن شفافة ناعمة (ململ) سهلة الاحتراق فكثيرًا ما هاجم لهب متسرب من جسم الجولة الصغيرة ليشب في جسد تلك المرأة الجالسة المحاذية للجولة، فيزداد ارتباكها ولا تعرف ماذا تفعل؟ فتتحول ثيابها مصدرًا لموتها والسبب الاصلي نابع من «الجولة» وحينما دخلت الثلاجة والكهرباء بدأنا نسمع عبارة «ذبحته الكهربا» أو «يودته الثلاجة»!! اختفت تمامًا قصص الجولة والثلاجة والكهرباء ولكننا في عصر «الغاز!!» بتنا نموت بهدوء ونحن نستنشقه دون الشعور برائحته، غير رائحة الموت في زوايا غرفنا وبيوتنا. موت إيمان جرس يدق في فضاء المدن المنسية القابعة تحت الجهل والإهمال والفقر.
مشاركة :