انعكاسات صفقة الصواريخ إس 400: تركيا بين عضوية الأطلسي والشراكة الروسية

  • 6/24/2019
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

في نهاية عام 2017 وقعت تركيا صفقة لشراء منظومة صواريخ إس 400 من روسيا والتي يتوقع تسليمها لتركيا في يوليو 2019. تلك الصفقة التي أثارت - ولا تزال- تثير الكثير من الجدل لكون تركيا هي أحد أعضاء حلف الناتو الذي يرى في روسيا التحدي الأكبر وخاصة في أعقاب قرار روسيا ضم شبه جزيرة القرم ثم التدخل العسكري في سوريا عام 2014. فضلا عن تنامي النفوذ الروسي في دول الشمال الإفريقي وهي إحدى مناطق شراكات الناتو، وتكمن مخاوف الحلف في أن نشر تلك المنظومة المتقدمة على الأراضي التركية من شأنه أن يمثل اختراقًا للأسرار التقنية لمنظومة الحلف العسكرية، بالإضافة إلى اختراق مقاتلات إف 35 التي تسعى تركيا للحصول عليها من الولايات المتحدة الأمريكية. ومع التسليم بالمبررات التي أعلنتها تركيا على لسان وزير الدفاع التركي خلوصي بالقول إن «سعي تركيا لاقتناء تلك المنظومة كان حاجة ضرورية بالنسبة إلى تركيا حيث لم تلق استجابة من حلفائها في الناتو لتزويدها بطلباتها الدفاعية وخاصة طلب منظومة صواريخ باتريوت الأمريكية، فضلاً عن أن العروض التي تلقتها من قبل لم تكن مناسبة سواء من حيث شروط السعر أو المشاركة في الإنتاج». ومع أن مسألة تطوير القدرات الدفاعية لكل دولة هي أمر سيادي فإن الأمر يبدو مغايرًا بالنسبة إلى الحالة التركية لأنها عضو في حلف الناتو بما يضع عليها قيودًا ترتبط بمفهوم الأمن الجماعي ضمن الحلف وهو ما أكده الأمين العام للحلف بالقول «قرار شراء معدات عسكرية قرار وطني يخص كل دولة على حدة لكن قدرة الجيوش المتحالفة على العمل معا مسألة أساسية بالنسبة إلى حلف شمال الأطلسي تتعلق بإدارة عملياته ومهامه». ويعني ما سبق أن إتمام تلك الصفقة ليس بالأمر اليسير، حيث سيكون لها تأثير على العلاقات التركية-الأمريكية من ناحية، وعلاقة تركيا بحلف الناتو من ناحية ثانية، ففي الوقت الذي أرسل فيه وزير الدفاع الأمريكي بالوكالة باتريك شاناهان خطابًا إلى نظيره التركي لإيضاح خطوات إقصاء تركيا من خطة برنامج تصنيع وتطوير طائرات إف 35 مع نهاية يوليو 2019 كنوع من العقوبات الأمريكية جراء القرار التركي تحاول تركيا إيجاد قدر من التوازن في علاقاتها بالولايات المتحدة وحلف الناتو من ناحية والحفاظ على الصفقة من ناحية ثانية، ومن ثم فقد أعلنت بعض المقترحات للخروج من تلك الأزمة منها اقتراح تشكيل مجموعة عمل مشتركة لدراسة مخاوف الولايات المتحدة بشأن تلك الصفقة وهو الاقتراح الذي لم يلق قبولاً أمريكيا. وعلى الرغم من محاولة تركيا التأكيد على أن تلك الصفقة دفاعية وليست هجومية بما يعني انتفاء التهديد، فإن هناك أسبابا تدفع إلى تمسك تركيا بها منها ربما السعر المناسب والذي يقدر بحوالي 2.5 مليار دولار مقابل صفقة باتريوت كانت قد طلبتها من الولايات المتحدة قيمتها 3 مليارات دولار، من ناحية ثانية ربما تكون إجراءات التسلم من روسيا تتسم بالسهولة مقارنة بضرورة موافقة الكونجرس، من ناحية ثالثة فإن الصفقة مع الولايات المتحدة لم تكن تحتوي على مشاركة تركيا في عملية التصنيع أو تحقيق هدف نقل التكنولوجيا وهي الطلبات التي تقدمت بها تركيا للجانب الأمريكي ولم يكن الرد إيجابيا في حين أن الجانب الروسي سوف يتيح لتركيا المشاركة في التصنيع، بالإضافة إلى السعر المنخفض، ومن ناحية رابعة قدرة هذا النوع من الصواريخ على إسقاط الصواريخ الباليستية، بالإضافة إلى زيادة عمق الدفاعات التركية لمئات الكيلومترات، فضلا عن ارتباط إصرار تركيا على توقيع تلك الصفقة بالمشهد الإقليمي البالغ التعقيد في الوقت الذي تقع فيه تركيا على خط التماس مع عديد من مناطق التوتر الإقليمية ومن ثم تجد أن تعزيز شراكاتها مع الأطراف الفاعلة في تلك الأزمات يعد أمرًا استراتيجيا ومنها روسيا في ظل إعلان الولايات المتحدة الانسحاب من سوريا تلك الأزمة التي لا تزال تراها تركيا تحديًا هائلاً لأمنها القومي. ومع أن تركيا عضو في الناتو بما يعنيه ذلك من تمتعها بمظلة الحلف الدفاعية فإن ذلك لا ينفي أمرين الأول: سحب الولايات المتحدة صواريخ باتريوت من تركيا عام 2015 التي سبق ونشرتها عام 2013 بدعوى حمايتها من عملية إطلاق صواريخ محتملة من الأراضي السورية، ما أثار لديها مخاوف من إمكانية حدوث انكشاف استراتيجي لأمنها القومي ومن ثم أرادت تركيا تنويع شراكتها الدفاعية، والثاني: هو أن حلف الناتو يحمي 30% فقط من الأراضي التركية، وهو ما يثير جدلاً حول طبيعة العلاقة بين تركيا والحلف ومن يسعى لتوظيف قدرات من؟ وربما يكون مفهومًا سعي تركيا لتأسيس شراكات دفاعية ووجود مخاوف لديها في عدم إمكانية حصولها على الأسلحة التي طلبتها من الولايات المتحدة في ظل ضرورة موافقة الكونجرس على صفقات التسلح عمومًا، إلا أن تركيا ربما لن تمضي قدمًا في إتمام تلك الصفقة مع روسيا، صحيح أن الظروف الإقليمية الراهنة قد أملت على عديد من الدول تفعيل علاقاتها مع روسيا إلا أن تركيا ربما لن تغامر بعضويتها في حلف الناتو مقابل توثيق العلاقات مع روسيا، حيث يظل الحلف هو الضمانة الأساسية لأمن تركيا بما لديه من إمكانيات عسكرية تفوق ما لدى روسيا بمراحل ومن ثم قدرته على تحقيق الردع وليس أدل على ذلك من حادثة إسقاط الطائرة الروسية على الحدود التركية عام 2015 ما كان سيؤدي إلى أزمة بين الجانبين إلا أن التصعيد من جانب روسيا كان سيعني مواجهة الحلف. وعلى الرغم من تأكيد تركيا أنها تسيطر بشكل كامل على المنظومة وأنها اتخذت من الإجراءات الاحترازية ما يضمن عدم تأثير تلك المنظومة على الدرع الصاروخية لحلف الناتو فإن ذلك لم يسفر عن نتيجة ملموسة بما قد يجعلها عرضة لعقوبات أمريكية، إلا أنه يتبقى لقاءان مهمان ربما يتم خلالهما إنهاء تلك الأزمة وهما مشاركة المسؤولين الأتراك ونظرائهم من الولايات المتحدة في قمة مجموعة العشرين باليابان، فضلاً عن اجتماع لوزراء دفاع الحلف وكلا الحدثين نهاية شهر يونيو الجاري. ومع أهمية ما سبق ينبغي التأكيد على أن قضية الدرع الصاروخية- وإن كانت الأبرز- بيد أنها ليست الخلاف الوحيد بين تركيا والولايات المتحدة بالرغم من كونهما أعضاء في حلف الناتو، ما يثير تساؤلاً حول إمكانية مضي تركيا قدمًا في إتمام الصفقة وفي الوقت ذاته الحفاظ على علاقاتها الاستراتيجية بالولايات المتحدة وعضوية حلف الناتو؟ ‭{‬ مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية والدولية بمركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة

مشاركة :