ندوب الماضي تمهّد لميلاد خطة سلام ميتة في الشرق الأوسط

  • 6/24/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تتوجّه الأنظار يومي 25 و26 يونيو الجاري لمتابعة ما ستؤول إليه نتائج مؤتمر البحرين الذي تنظمه الإدارة الأميركية لتقديم الجزء الأول من صفقة القرن أو خطة واشنطن للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. المبادرة الأميركية المرفوضة بشكل كبير عربيا، لانحيازها الواضح للجانب الإسرائيلي يرجّح أن تؤول إلى الفشل بسبب تراكم عدة أسباب تاريخية أدت في السابق إلى أن تعرف مبادرات مماثلة إلى العجز عن إيجاد حلول لمشاكل بالجملة في منطقة الشرق الأوسط. ومع تأهبّ المنطقة لاجتماع يُعقد في البحرين وسيمثل أحدث حلقة في سلسلة طويلة من المبادرات لتسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، تجدد الحديث عن السلام في الشرق الأوسط، لكن كل الترجيحات تصب في خانة أن هذا المؤتمر لن يخرج بشيء جديد سوى الحديث عن مفهوم السلام. وقبيل انعقاد المؤتمر، احتجت شعوب العديد من البلدان على مواقع التواصل الاجتماعي ضد المؤتمر معتبرة أن طرح الجانب الاقتصادي لصفقة القرن هو بمثابة رشوة لقبر القضية الفلسطينية، فيما تظاهر عدة آلاف الأحد في الرباط من أجل “إدانة” المؤتمر المزمع عقده في البحرين، والذي يرتقب أن تطرح فيه الولايات المتحدة الجانب الاقتصادي من خطتها للشرق الأوسط. تمثل الندوب التي نتجت عن حروب سابقة في إسرائيل وفلسطين ومرتفعات الجولان شاهدا على صعوبة المهمة الأميركية في طرح خطة السلام بالشرق الأوسط ورغم أن الرئيس الأميركي تعمّد خلال ترويجه لمؤتمر البحرين تجنب استعمال مصطلح “صفقة القرن” المرفوض بشكل كبير عربيا، فإن ذلك لا يعني وفق العديد من المراقبين أن مهمته ستكون سهلة بل ستصطدم أيضا بتراكمات تاريخية في الخلاف العربي الإسرائيلي ستجعل من مبادرته بعيدا عن انحيازه لإسرائيل تفشل حتى قبل ميلادها. ومن المرجح أن تتردد الآلاف من الكلمات وتُصرف الملايين من الدولارات في المؤتمر الذي تنظمه الولايات المتحدة يومي 25 و26 يونيو بهدف دعم الاقتصاد الفلسطيني في بداية المرحلة الأولى من خطة السلام. تراكمات تاريخية وتمثل الندوب التي تخلفت عن حروب سابقة في إسرائيل والأراضي الفلسطينية ومرتفعات الجولان شاهدا على صعوبة المهمة. وتقف أطلال قديمة وقلاع ترجع إلى العصور الوسطى شاهدا على أن الصراع في المنطقة ليس بجديد. فمنذ نهاية الانتداب البريطاني وإعلان قيام دولة إسرائيل في 1948 تبدلت الحدود التي تحدد من يمكنه السفر أو الإقامة بفعل الاجتياحات والحروب واتفاقات الهدنة والمعاهدات والانتفاضات والجدران ونقاط التفتيش والحروب الأهلية. ومع ذلك تتبقى على الأرض آثار لمن جاء من قبل وذهب. ففي أقصى الشمال على الحد الغربي لمرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل من الممكن رؤية دبابة سورية يعلوها الصدأ مقلوبة منذ عشرات السنين في جدول مائي. تقبع الدبابة في منطقة كانت تعتبر منزوعة السلاح تفصل بين الجيشين السوري والإسرائيلي من 1949 إلى حرب الأيام الستة في 1967 التي استولت فيها إسرائيل على معظم الهضبة من سوريا واحتلتها ثم ضمتها إليها في ما بعد. واليوم ينقش السياح الإسرائيليون عبارات على بدن الدبابة المعدني التي ينتشر على سطحها الزبد بأقدامهم وهم يداعبون مياه الجدول. قال دانييل ألونيم (54 عاما) بينما كان أصدقاؤه يلعبون لعبة سكرابل على بدن الدبابة “شي غير واقعي. كأنها سقطت من الفضاء”. والحقيقة أن الدبابة سقطت لكنها لم تسقط من الفضاء. شارك عميران إفراتي، الذي يعيش في كيبوتس دان القريبة، في معركة خلال يونيو 1967 في مواجهة ست دبابات سورية تقدمت باتجاه المواقع الإسرائيلية من هضبة الجولان. ويتذكر إفراتي أن إحدى الدبابات فتحت النار في حقل جاف من حقول القمح. قال إفراتي (82 عاما) “أمسكت النيران بجنزير الدبابة وبدأت الدبابة تتراجع. إحدى الدبابات اقتربت بشدة من الحافة وكانت ثقيلة جدا على هذه التضاريس فسقطت. ولا تزال هناك”. وبعد انقضاء 52 عاما ليس لدى إفراتي أي ثقة بأن مساعي السلام ستنجح. وقال “لا أعتقد ذلك. ليس في الشرق الأوسط”. وعبر الجولان تنتشر آثار أخرى تذكر بحربي 1967 و1973 بين إسرائيل وسوريا ومنها حقول الألغام وخنادق الجنود والمدرعات المهجورة. وعلى مبنى سوري سابق كُتبت عبارة “الجيش السوري مر من هنا”. ولم يكن هو الجيش الوحيد الذي مر من تلك المنطقة. فقد وصل الجيش البريطاني عام 1917 ورحل في 1948 عندما انتهى الحكم البريطاني. ومع رحيل القوات البريطانية تقدمت جيوش دول عربية وسيطرت القوات الأردنية على الضفة الغربية والقدس الشرقية. وأسفرت هدنة في العام التالي عن رسم “الخط الأخضر” الذي فصل بين القدس الغربية تحت السيطرة الإسرائيلية والشطر الشرقي من المدينة الذي أصبح تحت سيطرة الأردن لما يقرب من عقدين من 1949 حتى حرب 1967 عندما استولت إسرائيل على القدس الشرقية. والآن ما من علامة مرئية تذكر على الخط الأخضر في وسط المدينة. إلا أن نصبا تذكاريا يقف على تل الذخيرة بالقدس حيث لا تزال توجد الخنادق والتحصينات الأردنية القديمة في موقع بناه البريطانيون. هليكوبتر عرفاتلا تزال بقايا العهد البريطاني قائمة. ففي الضفة الغربية لا يزال سجن بريطاني والعديد من المباني العسكرية قائمة في قرية الجفتلك بالقرب من أريحا. وتتجول الخراف الآن في المباني الخالية المهجورة منذ فترة طويلة. ويقول سكان فلسطينيون إن الجيش الإسرائيلي يستخدم السجن أحيانا في التدريب. كما تمتلئ غزة، الشريط الفلسطيني على ساحل البحر المتوسط، بآثار الماضي القريب والبعيد. ففي مقبرة غزة الحربية يرقد 3217 جنديا من جنود الكومنولث سقطوا في الحرب العالمية الأولى وأكثر من 200 جندي من الحرب العالمية الثانية. وظلت غزة نقطة ساخنة من آن إلى آخر حتى أثارت اتفاقات أوسلو في التسعينات آمالا في تحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. تم إنفاق مبالغ طائلة على إنشاء مؤسسات السلطة الفلسطينية في ظل رئيسها الأول ياسر عرفات الذي كان يستخدم مطار غزة للسفر إلى الخارج في زيارات رسمية، غير أن التفاؤل الذي جلبته اتفاقات أوسلو تراجع وحلت محله الاتهامات المتبادلة وتجدد العنف. وكان مطار غزة من ضحايا هذا التراجع إذ دمرت إسرائيل ممر الطائرات بعد بضعة أشهر من هجمات 11 سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة، بعد أن اعتبرت أنه يمثل تهديدا أمنيا خلال انتفاضة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة. وتقف طائرة عرفات الهليكوبتر الآن بلا مراوح في مدينة غزة. وأصبحت هياكل مباني المطار مهجورة بالقرب من حدود غزة الجنوبية مع مصر.

مشاركة :