د.رضا محمد هلال* تتوسع وتزداد مجالات الحرب التجارية الضروس بين الصين والولايات المتحدة يوماً بعد يوم، لتمتد لقطاعات جديدة يسعى فيها كل طرف لضرب الجانب الآخر المنافس في مناطق ما يسمى في الرياضة البدنية «بالمنطقة المحرمة» أو «منطقة تحت الحزام»؛ رغبة في إلحاق أكبر خسارة ممكنة بالخصم تجعله يستسلم ويستجيب ويقبل بشروط وطلبات الطرف المنتصر دون قيود أو مماطلة.يعد مجال أو قطاع المعادن النادرة آخر سجالات وجولات الصراع التجاري بين الدولتين، حيث تخطط الصين -الحائز الأكبر عالمياً لهذه المعادن والمورد الوحيد لها للسوق الأمريكية- لتوجيه ضربة موجعة لقطاع صناعة التكنولوجيا الدقيقة الأمريكية المستخدمة فيه هذه المعادن بوقف تصديرها للسوق الأمريكي. وعلى الرغم من أن الصين لم تعلن صراحة حتى الآن أنها ستقيد مبيعات المعادن النادرة إلى الولايات المتحدة، إلا أن وسائل إعلام صينية ومنها صحيفة «الشعب» اليومية الرسمية حذرت الولايات المتحدة من الاستهانة بقدرة الصين على الرد، خاصة في ظل «اعتمادها الحرج على المعادن النادرة الصينية». لذا يتعين الوقوف على أهمية هذه المعادن والإنتاج والتجارة العالمية لها عموماً والتجارة الصينية لها بصفة خاصة؛ وتداعيات استخدام الصين لها في حربها مع الولايات المتحدة، وبدائل الأخيرة لمواجهة هذه الضربة الموجعة لاقتصادها.* أولاً: المعادن النادرة «حصان طروادة» في التكنولوجيا الدقيقة الأمريكيةفضلت عدة دول متقدمة منذ نهاية الثمانينات في القرن العشرين، التخلي عن الصناعات كثيفة العمالة للدول النامية الصاعدة والدخول في قطاع صناعي جديد هو الصناعات الدقيقة وأشباه الموصلات، حيث تقل فيه عملية المنافسة ويتم الاعتماد على المعارف التكنولوجية ورؤوس الأموال الضخمة والمواد الخام النادرة التي يتم جلبها والحصول عليها من الدول النامية التي تعجز عن استغلالها تجارياً بغير غرض التصدير. ويطلق على هذه المعادن مسمى «النادرة» لعدة أسباب أهمها: مواصفاتها العلمية والفنية الدقيقة وغير العادية حيث تتكون من 17 عنصراً تتمتع بعناية واهتمام لخصائصها المغناطيسية والكهروكيميائية الفريدة - تضم: الجادولينيوم، اللانثانوم، السيريوم، البروميثيوم، الديسبروسيوم، الإربيوم، الأوروبيوم، الهولميوم، اللوتيتيوم، النيوديميوم، البراسيوديميوم، السماريوم، السكانديوم، التربيوم، الثوليوم، الإيتربيوم والإيتريوم، بالإضافة إلى ضرورة وحيوية استخدامها في إنتاج عقاقير علاج السرطان والإلكترونيات الدقيقة المستخدمة في أجهزة الحاسب والهواتف الذكية وأجهزة ضبط نبضات القلب والتهاب المفاصل وصنع عدسات التلسكوب ومحركات الطائرات، وتستخدم كعوامل مساعدة في أنظمة العادم التلقائي للمساعدة في تقليل الانبعاثات وتقنيات الطاقة المتجددة ومصافي تكرير النفط وصناعة الزجاج وإنتاج الأشعة تحت الحمراء التي تعمل بالليزر وإنتاج أجهزة الاستشعار للأنظمة الصاروخية؛ علاوة على ندرة أو محدودية انتشارها جغرافياً والتكلفة المرتفعة لعمليات استخراجها ومعالجتها. وعلى الرغم من امتلاك الصين لثلث احتياطيات العالم من هذه المعادن، إلا أنها تحتكر بمفردها أكثر من 80% للتجارة العالمية لهذه المعادن إلى جانب تلبيتها نحو 90% من احتياجات الشركات الأمريكية من هذه المواد؛ نظراً لقيام عدة شركات صينية بعمليات التعدين والمعالجة وهو ما تفتقر إليه الولايات المتحدة حالياً. وقد قدر معهد المسح الجيولوجي الأمريكي في تقرير له صدر في بداية 2019، مجموع إنتاج هذه المعادن عالمياً بنحو 170 ألف طن في عام 2018؛ أنتجت منها الصين حوالي 120 ألف طن، في حين أن الولايات المتحدة أنتجت 20 ألف طن، بينما أنتجت أستراليا 15 ألف طن.وساهمت عدة دول أخرى في إنتاج باقي الكميات على النحو التالي: ميانمار (5000 طن)- روسيا (2600 طن)- الهند (1800 طن)- البرازيل (1000 طن)- بوروندي (1000 طن)- تايلاند (1000 طن)- فيتنام (400 طن)- ماليزيا (200 طن).وبلغ حجم الاحتياطي من هذه المعادن وفقاً لذات التقرير سالف الذكر، نحو 120 مليون طن تستحوذ الصين على 44 مليون طن كاحتياطي من هذه المعادن؛ بينما بلغ احتياطي البرازيل (22 مليون طن) وفيتنام (22 مليون طن) وروسيا (12 مليون طن)- الهند (6.9 مليون طن)- أستراليا (3.4 مليون طن)- الولايات المتحدة (1.4 مليون طن)، دول أخرى (8.3 مليون طن).لذا لم يكن من المستغرب قيام الولايات المتحدة في حربها التجارية مع الصين والتي بدأت في عام 2018؛ باستثناء واردات المعادن النادرة الصينية لها من الزيادات للرسوم الجمركية التي فرضتها على بعض المعادن الصينية الأخرى المهمة؛ بينما قررت الحكومة الصينية زيادة الرسوم الجمركية المفروضة على واردات المعادن النادرة الخام القادمة للسوق الصيني من الولايات المتحدة من 10 % إلى 25 % مما يقلص من الجدوى الاقتصادية لمعالجة الشركات الأمريكية لتلك المعادن في الصين.* ثانياً: بدائل الولايات المتحدة في حرب المعادن النادرة الصينية،استشعرت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطورة الخطوة الصينية في زيادة رسوم الواردات الخارجية من المعادن النادرة عقب قيام الرئيس الصيني شي بينج في نهاية مايو (أيار) الماضي بزيارة أحد المصانع الصينية الخمسة عشر المتخصصة في معالجة المعادن النادرة؛ وقررت وزارة الخارجية الأمريكية تشكيل تحالف منتجي المعادن النادرة، بحيث يضم أبرز الدول المنتجة لهذه المعادن في إطار مبادرتها «حوكمة موارد الطاقة»، واعتبارها «أن سيطرة دولة واحدة على أكثر من 80 % من سلسلة الإمدادات العالمية للمعادن النادرة يزيد مخاطر تعطل الإمدادات»؛ ووفقاً لهذه المبادرة أو الخطة تشارك الولايات المتحدة بخبرتها في مجال التعدين مع دول أخرى لمساعدتها على استكشاف واستغلال احتياطياتها، وتقديم المشورة بشأن الإدارة وأطر الحوكمة، لتصبح صناعاتها جاذبة للمستثمرين الأجانب.أما الخيار الآخر الذي لجأت إليه الإدارة الأمريكية فهو زيادة الطاقة الإنتاجية للمنجم الوحيد لديها في كاليفورنيا لاستخراج مستخلصات التربة النادرة من 40 ألف طن إلى نحو 60 ألف طن وتصديرها للصين وأستراليا لمعالجتها، بالإضافة إلى توقيع شركة «بلو لاين» الأمريكية لتصنيع المواد الكيميائية ومقرها تكساس اتفاقية مع شركة «ليناس» الأسترالية في نهاية مايو الماضي لبناء مصنع للمعالجة في الولايات المتحدة. بالإضافة إلى تشجيع ثلاث شركات أجنبية- منها شركتان صينيتان- مقرها الولايات المتحدة على إقامة مصانع معالجة معادن نادرة تحت الإنشاء أو قيد التخطيط؛ وتواجه الإدارة الأمريكية في تنفيذها لهذا البديل عدة معوقات أبرزها تأخر دخول هذه المصانع في عمليات الإنتاج الاقتصادي قبل عام 2022 على أفضل تقدير.مما سبق؛ نخلص إلى أن خزانة الأسلحة الصينية التي يمكن للحكومة استخدامها في حربها التجارية مع الولايات المتحدة مازالت متعددة ومتنوعة وعالية المكاسب في الأجلين القصير والمتوسط على الأقل. * باحث وأكاديمي مصري
مشاركة :