كشفت وثائق مُسربة لوزارة الخارجية التركية النقاب عن تسخير نظام الرئيس رجب طيب أردوغان لسفارات وقنصليات البلاد في الخارج، من أجل تنفيذ حملةٍ واسعة النطاق للتجسس على معارضيه المقيمين في المنفى. وأشارت الوثائق إلى أن النظام التركي يستغل البعثات الدبلوماسية التابعة له في شتى أنحاء العالم، وعلى نحوٍ منهجيٍ، لجمع المعلومات عن معارضي حكم أردوغان الاستبدادي، ممن اضطروا للهرب من وطنهم والإقامة في الخارج خلال السنوات القليلة الماضية. وعبر هذه الممارسات الخارجة عن الأعراف والتقاليد الدولية التي تحكم عمل السفارات والقنصليات في الدول الأجنبية، تحولت المقار الدبلوماسية التركية إلى «مراكز للتجسس» ليس على المعارضين وحدهم، وإنما على الجمعيات والمنظمات والروابط التي ينتمون إليها أيضاً. وفي تقريرٍ معلوماتيٍ حافلٍ نشره موقع «نورديك مونيتور» الإلكتروني، كشف الموقع عن أن النظام التركي يستخدم المعلومات التي يحصل عليها عبر هذه الأساليب، في اختلاق اتهاماتٍ جنائيةٍ يوجهها لمعارضيه غيابياً أمام المحاكم في الداخل، في إطار قضايا يزعم من خلالها تورط هؤلاء الأشخاص في أنشطةٍ إرهابيةٍ، وذلك من أجل «الإبقاء على جذوة حملة الترويع والتخويف وإسكات المنتقدين» التي يشنها ضد خصومه السياسيين السلميين حالياً. واستشهد الموقع في تقريره بمراسلاتٍ رسميةٍ جرت بين وزارة الشؤون الخارجية التركية ومكتب المدعي العام في أنقرة، تثبت ضلوع الدبلوماسيين الأتراك في أنشطة التجسس على المعارضين، ووضع قوائم بأسمائهم، والادعاء بأنهم أعضاء في منظماتٍ إرهابية. ونشر الموقع صوراً طبق الأصل من بعض الوثائق التي تؤكد استغلال نظام أردوغان المشين للبعثات الدبلوماسية التركية في عمليات التجسس هذه، وقال: إن من بين الوثائق التي اطلع عليها قرصيْن مضغوطيْن، يحتوي أحدهما على معلوماتٍ بشأن أبرز معارضي نظام أردوغان في ما وصفته أنقرة بـ«الدول ذات الأولوية القصوى»، بينما يتضمن الآخر تفاصيل حول هيكل الحركة التي يقودها الداعية التركي فتح الله جولن المقيم في منفاه بالولايات المتحدة، لمعارضة نظام الحكم الحالي في بلاده. وقال «نورديك مونيتور»: إن السفارات والقنصليات التابعة للنظام التركي جمعت بالفعل معلوماتٍ استخباراتيةً حول أشخاصٍ في 20 دولة، يُعتقد أنها تشهد النشاط الأكبر لأنصار جولن، واصفاً أنشطة التجسس التي تتورط فيها هذه البعثات الدبلوماسية وغيرها من المؤسسات الحكومية التركية - ومن بينها رئاسة الشؤون الدينية المعروفة باسم «ديانت» - بأنها «غير مسبوقةٍ في نطاقها ومداها على ما يبدو». وأشار الموقع إلى أن القوائم التي يعدها الدبلوماسيون الأتراك للأشخاص الذين يُتهمون بمناوئة النظام في الخارج، تُوزع على جهاتٍ مختلفةٍ في الدولة، من بينها وزارة العدل ووكالة الاستخبارات الوطنية، بجانب الإدارات والأجهزة الأخرى ذات الصلة في مديرية الأمن العام. وقال: إن أجهزة الأمن التركية تتخذ على أساس هذه القوائم والمعلومات الواردة فيها «إجراءاتٍ قانونيةً ضد الأسماء المُدرجة على تلك القوائم، وكذلك تدابير عقابيةً ضد أقاربهم في داخل تركيا، وتصادر الأصول الخاصة بهم أيضاً». واعتبر التقرير أن الوثائق المُسربة، تؤكد صحة الاتهامات التي وُجِهَت على مدار العامين الماضيين، للروابط والجمعيات التي تضم الأتراك في خارج بلادهم، والتي تؤكد أنها تعمل كـ «ذراعٍ طويلةٍ لنظام أردوغان في أوروبا»، ما قاد إلى وضع بعض هذه الكيانات تحت المراقبة، من جانب وكالات الاستخبارات المحلية في عددٍ من دول القارة. وأبرز التقرير الاستقصائي ما حدث من قبل عندما أماطت وسائل الإعلام الهولندية اللثام، عن رسالة بريدٍ إلكترونيٍ رسميةٍ وجهتها القنصلية التركية العامة في مدينة روتردام، للأتراك المقيمين في هولندا، وطالبتهم فيها بالإبلاغ عن معارضي أردوغان ونظامه من بين الموجودين في هذا البلد الأوروبي. وذَكَّرَ الموقع بأنه سبق أن نشر تقريراً يكشف عن ضلوع دبلوماسيين أتراك في التجسس على منتقدي النظام الحاكم في أنقرة في 92 دولة أجنبية، مُشيراً إلى أن ما اطلع عليه من وثائق جديدة، يؤكد أن هذه الأنشطة غير المشروعة «لا تزال مستمرة بل وأنها اتسعت في واقع الأمر من جانب وزارة الخارجية التركية». وكشف عن أن الوثائق السرية الجديدة الصادرة من هذه الوزارة - والتي تتألف من ثماني صفحات - تحدد «حجم عمليات التجسس تلك، وتكشف عن أن (المعلومات الخاصة) بكل الأتراك المقيمين في الخارج ربما تُدرج (دورياً) في ملفاتٍ تُحفظ بداخل مقار السفارات والقنصليات التركية». وقال الموقع في تقريره: إن بعض هذه الوثائق التي وصفها بـ«الفاضحة»، وُقِعَت من جانب «كان إيسنر» الذي كان وقت توقيع الوثيقة، مديراً لقسم الاستخبارات بوزارة الخارجية التركية، وذلك نيابةً عن الوزير مولود جاويش أوغلو. وأشار إلى أن إيسنر - الذي احتفظت إدارته بقوائم تضم أسماء مئات الآلاف من الأتراك الأبرياء - يشغل الآن للمفارقة منصب مندوب تركيا لدى مجلس أوروبا في ستراسبورج، وهو المجلس الذي يمثل أكبر هيئة أوروبية تناصر مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان وحكم القانون. وألمح «نورديك مونيتور» إلى أن المعلومات التي حصلت عليها أجهزة الأمن التركية عبر عمليات التجسس «الدبلوماسية» هذه - والتي تمثل انتهاكاً صارخاً لما يتوجب على الدبلوماسيين احترامه في خارج بلادهم بموجب الاتفاقيات الدولية - أسهمت في اتخاذ قراراتٍ بإلغاء جوازات سفر الكثير من المواطنين الأتراك. وأشار إلى أن ضحايا تلك الأنشطة يتعرضون كذلك لـ«عقوباتٍ عشوائيةٍ بداخل تركيا، وغالباً ما يُستهدفون بحملات ترويع وترهيب، ويُحرمون أيضاً من الخدمات القنصلية في خارج بلادهم».
مشاركة :