تبدأ اليوم أعمال قمة «مجموعة العشرين» في أوساكا بمشاركة قادة وممثلي 37 دولة ومنظمة دولية وإقليمية وسط إجراءات أمنية مشددة وعلى وقع انقسامات زاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب من حدتها بانتقاداته لأكثر من طرف مشارك بما فيها الدولة المضيفة، مقابل مساع من رئيس الوزراء الياباني شينزو لتهدئة بين ضيوفه في أكبر وأرفع حدث سياسي تستضيفه بلاده منذ الحرب العالمية الثانية.وإلى جانب البرنامج الرسمي للقمة وإصدار بيان مشترك للدول التي تملك 85 من الناتج العالمي، ستكون صياغته «على قدر خاص من الصعوبة هذه السنة» خصوصاً ما يتعلق بالاتفاق على نص يتعلق بـ«إصلاح منظمة التجارة العالمية»، بين دعم طوكيو لـ«تسريع عملية الإصلاح» ورفض واشنطن ذلك ضمن سياق رفض التعددية الدولية وآخر يتعلق بالمناخ وسط تجاذب فرنسي - أميركي، هناك ترقب لنتائج اللقاءات الثنائية وفي طليعتها الاجتماعات التي سيعقدها ترمب لما سيكون لها أثر على «أجواء القمة الصعبة»، بحسب دبلوماسي غربي. ويتوقع أن تبحث في اللقاءات الثنائية بين القادة ملفات إيران وكوريا الشمالية ونزع السلاح النووي والتجارة العالمية وآثار «بريكست».ويبقى لقاء ترمب - شي السبت بين أبرز التحديات الأمر الذي أسهم في تعزيز دعوة آبي إلى عقد اجتماع منفرد مع شي ومأدبة عشاء مساء أمس عشية انطلاق أعمال القمة على أمل الوصول إلى «هدنة» في «الحرب التجارية» الأميركية - الصينية.وطبقا لأسلوبه المعهود، شدد ترمب الضغط على الصين قبل القمة معلنا في مقابلة أجرتها معه شبكة «فوكس بيزنس نيوز» أن «اقتصاد الصين ينهار، يريدون التوصل إلى اتفاق»، ما زاد من توتر الأجواء التي كانت بالأصل معقدة بسبب الحرب التجارية وحساسية بكين من تبني واشنطن الاحتجاجات في هونغ كونغ.وقال مسؤول ياباني ردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» أمس إن في «أميركا الاقتصاد الأول وفي الصين الاقتصاد الثاني، المفاوضات بينهما مهمة للاقتصاد العالمي، ونأمل أن تصل المفاوضات إلى نتائج طيبة». وأضاف أن اليابان «لا تقوم بدور الوساطة بينهما. اليابان هي ثالث اقتصاد لديها مصالح بما يحصل بين الرقم الأول والثاني. بما أن ما يحصل بينهما سيؤثر علينا، نتابع ونأمل حل الخلافات بأسلوب بناء».وكان آبي قال قبل مغادرته طوكيو إلى أوساكا أمس لترؤس أعمال القمة إن هناك دولا في «المجتمع الدولي تتحدث عن الصدام. اليابان تبحث عن التلاقي ونقاط التقاطع. أريد التأكيد علـى حرية التجارة والنمو الاقتصادي عبر الاختراع والمساهمة في قضايا. وسألتقي شي وترمب للتأكيد على أهمية نجاح قمة العشرين»، لافتا إلى أنه سيلتقي بعد ختام أعمال القمة الرئيس فلاديمير بوتين للبحث عن سبل «المضي قدما نحو اتفاق السلام» بين طوكيو وموسكو.- آبي - شيبعد اللقاء المطول بين آبي وشي مساء أمس، خصص الناطق الياباني باسم «قمة العشرين» وقتا مطولاً لشرح نتائج القمة اليابانية - الصينية عشية اجتماع أوساكا، مذكرا باللقاءات العشرة بين الزعيمين و«التوقعات العالية» من زيارة شي إلى طوكيو الربيع المقبل. وقال: «في ضوء على الوضوح في العلاقات الدولية والوضع الدولي مثل العلاقات الأميركية - الصينية والوضع في كوريا الشمالية، كان اللقاء ذا مغزى لأن الطرفين عقدا اجتماعا صريحا عشية قمة العشرين. وكان الجو صريحا، وتبادل وجهات النظر كان مفيدا بالنسبة للتعاون والتبادل في ساحات واسعة».ونقل المسؤول الياباني، في لقاء مع عدد محدود من الصحف بينها «الشرق الأوسط»، عن آبي: «زيارتي الرسمية في أكتوبر (تشرين الأول) سجلت عودة العلاقات إلى المسار الطبيعي. وأكدنا على ثلاثة مبادئ: من المنافسة إلى التعاون على أساس المعايير الدولية، ألا نكون تهديدا لبعضنا بعضا، دعم التجارة الحرة والعادلة». وتابع: «في مايو (أيار)، شهدنا تسلم الإمبراطور ودخلنا إلى عهد جديد، وفي أكتوبر ستحتفل الصين بالذكرى 70 لبناء الصين. أريد بناء مرحلة جديدة يدا بيد مع شي».من جهته، قال شي، بحسب محضر الاجتماع: «العالم يراقب قمة العشرين في وضع دولي معقد. والقمة لها معنى مهم جدا. أريد أن نقيم تواصلاً عميقا للوصول إلى فهم مشترك. وأريد جلب الاستقرار في الاقتصاد العالمي بناء على التعددية». وأوضح المسؤول: «اتفق الزعيمان على تقوية الحوار على مستوى عال للوصول إلى تواصل قريب ومستمر بين الجيران. واتفقا على تطوير نظام اقتصاد عادل وحر، وآبي طلب من شي أخذ إجراءات ملموسة لبناء بيئة اقتصادية عادلة وحرة وفتح السوق الصينية بما في ذلك إجراءات لتقوية لحماية الملكية الفكرية». كما حض على الحاجة للتقدم لإصلاح «منظمة التجارة العالمية»بالنسبة إلى العلاقة الأميركية - الصينية، شرح شي وضع العلاقات فيما قال: «أشار آبي إلى أهمية حل القضايا عبر الحوار بما في ذلك لقاء القمة بين ترمب وشي». وتجنب المسؤول ذكر توقعاته من لقاء ترمب - شي. لكن مصدر دبلوماسية قال لـ«الشرق الأوسط» إن آبي «شجع وسيشجع الرئيسين على الحوار والوصول إلى تفاهمات».- لقاءات ثنائيةوعقد رئيس الوزراء الياباني سلسلة لقاءات ثنائية كان بينها مع رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك. وبحسب مسؤول ياباني لـ«الشرق الأوسط» فإن الزعيمين اتفقا على «التعاون لإرسال رسالة مشتركة حول أهمية القضايا العالمية مثل التجارة والاقتصاد الرقمي» وحل خلافات تجارية ثنائية، إضافة إلى التأكيد على اتفاق الشراكة بين اليابان والاتحاد الأوروبي. ونقل مصدر ياباني عن توسك قوله: إن «قمة العشرين الحالية ستكون صعبة».وكان آبي بحث أمورا مماثلة مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي تناولت العلاقات الثنائية وعقد اجتماعات بين وزير الدفاع والخارجية في البلدين لبحث التعاون الثنائي، والعمل لإنجاح «قمة العشرين»، الأمر الذي بحثه آبي أيضا مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إضافة إلى دور قوات الدفاع اليابانية وتعزيز التجارة والاستثمار والسياحة.وضمن اللقاءات الثنائية التي عقدها آبي وغيره، تم بحث موضوعي الاتفاق النووي بين إيران والدول الست والمفاوضات الأميركية مع كوريا الشمالية حول البرنامج النووي. وقال مسؤول ياباني أمس إن آبي تبادل مع توسك «الرأي الصريح حول بريكست، كوريا الشمالية، إيران. وآبي طلب تفهما لحل مبكر لقضية المفقودين اليابانيين في كوريا الشمالية. واتفق الطرفان على تنفيذ قرار مجلس الأمن لنزع السلاح النووي». وأضاف أن الطرفين «عبرا عن القلق من ارتفاع التوتر في الشرق الأوسط بما فيها الوضع المتعلق بإيران. ودعم آبي الاتفاق النووي وطلب ضبط النفس من الأطراف المعنية واتفق الطرفان على خفض التوتر».وكان ترمب وجه تحذيرا جديدا لطهران التي تفرض عليها واشنطن عقوبات لاتهامها بمواصلة السعي لحيازة السلاح النووي وبالتدخل في النزاعات في الشرق الأوسط. وتحدث عن احتمال قيام حرب «لا تطول كثيرا» مع إيران، فيما تسعى روسيا والصين والأوروبيون إلى تهدئة الأوضاع.- «معارك» جديدةإضافة إلى الصين وإيران، بدا ترمب مصمما على عدم مراعاة أي من شركائه في «قمة العشرين». وندد في طائرته الرئاسية «إير فورس وان» الخميس بالرسوم الجمركية «غير المقبولة» التي تفرضها الهند، موجها بذلك تحذيرا إلى مودي قبل لقائهما في أوساكا.كما وصف ترمب ألمانيا الأربعاء بأنها «شريك فاشل» واتهمها بأنها «تدفع مليارات ومليارات الدولارات لروسيا لشراء موارد الطاقة، ورغم ذلك علينا تأمين حمايتها»، ذلك قبل لقاء مقرر مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. وهي أصيبت بنوبة ارتجاف مجددا الخميس، ذلك بعد ثمانية أيام من ظهورها لأول مرة وهي ترتجف، أمام عدسات الكاميرا، لكن ذلك لم يمنعها من المشاركة في قمة أوساكا، كما الحال مع تيريزا ماي التي سيكون حضورها آخر مشاركة رسمية في قمة كبرى قبل تركها منصبها على وقع انقسامات بريطانية بسبب «بريكست». وقال ترمب الذي يعمد منهجيا إلى الإثارة في كل اللقاءات الدولية الكبرى: «كل دول العالم تستغل الولايات المتحدة، إنه أمر لا يصدق».والرئيس الوحيد الذي لم يستهدفه ترمب حتى الآن بأي تغريدة غاضبة أو تصريح شديد اللهجة هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي سيلتقيه أيضا في أوساكا، علما بأن البلدين يتواجهان في الأزمة مع إيران.وأصدر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تحذيرا قبل انطلاق أعمال القمة، فأعلن خلال زيارة رسمية لليابان بأنه «إذا لم نستطع، من أجل التوصل إلى اتفاق في قاعة تضم العشرين، الدفاع عن الطموح المناخي، فسيتم ذلك من دون فرنسا، بكل بساطة».وفي هذه الأجواء المشحونة، تجهد اليابان التي تستضيف «قمة العشرين» لحمل جميع الأطراف على التوقيع على البيان الختامي. لكن ترمب لم ينس طوكيو من تهديداته مقابل تهدئة يابانية. وقال كبير أمناء مجلس الوزراء الياباني يوشيهيد سوجا إن البلدين لم يبحثا تعديل المعاهدة الأمنية الأميركية - اليابانية بعدما جدد ترمب انتقاده لتلك المعاهدة الدفاعية. وقال لـ«فوكس» في واشنطن، الأربعاء، إنه إذا تعرضت الولايات المتحدة لهجوم، فإن اليابان «ليست مضطرة لمساعدتنا على الإطلاق. بإمكانها مشاهدة الهجوم على شاشة تلفزيون سوني»، بحسب «رويترز».وقال سوجا للصحافيين في طوكيو إن الحكومتين «لم تبحثا تعديل المعاهدة الأمنية على الإطلاق. التزامات الولايات المتحدة واليابان متوازنة بين الدولتين».وتم إبرام الاتفاقية بين الولايات المتحدة واليابان عام 1960 وهي تحل محل الاتفاقية الموقعة عام 1951 بعيد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
مشاركة :