بيروت - يخيم التوتر على المنطقة المشمولة باتفاق روسي تركي لخفض التصعيد في شمال غرب سوريا مع استمرار معارك دامية بين قوات النظام السوري وفصائل معارضة بينها جماعات إسلامية متشددة تتزعمها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا)، أسفر عن مقتل العشرات من الجانبين. ويضع التصعيد العسكري المتبادل اتفاق وقف إطلاق النار في المنطقة الذي تشرف تركيا على تطبيقه، على حافة الانهيار. وتخطط موسكو ودمشق منذ فترة لهجوم واسع للسيطرة على آخر معاقل الفصائل الإسلامية المتشددة بالقرب من الحدود مع تركيا التي تتولى الإشراف على تنفيذ اتفاق لوقف إطلاق النار توصلت له مع روسيا في سبتمبر/ايلول 2018. وفشلت أنقرة حتى الآن في إقناع الجماعات المتشددة بالانسحاب والتخلي عن أسلحتها الثقيلة ما يضعها في موقف حرج مع الشريك الروسي الذي سبق وأن أكد أن المسؤولية في هذه المنطقة تقع على عاتق تركيا. ويعتبر شمال غرب سوريا مجالا حيويا بالنسبة لتركيا التي تعمل جاهدة على تحجيم دور الفصائل الكردية السورية ومنع قيام كيان كردي يشكل امتدادا جغرافيا للأكراد في كل من شرقها وفي العراق وإيران. وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يراقب تطورات الوضع في سوريا من خلال شبكة واسعة من المراقبين المحليين ومصادر مختلفة، قتل اليوم الجمعة أكثر من 70 عنصرا من قوات النظام السوري والفصائل المقاتلة خلال اشتباكات مستمرة بين الطرفين، قبل أن يعلن المرصد ارتفاع الحصيلة إلى نحو 100 قتيل. واندلعت فجر الجمعة معارك عنيفة في ريف حماة الشمالي الذي يخضع مع محافظة إدلب ومناطق مجاورة لاتفاق روسي تركي نصّ على إقامة منطقة منزوعة السلاح، لم يتم استكمال تنفيذه. وتشهد المنطقة منذ أبريل/نيسان تصعيدا في القصف والعمليات القتالية. وأحصى المرصد مقتل أربعين من قوات النظام والمسلحين الموالين لها مقابل 31 من الفصائل المقاتلة، 22 منهم من المجموعات الجهادية منذ فجر الجمعة خلال اشتباكات مستمرة بين الطرفين. وبدأت المعارك إثر شنّ قوات النظام السوري هجوما بغطاء جوي وبري على محور تل ملح والجبين في ريف حماة الشمالي الذي يشهد منذ أسابيع معارك كرّ وفرّ بين الطرفين، بحسب المرصد. وأوردت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) أن "وحدات الجيش بدأت فجر اليوم ضربات مكثفة بسلاحي المدفعية والراجمات على مواقع انتشار إرهابيي جبهة النصرة على محور قريتي الجبين وتل ملح". وذكرت أن هذه الضربات جاءت "ردا على اعتداءاتها المتواصلة على قرى وبلدات ريف حماة" وأسفرت عن "تدمير تحصينات الإرهابيين وخطوطهم الدفاعية". وتتعرّض منطقة إدلب ومحيطها التي تؤوي نحو ثلاثة ملايين نسمة منذ نحو شهرين لتصعيد في القصف، يترافق مع معارك عنيفة تتركز في ريف حماة الشمالي. وقتل منذ نهاية أبريل/نيسان 490 مدنيا بالإضافة إلى 821 من الفصائل الجهادية والمقاتلة و682 من قوات النظام والمسلحين الموالين لها. كما تسبّب القصف بفرار نحو 330 ألف شخص من منازلهم، وفق الأمم المتحدة التي أبدت خشيتها من حدوث الأزمة الإنسانية الأسوأ خلال سنوات النزاع الثماني. ويسود التوتر في المنطقة المشمولة باتفاق خفض التصعيد فيما تتّهم دمشق أنقرة الداعمة للفصائل بالتلكؤ في تنفيذ الاتفاق الذي توصلت إليه مع موسكو في مدينة سوتشي. وأعلنت وزارة الدفاع التركية الجمعة مقتل جندي تركي وجرح ثلاثة آخرين بقصف للنظام السوري استهدف الخميس نقطة مراقبة تركية في إدلب. وأورد التلفزيون السوري الرسمي الجمعة أن "أكثر من 18 قذيفة صاروخية مصدرها قوات الاحتلال التركي" في ريف ادلب الجنوبي استهدفت منطقة سهل الغاب في ريف حماة الشمالي الغربي. وذكر أن "الجيش ردّ على مصدر القذائف". وشهدت منطقة إدلب هدوءا نسبيا بعد توقيع الاتفاق في سبتمبر/أيلول، إلا أن قوات النظام صعّدت منذ فبراير/شباط قصفها قبل أن تنضم الطائرات الروسية إليها لاحقا. وتشهد سوريا نزاعا داميا تسبب منذ اندلاعه في العام 2011 بمقتل أكثر من 370 ألف شخص وأحدث دمارا هائلا في البنى التحتية وأدى إلى نزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.
مشاركة :