آفي غاباي رئيس حزب العمل الذي كفر بالنخبة الحاكمة

  • 6/29/2019
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

ينشغل العرب بمشروع جاريد كوشنر مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يعرضه في ورشة المنامة التي عقدت في البحرين الأسبوع الماضي، مؤكدا أن الاقتصاد سيكون البوابة الحقيقية للسلام بين العرب والإسرائيليين، وليس السياسة. ونافيا أن يكون هناك ما يسمى بـ“صفقة قرن” بل هي حسب وصفه “فرصة القرن”. وأن على الجميع اغتنامها. وبينما يدور ذلك كله، تتعالى الأصوات الرافضة للتطبيع مع العدو، بلغة البعض، وللتسرع في منح إسرائيل مكافأة على سلوكها خلال العقود الماضية، بلغة البعض الآخر، وبالمقابل ترتسم ابتسامات الترحيب على وجوه آخرين قد لا يدركون كيفية تطبيق مشروع جاريد ذاته، لكنهم يمضون مع القوي وخلف الثري بلا تردد. يحصل هذا فيما تتغير أمور كثيرة علي مقربة من حائط المبكى في القدس، حيث يفاجئ زعيم حزب الإسرائيلي وزعيم المعارضة المكرس آفي غاباي جمهوره وخصومه في الوقت ذاته، بإعلانه عدم ترشحه لرئاسة الحزب من جديد، واعتزاله الحياة السياسية مادام الوضع على ما هو عليه في إسرائيل. يبدو أن غاباي أصغى جيدا إلى الشروخ العميقة التي أحدثتها سياسة التعنت الأيديولوجي لدى غالبية الأحزاب والتيارات السياسية الإسرائيلية، فوصل إلى ما يشبه اليأس في المرحلة الحالية، ومن يدري فقد يعيد الكرة ويرجع إلى الساحة بحزب جديد، كما فعل سلفه رئيس الوزراء الأسبق وزعيم حزب العمل إيهود باراك الذي يولد اليوم من جديد بهيئة جديدة وأفكار جديدة. يهودي عربي وسط التعقيداتغاباي القادم من عالم المال والأعمال، وجد نفسه متحمسا للعمل السياسي ليس منذ أمد بعيد، بل فقط في العام 2015، بعد أن أسس حركة “كلنا” ولم ينجح بالوصول إلى عضوية الكنيست من خلالها. ومن فرط تعجله في الصعود، تمكن من تزعم حزب العمل خلال عامين فقط، ليصبح رئيسا له خلفا لإسحق هيرتسوغ. اليهودي المغربي المولود في القدس عام 1967 كان قد عرف الكواليس السياسية الإسرائيلية من خلال خدمته في استخبارات الجيش الإسرائيلي، حيث عمل كملازم، ما مكنه من الاطلاع عن كثب أيضا على خبايا الصراع العربي الإسرائيلي، قبل أن يترك الجيش ويواصل دراسته للاقتصاد في الجامعة العبرية في القدس. لأكثر من عقد ونصف العقد من الزمن قاد غاباي شركة للاتصالات صنع من خلالها ثروة هائلة، بعد أن اكتسب خبرات ثمينة في وزارة المالية. غير أن هناك من انتبه إلى حضوره اللافت في تلك الفترة، وبناء على قاعدة “اجعل أعداءك قريبين منك” قام بتقريبه منه بالفعل، وتكليفه بحقيبة البيئة ليصبح وزيرا في حكومة بنيامين نتنياهو، غير أن غاباي رفض الاستمرار في منصبه بعد أن اختار نتنياهو أفيغدور ليبرمان وزيرا للدفاع في الحكومة ذاتها. ما يعكس الذهنية التي يحملها غاباي والتي ترفض كل أشكال السياسة القديمة القائمة على التحريض الشعبوي وتكرار الأسطوانات القديمة المشحونة بالكراهية التي يمثلها ليبرمان بجدارة في العصر السياسي الإسرائيلي الحالي. حيوية غاباي التي يباهي بها مؤيدوه، تواجهها انتقادات عديدة وجهت إليه تتهمه بانعدام الخبرة، وبأنه رجل اقتصاد لا سياسة، لكن هذا طبعا يبدو نوعا من النقد السطحي في عالم تقوده ولايات متحدة يرأسها رجل أعمال. حيث تمكن قليل الخبرة كما يصفه خصومه من إزعاج نتنياهو حقا خلال زمن قياسي، لكن هذا لم يكن كل شيء. الأمل والتغييركان هذا هو شعار حملة غاباي في معركته الانتخابية للوصول إلى زعامة حزب العمل، أمام عمير بيريتس الذي تمكن من هزيمته بنسبة 53 بالمئة. حينها تعهد غاباي بإعادة الحياة إلى الحزب وقيادته من جديد صوب مرحلة جديدة. المعارك العنيفة التي خاضها غاباي والتي اصطدم فيها بجميع الجدران السميكة والمتجذرة في السياسة الإسرائيلية، دفع ثمنها حزبه دفعا فوريا، فقد عرف تراجعا متواصلا في شعبيته خلال السنوات الماضية، ولم يفز بأكثر من ستة مقاعد فقط في الكنيست من أصل 120 مقعدا خلال الانتخابات التي جرت في أبريل الماضي. ما دفع قيادات الحزب لتوجيه اتهامات إلى غاباي بالمسؤولية عن تلك النتيجة الهزيلة. رغم أن الأخير عاد ورفض عرضا من نتنياهو بالانضمام إلى حكومته ما أدى إلى قرار تبكير الانتخابات إلى سبتمبر القادم.وربما يكون غاباي قد حقق الهدف الذي لم يخفه يوما، بإحداث تغيير في الخارطة الحزبية الإسرائيلية، وذلك بإقصائه حزب العمل من لعب الدور المؤثر المعتاد له، وكذلك بإقصاء خصم لدود آخر لنتنياهو هو وزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني التي أدى انهيار تحالفها مع غاباي والذي دام لثلاثة أعوام متتالية إلى انهيار حزبها “الحركة” وإلى اعتزالها الحياة السياسية هي الأخرى. غاباي قال حينها في لقاء جمعه مع نواب تحالف الاتحاد الصهيوني “مازلت أؤمن بالشراكة وبالروابط، وبتوحيد معسكر كبير ملتزم بالتغيير، لكن الروابط الناجحة تقتضي الصداقة والتمسك بالاتفاقات والالتزام بمسار معين”. وأضاف “لكن هذا ما لم يحصل في هذه الشراكة”. أما ليفني فقد غرّدت على تويتر قائلة “من الجيد أن الشكوك تبددت”. وأضافت “غاباي كان محقا في أمر، لم تكن هناك أبدا شراكة حقيقية بيننا لأنه لم يرغب بذلك يوماً، ما يهم فعلا هو التركيز على الانتخابات والمعركة من أجل الصهيونية، وليس على حل الاتحاد الصهيوني”. فهل كان غاباي يخطط بالفعل لتقويض التحالف الصهيوني وإضعاف دوره بالفعل؟قدم غاباي أفكارا جديدة ومختلفة عن المعهود، سيما في الصراع مع الفلسطينيين ومستقبل العلاقات الإسرائيلية العربية، وهو ينطلق في مشروعه من خلال تحطيم صورة نتنياهو أولا، إذ قال بعد أن وجهت اتهامات بالفساد إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي إن “نتنياهو سيفعل كل ما بوسعه لينجو من المحاكمة بعد أن قدم المستشار القضائي لوائح اتهام ضده”. وكثيرا ما قال غاباي إن الانتخابات ليست فرصة للفوز وحسب، بل هي على حد تعبيره “معركة تتمحور حول مستقبل الدولة مقابل المستقبل الشخصي لنتنياهو”، موضحا أنه يريد “قيادة الدولة في طريق مغاير، وليس في طريق ضم الأراضي وسن قوانين على غرار قانون القومية، ومعنى ذلك الانفصال عن الفلسطينيين وانتهاج سياسة اقتصادية أكثر عدالة”. إحداث ثورة ضد نتنياهو كان هدفا مشتركا لغاباي مع جميع من تحالف معهم، وكثيرا ما قرئت كلماته على أنها تهديدات جادة خاصة حين قال إنه لن يجلس في حكومة يرأسها نتنياهو، أو حين قدم مهمة جديدة تنبئ عن مشروع تغيير حقيقي من خلال تصريحه الذي قال فيه “علينا قيادة البلاد واتخاذ قرارات جوهرية من أجل المصلحة العليا لإسرائيل بدلا من المصالح السياسية الحزبية، وهناك العديد من السياسيين الإسرائيليين يعتقدون أنه من الممكن تغيير النظام وإدارته بطريقة مختلفة”. وخلال لقاء جمعه مع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بن الحسين في أكتوبر الماضي، قال غاباي إنه يدرك أهمية اتفاقية السلام بين إسرائيل والأردن، وشدد على أنه ملتزم بتحقيق السلام بين إسرائيل والدول العربية على أساس حل الدولتين “بصفته السبيل الأمثل لتحقيق السلام والأمن طويل المدى لإسرائيل”. دعونا نتخلى عن الحلمحل الدولتين الذي يتحدث عنه غاباي، يمثل قناعة واسعة لدى قطاع واسع مع الإسرائيليين، لكن التساؤلات التي تدور في أذهانهم اليوم، حول كيفية تطبيق ذلك الحل في ظل الأوضاع القائمة، بينما يستثمر نتنياهو في بقاء الحال على ما هي عليه والتعثر الدائم في الوصول إلى حل مع الفلسطينيين، حل يضمن ضم التكتلات الاستيطانية الكبرى إلى إسرائيل ومبادلتها بأراض أخرى. غاباي قدم رؤيته تلك في مؤتمر عقد في المعهد الإسرائيلي للسياسة الخارجية الإقليمية “ميتفيم” في القدس، حين قال إن إسرائيل يمكن أن تحتفظ بالمستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلتين في إطار اتفاق سلام مع الفلسطينيين. وكان صريحا للغاية حين قال “أنا أؤمن بحل يقوم على أساس دولتين لشعبين، ولا علم لي بحلول أخرى. علينا أن نبدأ مفاوضات، لكن أي اتفاق سلام مع الفلسطينيين يجب أن تشارك فيه دول في المنطقة”. وأمام مؤتمر ايباك السنوي في الولايات المتحدة أعلن غاباي أن إسرائيل “يجب أن تفي بحل الدولتين وتنفصل عن الفلسطينيين وتوقف البناء في المستوطنات، لأنها ليست ذات أهمية أمنية بالنسبة لنا. دعونا نتخلى عن الحلم، علينا أن نفصل أنفسنا عن الفلسطينيين”. شخصية غاباي ومساراته تعكسان اضطراب القرار في إسرائيل، في الوقت الذي يوشك العالم على إعلان فراغ جعبته من تقديم الحلول للصراع العربي الإسرائيلي، ومن يقرأ تصريحات كوشنر في ختام ورشة المنامة بوسعه التقاط رسائل الكيانات الاقتصادية التي باتت متعطشة لفتح الآفاق الاقتصادية على الرغم من الجبهات المستعرة، سيما حين يقول كوشنر إن القيادة الفلسطينية فاشلة في مساعدة شعبها، ولكن “الباب لا يزال مفتوحا، ولو أرادوا فعلا تحسين حياة شعبهم، فإننا وضعنا إطار عمل عظيم يستطيعون الانخراط فيه ومحاولة تحقيقه“، لكن كوشنر لم يكن يوجه انتقاده فقط للفلسطينيين، إذ أن الحكومة الإسرائيلية بدورها قاطعت ورشته الاقتصادية، ما يعني أن الاتهام بالفشل يشملها هي أيضا وتستحقه بجدارة كما أعلن مرارا آفي غاباي.

مشاركة :