مي سمير تكتب: كيف أصبح الألمان ملوك السياحة؟

  • 6/29/2019
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

برلين المدينة السياحية الأولى عالمياً و40 مليون أجنبى يزورون المدن الألمانية سنوياًإجراءات المغادرة والوصول تستغرق دقائق.. والمواطن الألمانى يقدم المساعدة للغريبلا يظن كثيرون أن ألمانيا مكان للمتعة والرحلات السياحية، إذ إن صورتها المعروفة أنها قائدة الاتحاد الأوروبى، والدولة التى حاولت غزو العالم كله خلال الحرب العالمية الثانية التى تلقت فيها هزيمة ساحقة، كما ترتبط ألمانيا بالتقدم الصناعى والاقتصادى، والتفوق فى عالم كرة القدم. ولكن على نحو يثير الدهشة، استطاعت المدن الألمانية مثل برلين وميونيج بالإضافة لمقاطعات الجنوب فى جذب أنظار السائحين من مختلف أنحاء العالم، ليصل عدد الوافدين إلى هذا البلد الأوروبى ما يقرب من 40 مليون سائح سنوياً واختارت مجلة «تايم» العاصمة، برلين، المدينة السياحية رقم واحد فى العالم.كل شىء يسير فى ألمانيا بنظام دقيق يدركه الزائر منذ اللحظة الأولى لوصوله، ورغم أن مطار ميونيخ ضخم ومزدحم إلا أن السائح لا يبقى فيه سوى دقائق معدودة خلال إنهاء إجراءات وصوله، حيث تترك الجمارك للزائر حرية تحديد ما إذا كان لديه شيء يستحق سداد رسوم جمركية أم لا، وبعدها يجد أمامه بوابة خضراء تعنى أن السائح لا يملك شيئا يسدد عنه رسوما، وبوابة أخرى حمراء يدخلها الزائر طواعية كى تدفع الرسوم الجمركية.هناك بالطبع تفتيش عشوائى فى المطار فى حالة الشك أن المسافر غادر الجمرك من البوابة الخضراء وهو يحمل أشياء تستحق أداء الرسوم الجمركية وفى هذه الحالة يدفع المسافر غرامة ضخمة.وكما تمر تجربة المطار فى سهولة ويسر، تتميز زيارة ألمانيا بنفس القدر من السلاسة والراحة.1- حماية التراثهناك اهتمام كبير فى ألمانيا بحماية التراث والتاريخ، يظهر فى الاهتمام بالحفاظ على المبانى التاريخية وحمايتها، فى هذا الإطار نظمت جامعة بايروت فى مقاطعة نرومبرج، مؤتمراً عن إدارة التراث تضمن أوراقا بحثية استعرضت جهودا مختلفة سواء فى أوروبا أو ألمانيا نفسها من أجل الحفاظ على المبانى التاريخية وإدارتها لتحقق أرباحاً اقتصادية تساعد من ناحية فى الحفاظ على الإرث التاريخى، الذى يعد جزءا من الهوية الوطنية، وتساهم فى نفس الوقت فى تنمية المجتمعات المحلية.مدينة بايروت نفسها التى استضافت المؤتمر هى أفضل مثال على كيفية استغلال التراث من أجل تنمية المجتمع المحلى، إذ إنها مدينة متوسطة الحجم فى شمال ولاية بافاريا، تقع على نهر ريد ماين، وتعود جذورها إلى عام 1194 وتشتهر فى العالم بمهرجان بايروت السنوى، حيث يتم تقديم عروض الأوبرا للمؤلف الموسيقى الألمانى ريتشارد فاجنر.ورغم أن المدينة شهدت تطورات عديدة جعلتها قطعة نموذجية من العالم الحديث إلا أنها حافظت فى نفس الوقت على تراثها المعمارى القديم وتحولت أغلب مبانيها الآثرية إما إلى مزارات سياحية أو مبان حكومية، أما البيوت القديمة فتحول أغلبها إلى فنادق تراثية «بوتيك أوتيل» والتى أصبحت صيحة فى عالم السياحة ويفضلها السائحون من مختلف أنحاء العالم رغم أن أسعارها تنافس أسعار سلاسل الفنادق الكبيرة.يقدم البوتيك أوتيل تجربة فريدة من الخدمة الفندقية، إذ إن السائح يشعر أنه لا يقيم فقط فى فندق ولكنه ينتقل عبر التاريخ ويعيش تجربة استثنائية يختبر فيها شكل الحياة كما كانت فى الماضى، ويعيش الثقافة المحلية بكل تفاصيلها.من الدراسات المعروضة فى مؤتمر جامعة بايروت لإدارة التراث ورقة بحثية لاثنتين من الباحثات المصريات، هما منى سبيع، ومروة سلامة، وتناولت الورقة البحثية معرض ومركز التوثيق «طبوغرافيا الإرهاب» وكيف يمكن استخدام التاريخ المظلم للشعوب لإثراء الهوية الثقافية.ويعد معرض «طبوغرافيا الإرهاب» واحدا من أشهر المعالم السياحية فى ألمانيا حيث يجتذب ما يقرب من مليون سائح سنوياً، ويقع المعرض على الموقع التاريخى للأجهزة الأمنية الرئيسية للنظام النازى بين عامى 1933 و1945 بما فى ذلك الجستابو وقيادة قوات الأمن الخاصة والسرية، وهو المكان الذى تم فيه تنظيم وإدارة عمليات الإرهاب والاضطهاد التى قام بها النظام النازى.وتناولت الورقة البحثية كيف تم تحويل مقر الجستابو إلى مركز لتوثيق جرائم الإرهاب لكى تتعلم الأجيال الجديدة كيف نجحت الدولة فى مكافحة الإرهاب والقضاء عليه وكيف طورت من نفسها بعد ذلك.مع صعود النازيين إلى السلطة وذكريات قيادة هتلر خلال الحرب العالمية الثانية، وتقسيم المدينة إلى قسمين بفعل جدار خلال حقبة الحرب الباردة، تحتفظ ألمانيا الحديثة بإرث من القصص المؤلمة التى يمكن سردها.من الصعب زيارة ألمانيا دون مصادفة متحف أو نصب تذكارى واحد على الأقل لفظائع الماضى القريب، يمكن أن تكون زيارة معرض «طبوغرافيا الإرهاب» تجربة مرعبة حقاً، حيث يجب على المرء مواجهة الشر الذى استولى على ألمانيا أثناء حقبة من إرهاب النازية عندما وقعت عمليات لا حصر لها من الانتهاكات ضد الكرامة الإنسانية.ومع ذلك، يمكن أن تكون الزيارة فرصة للتنفيس، ودافعاً لاستعادة ذكريات أهوال الماضى والتعهد بعدم تكرارها، إلى جانب إحياء ذكرى الذين واجهوا الظلم وتصدوا له.التجارب الألمانية فى الحفاظ على تاريخها متعددة ومختلفة، وعلى سبيل المثال، فى مقاطعة ماينليوس الواقعة قرب مدينة بايروت يمكن زيارة واحد من أقدم مصانع الغزل والنسيج فى أوروبا، والذى تم إغلاقه بعد خسائر مالية، ولكن تم تحويل المصنع إلى مزار سياحى حيث يضم مخبأ يعود للحرب العالمية الثانية، وخلال زيارته يكتشف السائح أن المدينة المحيطة به هى فى الأساس المدينة التى بناها مؤسس المصنع للعمال والتى تحولت فيما بعد إلى مدينة ضخمة يشعر سكانها بالامتنان للمصنع ولتاريخه.ولهذا عندما حاولت الحكومة الألمانية بيع المصنع بعد أن تراكمت عليه الديون تحرك سكان القرية مع حفيد مؤسسه لشرائه مع خطة لإعادة استغلاله من جديد بشكل حديث كمبنى تجارى وسياحى.كما يتم ترميم منزل مؤسس المصنع لتحويله إلى فندق ومزار سياحى، وتبرز قصة هذا المصنع دور المجتمع المحلى فى حماية تراثه والحفاظ عليه، كما تعطى صورة رائعة للانتماء، حيث يدرك أحفاد العمال قيمة هذا المصنع فى حياة أجدادهم ودوره فى بناء مجتمعهم ولهذا لم يترددوا فى الحفاظ عليه مع تطويره على نحو يحقق للجميع أرباحا.هذا الحس بالانتماء والفخر بالتاريخ تلاحظه فى كل المدن الألمانية التى تحولت بعضها إلى مزار تاريخى، مثل كوبرج وهى مدينة تاريخية قديمة تضم مؤسسة لحماية المبانى التراثية تقدم لسكان المدينة مساعدات مالية للحفاظ على التراث المعمارى القديم لمنازلهم الأمر الذى جعل المدينة بأكملها وكأنها جزء من كتاب تاريخ قديم.2- برلين العاصمةالانسيابية هى الكلمة التى تميز برلين حيث تمتزج الحداثة بالتاريخ على نحو يجعل الزائر يشعر أنه أمام لوحة تختلط فيها ناطحات السحاب والمبانى التاريخية فى تكامل يريح العين.برلين هى عاصمة ألمانيا ويبلغ عدد سكانها أكثر من 3.6 مليون شخص وهى أيضاً من أكبر مدن البلاد، وتعتبر واحدة من أكثر مدن ألمانيا ديناميكية من الناحية الاقتصادية، حيث تم الاعتراف ببرلين أيضا كواحدة من أكثر مراكز التعليم العالى والأبحاث غزارة فى العالم وتحتل مرتبة متقدمة بانتظام كأحد أفضل الأماكن لنوعية الحياة فى العالم.برلين مدينة خضراء للغاية، إذ تتكون ثلث مساحتها البالغة 892 كيلومترا مربعا من الغابات والحدائق والحدائق والأنهار والبحيرات، وتشتهر فى جميع أنحاء العالم باعتبارها واحدة من المدن الثقافية الرائدة فى أوروبا.كما تشتهر برلين بأنها مدينة شابة ومتنوعة، حيث خلعت تاريخها العنيف باعتبارها عاصمة النازية فى القرن العشرين لكى تحتضن الإبداع والتسامح والتغيير المستمر، ولذا اختار الناس من أكثر من 190 دولة مختلفة برلين كوطن جديد لهم، ما جعل المدينة تموج بأسلوب ونمط حياة عالمى، خصوصاً أن أكثر من 40 ٪ من سكان المدينة تقل أعمارهم عن 35 عاماً.ورغم الأخبار القادمة من ألمانيا عن صعود تيار اليمين المتطرف مع حصول حزب البديل من أجل ألمانيا، اليمينى المتطرف على ما يقرب من 13 % من مقاعد البرلمان فى الانتخابات الأخيرة، إلا أن برلين هى أقرب لعاصمة العالم بأجمعه حيث تسمع فى ميادينها لغات من مختلف أنحاء الكرة الأرضية منها بالتأكيد اللغة العربية، حيث يلتقى زائر برلين بكثير من العرب والمصريين، ولن يشعر بالمفاجأة عندما يسمع بائعا مصريا وهو يجيب بالعبارة المصرية الشهيرة «تحت أمرك يا ست الكل»، أو يقابل شابا سوريا يقف على الكاشير وينبه بأن الفاتورة بدون ضرائب وأنه يمكن استرجاع الأموال فى المطار.كما يمكن للزائر العربى أن يقابل فتاة عراقية على محطة الأتوبيس ترتدى حجاباً أنيقاً وتتحدث عن تجربتها الممتعة فى ألمانيا حيث تعمل وتدرس الماجستير فى نفس الوقت.فى برلين بصمة عربية واضحة تعكسها الوجوه الخمرية ومحلات الحلال ومطاعم الكباب والشاورما المنتشرة فى شوارع العاصمة الأمانية.وعند زيارة ألمانيا يمكن للسائح أن يتذوق البطاطس المحمرة المصنوعة بطريقة خاصة وتعد وجبة رئيسية للشعب الألمانى، كما سيجد كثيرا من المطاعم الإيطالية التى يديرها إيطاليون وتقدم وجبات إيطالية بنكهة أصيلة، على نحو يجعل السائح يشعر أن الأكل الإيطالى جزء من تجربة الحياة فى برلين، وهذا الانتشار الإيطالى فى برلين يتناقض مع التباعد السياسى بين البلدين فى ظل المناوشات بين المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، والحكومة الائتلافية الإيطالية بقيادة حزب الرابطة اليمينى المتطرف وحركة النجوم الخمس.إلى جانب المزارات السياحية فى برلين، وأشهرها جزيرة المتاحف، أجمل ما يميز ألمانيا بشكل عام وبرلين بشكل خاص هو الشعب الألمانى الذى يتمتع بقدر كبير من الود تجاه كل السائحين.فى ألمانيا يعرف السائح أنه لا يجب عليه التردد فى سؤال أى ألمانى عن أسرع طريق للوصول لوجهته أو طلب المساعدة فى العثور على أفضل تذكرة مترو، إذ إن الجميع سيقدم يد المساعدة، عكس الفرنسيين الذين يبادرون بإجابة واحدة: «لا أعرف» حتى قبل سماعهم السؤال بالكامل، أو الإنجليز الذى يردون ببرود يدفع السائل إلى توجيه اللوم إلى نفسه لمجرد طرح سؤال أو زيارة بريطانيا من الأساس، بينما يستغل الإيطاليون السؤال لحديث طويل قد يمتد لربع ساعة قبل أن يكتشف السائح أن محدثه لا يعرفون الإجابة أصلاً.يحرص الألمان على معاملة السائحين بكل حب واحترام ويتسابقون فى تقدم المساعدة، هذه الأخلاق الألمانية تفسر كيف تحولت برلين إلى واحدة من أهم الوجهات السياحية فى العالم.

مشاركة :