صندوق النقد وقضية إصلاح نفسه «2 من 2»

  • 6/30/2019
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

على الرغم من جميع هذه التطورات، يقر الصندوق بالحاجة إلى إجراء مزيد من التغيير. فقد أكد كل من الإدارة العليا للصندوق وخبرائه ضرورة إحراز مزيد من التقدم في عدد من المبادرات، بما في ذلك زيادة القدرات المالية للصندوق لتلبية الاحتياجات المحتملة. وحسب تقرير مكتب التقييم المستقل لعام 2018 بشأن حوكمة الصندوق، توجد مخاوف متزايدة بشأن المساءلة والتمثيل قد تؤثر، إذا لم يتم التصدي لها، في شرعية الصندوق، وبالتالي في فعاليته في نهاية المطاف. ولكن في عالم أكثر توجها نحو التعددية القطبية وقائما على روابط مالية عميقة ومتغيرة في الوقت نفسه، توجد حاجة ملحة إلى مزيد من العمل على ثلاثة مستويات ــ المستوى المؤسسي، والمستوى الوطني، والمستوى العالمي. على المستوى المؤسسي، تظل موارد الصندوق وخبراته متحيزة بشكل مفرط تجاه الاقتصاديات والسياسات، بدلا من المجتمع وتأثير الأسواق المالية. فلا يزال يوجد قصور في ربط الجوانب المالية غير المصرفية والاجتماعية بالتقدم الاقتصادي، وغالبا ما ينظر إلى هذه الروابط كأمور ثانوية. ولا تستخدم العلوم السلوكية والرؤى ذات الصلة بصنع القرارات بالدرجة الكافية لدعم التحول من مرحلة المرغوب إلى مرحلة الممكن وصولا إلى مرحلة الفاعلية. ولا يمكن إحراز تقدم ملموس في هذه المجالات دون تعميق التنوع الإدراكي في مجالات مثل المساواة بين الجنسين، والمؤهلات الدراسية، والخبرات المهنية، والخلفية الثقافية. ويتطلب هذا التحول أيضا دمج قضايا الحوكمة والمساواة الاجتماعية والعدالة بشكل أكبر في أنشطة الصندوق. ويعني ذلك زيادة المساواة في النهج المتبع مع بلدان العجز وبلدان الفائض على نحو ما ارتأى مؤسسو الصندوق. ويتطلب كذلك اتباع نهج أكثر انفتاحا في التعلم من الأخطاء، سواء كانت أخطاء ثابتة في إعداد التنبؤات، كالتفاؤل المفرط في توقعات النمو في أعقاب الأزمة المالية العالمية، أو التصميم الجزئي للبرامج بما في ذلك عدم إيلاء اهتمام كاف بتكاليف التقشف المفرط ومخاطره، أو السيطرة المفرطة من جانب المساهمين الرئيسين، أو عدم التركيز بدرجة كافية على التأثير السلبي لحالة فرط الديون المزمنة في زخم النمو في بلد ما. ويمكن للبلدان الأعضاء المساعدة في هذا الصدد من خلال الاعتراف بشكل أكبر بدور الصندوق كناصح أمين، إذ ينبغي أن تنظر بشكل أكثر جدية في مخاطر التداعيات المرتدة الناتجة من اتباع نهج ذي منظور ضيق في وضع السياسات. وفي حالة احتياجها إلى الاقتراض، يجب أن تقاوم رغبتها في الانتظار حتى اللحظة الأخيرة قبل اللجوء إلى الصندوق، وأن تكون أكثر ديناميكية ووضوحا في تحمل مسؤولية تصميم وتنفيذ برامج التصحيح والإصلاح المدعومة بموارد الصندوق. وينبغي أن يتعاون أعضاء الصندوق في اتخاذ خطوات أكثر جرأة وحسما نحو تنفيذ نهج يقوم على الجدارة وليس الجنسية في اختيار المديرين العامين ونوابهم، وعمل المزيد ــ سريعا ــ لتعزيز صوت وتمثيل الاقتصادات النامية بما يتناسب مع وضعها، ولا سيما مقارنة بالبلدان الأوروبية، والتحرك بشكل أسرع لزيادة الطاقة الإقراضية للصندوق. وكلما زاد التأخر في إحراز التقدم اللازم في هذه المجالات، زادت احتمالات الأزمات المالية، والانخفاض المزمن في النمو وعدم احتوائه للجميع، واستمرار تراجع مصداقية المؤسسة وأهميتها، وتفتت النظام الدولي. وقد طرأت تغيرات كبيرة على هيكل الاقتصاد العالمي وآلياته خلال الـ75 عاما منذ نشأة مؤسستي بريتون وودز. وقد يشير البعض، ولهم الحق، إلى الحالات التي تحرك فيها الصندوق إما بشكل متباطئ أو بعد وقوع الأزمات بالفعل، ولكنه يعد عموما من بين المؤسسات متعددة الأطراف الأكثر مرونة فيما يتصل بتطوير الممارسات التشغيلية بما يتناسب مع الواقع العملي الجديد. وفي ظل التغيرات الناشئة عن الابتكارات التكنولوجية ومختلف هياكل القوى والهياكل السوقية، يجب أن تتكيف المؤسسة بوتيرة أسرع للاضطلاع بدورها المهم في النظام الدولي ــ وهو دور أساسي لرفاهية أغلبية سكان البلدان الأعضاء. خلال الأسبوع الأول من عملي في الصندوق كاقتصادي شاب متفرغ في صيف عام 1983، هالتني فكرة أن يكون الصندوق قادرا على التعامل مع جميع البلدان الأعضاء على قدم المساواة، مع مراعاة الاعتبارات الخاصة بكل حالة على حدة في الوقت نفسه. وخلال مسيرتي المهنية في الصندوق التي استمرت على مدار 15 عاما، لمست عن قرب التطبيق العملي لهذه الفكرة. ولم يكن من السهل دائما تحقيق التوازن الصحيح، ولا سيما في ظل المعوقات التي تفرضها القضايا السياسية، والأفكار والحقوق المكتسبة المتقادمة. ولكن تحقيق النجاح المرغوب تطلب إيجاد هذا التوازن استنادا إلى حسن تقدير الخبراء والإدارة العليا، والتزامهم، واستجابتهم في الوقت الملائم. وستزداد أهمية تحقيق هذا التوازن بالنسبة للصندوق في ظل تسارع التحولات الاقتصادية العالمية، وتغيير الابتكارات التكنولوجية لطبيعة عملنا بل لكيفية قيامنا به، وتفاعل سياسات الغضب مع كيفية إدارة السياسات الاقتصادية الوطنية، وتعرض الروابط الاقتصادية والمالية عبر البلدان لمزيد من ضغوط التفتت. وسيتطلب ذلك إجراء إصلاحات ذاتية يصعب على معظم المؤسسات القيام بها على الوجه الأكمل. ولكن ذلك أفضل كثيرا من تراجع أهمية المؤسسة أو تأثيرها أو احترامها. وربما يكون خبراء الصندوق بما لديهم من حس بالالتزام أقدر من غيرهم على تحقيق ذلك. فهم على أتم استعداد للتعجيل بتنفيذ الإصلاحات الذاتية على نحو منضبط ونافع، وقادرون على المواجهة من موقف قوة وليس من موقف ضعف، مدعومون في ذلك بقيادة تتمتع برؤية سديدة ــ ولكن لن يمكنهم النجاح من دون اتخاذ تدابير تمكينية من جانب البلدان الأعضاء المساهمة في الصندوق

مشاركة :