تشهد القارة الأوروبية حاليا موجة حارة غير مسبوقة، حيث ارتفعت درجات الحرارة ارتفاعا ملحوظا ووصلت إلى معدلات قياسية لم يعتاد عليها الأوروبيون، وهو ما تسبب في اندلاع العديد من الحرائق ووقوع حالات وفيات، فضلا عن زيادة معدلات التلوث وحرق المحاصيل الزراعية. وأرجع خبراء الأرصاد هذه الموجة إلى كتلة هوائية ساخنة قادمة من الصحراء الكبرى شمال أفريقيا.واجتاحت الموجة الحارة معظم أنحاء أوروبا، لا سيما دول أوروبا الغربية، وسجل العديد منها درجات حرارة تجاوزت الأربعين درجة، ففي فرنسا، سجلت الجمعة أعلى درجة حرارة على الإطلاق بلغت 45.9 درجة مئوية لتزيد بواقع درجتين تقريبا على الرقم القياسي السابق الذي بلغ 44,1 درجة في أغسطس 2003، والذي أدى حينذاك إلى وفاة 15 ألف شخص معظمهم من كبار السن. كما شهدت منطقة "جار" الفرنسية عشرات الحرائق امتدت 1500 فدان من الأراضي الزراعية، فضلا عن تدمير عدد كبير من المباني وحرق سيارات، وأغلقت معظم المدارس أبوابها، حيث قررت الحكومة الفرنسية تأجيل امتحانات نهاية الأسبوع لطلبة المدارس الثانوية إلى الأسبوع المقبل لتفادي تأديتها تحت وطأة الحر الشديد.وأعلنت وزيرة الصحة الفرنسية، أنييس بوزين، "إلغاء أو تأجيل الرحلات المدرسية والمناسبات الاحتفالية ما لم تنظم في أماكن باردة دون الحاجة إلى الانتقال والتعرض للحرارة".في هذا السياق، أكد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون من طوكيو "أنه من المتوقع تكرار موجات الحرارة هذه في فترات غير معتادة بالنسبة لفرنسا، نتيجة الاحتباس الحراري"، وأضاف أنه "سيتعين علينا تغيير تنظيم أنفسنا وطريقة عملنا وطريقة بناء منازلنا"، مشددًا على "ضرورة تكيف المجتمع وممارساته" تبعاً لتغير أحوال الطقس.وفي أسبانيا، بلغت الحرارة أكثر من 43 درجة مئوية لعدة أيام متتالية وهو ما تسبب في سقوط حالات وفاة تأثرا بضربات الشمس، واندلاع حرائق في الغابات في إقليم كاتالونيا دمرت 3500 هكتار في شمال شرق البلاد، والتي أعلنت بشأنها الحكومة المحلية في الإقليم أنها " لم تواجه حرائق بمثل هذه الخطورة منذ أكثر من 20 عاما".كما أعلنت 34 مقاطعة إسبانية من أصل 50 حالة التأهب تحسباً لاندلاع حرائق جديدة تحت وطأة هذه الموجة الحارة التي تجتاح البلاد.وفي ألمانيا، أعلنت هيئة الأرصاد الجوية الألمانية أن البلاد تشهد أقسى موجة حر منذ أكثر 70 عاما، حيث وصلت درجة الحرارة إلى 39 درجة مئوية، محطمة بذلك الرقم القياسي المسجل خلال يونيو 1947، وتسبب هذا الارتفاع الملحوظ في درجات الحرارة في التواء قضبان السكك الحديدية بالقرب من مدينة روستوك الألمانية، فضلا عن تدهور حالة الطرق الأسفلتية لدرجة الذوبان، وهو ما دفع بالمسئولين في بعض المدن الألمانية تقييد السرعة القصوى للسيارات في الطرق السريعة لتكون 120 كيلومترا في الساعة.وفي وسط وشمال إيطاليا، أودت الحرارة بحياة ثلاثة أشخاص على الأقل، فضلا عن تزايد الحالات التي تصل إلى قسم الطوارئ بالمستشفيات نتيجة ارتفاع الحرارة.وارتفعت درجات الحرارة في مدن جنيف، وبيرن، وزيورخ السويسرية إلى مستويات ما بين 39 و40 درجة مئوية، وهي مستويات قياسية لم تصل إليها درجات الحرارة في هذه المدن من قبل ، كما سجلت درجات الحرارة أرقاما غير مسبوقة في مدينتي رادزين في بولندا ودوكساني في التشيك بعد أن وصلت 38,2 درجة و38,9 درجة في المدينتين على التوالي.ولم تسلم الدول الإسكندنافية من هذه الموجة الحارة، إذ وصلت درجات الحرارة في بعض المناطق في الدنمارك والسويد إلى 30 درجة مئوية، مع ارتفاع ملحوظ في نسب الرطوبة.وتعاني الحيوانات أيضاً في القارة الأوروبية من هذه الموجة الحارة غير المسبوقة، لذلك تعمل حدائق الحيوان الأوروبية على تأمين سلامة الحيوانات الموجودة فيها، فيما منعت الحكومة الفرنسية "لبضعة أيام" نقل الحيوانات حفاظا على سلامتها.من جانبها، قالت منظمة الصحة العالمية إنه من "المبكر" إرجاع هذه الموجة الحارة غير المعتادة إلى ظاهرة الاحتباس الحراري"، موضحة أن هذه الموجة "تتماشى مع سيناريوهات مناخية تتنبأ وقوع موجات حر أكثر وأقوى"، غير أن فريقا واسعا من المراقبين أكد على أن هذه الموجة الحارة ترتبط بظاهرة التغير المناخي والاحتباس الحراري في العالم، محذرين من أن هذه الظاهرة باتت متكررة.وفي سياق متصل ، أوضحت دراسة حديثة قام بها فريق بحثي من جامعة إكستر البريطانية، أن الموجة الحارة غير المسبوقة التي اجتاحت النصف الشمالي من الكرة الأرضية الصيف الماضي لم تكن لتحدث دون تغير المناخ الناجم عن تأثير التدخلات البشرية.وأكدت الدراسة - التي نشرت في يونيو الجاري - أن موجات الصيف الحارة كالتي وقعت عام 2018، يمكن أن تتكرر كل عام، إذا بلغت الحرارة العالمية درجتين أعلى من مستويات ما قبل الثورة الصناعية، أما إذا اقتصرت على 1,5 درجة مئوية - وهو ما تسعى الجهود الدولية لتحقيقه - فقد تحدث موجات الحرارة هذه كل سنتين أو ثلاث سنوات.تزامنا مع ذلك، أكدت 19 دولة من دول مجموعة العشرين -باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية- في ختام القمة أمس في مدينة أوساكا اليابانية، التزامها بالتطبيق الكامل لاتفاق باريس للمناخ الموقع عام 2015، والذي أعلنت الولايات المتحدة انسحابها منه عام 2017.وبموجب هذا الاتفاق، يتعهد المجتمع الدولي بحصر ارتفاع درجة حرارة الأرض وإبقائها "دون درجتين مئويتين"، قياسا بعصر ما قبل الثورة الصناعية، وبـ "متابعة الجهود لوقف ارتفاع الحرارة عند 1,5 درجة مئوية"، وهو ما يفرض تقليصا شديدا لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري باتخاذ إجراءات للحد من استهلاك الطاقة والاستثمار في الطاقات البديلة وإعادة تشجير الغابات.
مشاركة :