بعد أربع سنوات تقريبا من التوصل إلى الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى الست في العام 2015، يبدو هذا الاتفاق مهددا بشكل خطير، أمام احتمالات انسحاب الدول الأوربية من الاتفاق واللحاق بالولايات المتحدة وأيضا مع تهديد إيران بالتراجع عن الالتزام ببنوده، التي تحظر وتقيد أنشطتها النووية. وتم التوصل إلى ”خطة العمل الشاملة المشتركة” في 14 يوليو 2015 في فيينا بين إيران والدول 5 +1 أي الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن (بريطانيا والصين وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة) بالإضافة إلى ألمانيا. وكان هدف الاتفاق وضع حد لـ12 عاما من أزمة دولية حول البرنامج النووي الإيراني. وبموجب الاتفاق، تعهدت إيران بعدم السعي لحيازة القنبلة النووية أبدا وقبلت بفرض قيود مشددة على برنامجها النووي في مقابل رفع جزئي للعقوبات الدولية التي تخنق اقتصادها. كما وافقت على الخضوع لتفتيش غير مسبوق من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية. لكن الاتفاق تعرّض منذ بدء تطبيق مندرجاته لانتقادات في الولايات المتحدة، ولاسيّما من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي أعلن سحب بلاده من الاتفاق في 8 مايو 2018، تنديدا بالدور التخريبي الذي تنتهجه إيران في المنطقة وإصرارها على نشر الفوضى ورعاية الإرهاب، ووصفه بالاتفاق الكارثي المعيب لأنه غير دائم ولا يشمل برنامج إيران للصواريخ الباليستية، أو دورها في صراعات الشرق الأوسط. وأيضا “لكذب المفاوضين الإيرانيين وتضليلهم المجتمع الدولي” على حد تعبيره. وأمام إصرار النظام الإيراني على تبني سياسة عدوانية تجلت مؤخرا في إسقاط طهران طائرة مسيّرة أميركية في 20 يونيو، في أعقاب وقوع عدد من الهجمات المجهولة المصدر ضدّ ناقلات نفط، فيما حمّلت الولاياتُ المتحدة النظامَ الإيراني مسؤولية ذلك، أعاد ترامب فرض عقوبات جديدة مشددة على إيران، تستهدف مرشدها الأعلى علي خامنئي ووزير الخارجية محمد جواد ظريف وقادة من الحرس الثوري، إضافة إلى عقوبات اقتصادية حرمت إيران من المكاسب الاقتصادية التي كانت تتوقعها ودفعت اقتصادها نحو الانكماش. ومع حالة التوتر غير المسبوق بين واشنطن والولايات المتحدة يتعرض الاتفاق إلى صعوبات على خلفية التصعيد في الخليج ما يزيد من احتمالات سقوطه، خاصة وأن قمة فيينا الأخيرة التي وصفت بقمة “الفرصة الأخيرة” لم تفصح عن بوادر إيجابية لإنقاذ الاتفاق، وعلى العكس من ذلك ألمحت التصريحات الأوروبية وخاصة من الجانب البريطاني، إلى إمكانية عدولها عن دعم الاتفاق حال تخطت إيران بنوده، وانحيازها إلى صف واشنطن.يشكل احتمال تخطي إيران لحدود الاتفاق مصدر قلق للزعماء الأوروبيين رغم محاولتهم إبقاء المواجهة بين واشنطن وطهران تحت السيطرة. وقد حددت إيران عددا من المواعيد النهائية في الأسابيع الماضية ستتوقف بعدها عن الالتزام ببعض البنود الخاصة بها في الاتفاق النووي الإيراني. وانتهت المهلة الأولى الخميس الماضي، وهو الموعد الذي قالت طهران إن كمية اليورانيوم المخصب التي بحوزتها ستتخطى بعده الحد المنصوص عليه في الاتفاق. ومع تصاعد التهديد الإيراني بخرق قواعد صفقة الاتفاق النووي مع الغرب التي أبرمت عام 2015، بزيادة تخصيب اليورانيوم، تترقب مؤشرات أن تلتحق بريطانيا بالولايات المتحدة وتنسحب من الاتفاقية بالكامل. وقال جيمس كارافانو، مدير دراسات السياسة الخارجية في مؤسسة “هيريتيدج فاونديشن”، “هناك شعور بأن بريطانيا أصبحت الآن قادرة على تحقيق ذلك؛ إذ في ظل استمرار العدوان الإيراني، فإن ذلك يدفع البريطانيين إلى دعم الموقف الأميركي”. ولا يتردّد المسؤولون البريطانيون في الإعلان عن الإبقاء على الاتفاق النووي مع إيران، لكنهم يعترفون بأن هذا قد يتغير مع تهديدات إيران بخرق الاتفاق وتهديدها المستمر لدول حليفة في المنطقة. وقال مسؤول بريطاني لصحيفة التايمز “إننا نعمل بجدّ مع شركائنا لإبقاء الصفقة النووية سارية. ولكن إذا توقفت إيران عن الوفاء بالتزاماتها، فسننظر بعد ذلك في الخيارات المتاحة لنا بموجب شروط الصفقة”. إلا أن بعض المراقبين يرون أن الالتزام التام باستراتيجية إدارة ترامب بشأن إيران أمر صعب بالنسبة لبريطانيا، بسبب النهج المشوش والرسائل المختلطة التي يصدرها البيت الأبيض. ويؤكد مسؤولون أوروبيون أن انتهاك إيران لالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي سيصعد المواجهة في وقت يتزايد فيه خطر نشوب حرب بين الولايات المتحدة وإيران بسبب أي خطأ في الحسابات من أي من الجانبين. وقد حذرت القوى العالمية إيران طالبة منها التمسك ببنود الاتفاق النووي عندما اجتمعت الجمعة في فيينا، ومع ذلك تبقى توقعات إنقاذ الاتفاق النووي ضعيفة في الوقت الذي تشعر فيه طهران بوطأة العقوبات الأميركية المفروضة عليها. ورغم محاولة الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) إنقاذه، فإنها تشاطر واشنطن مخاوفها من تطوير الصواريخ الباليستية في إيران ومواصلة أنشطتها العدوانية في المنطقة. وبعد عام بالضبط من الانسحاب الأميركي، أعلنت طهران أنها لم تعد تلتزم باثنين من تعهداتها بموجب اتفاق فيينا. وحددت الجمهورية الإسلامية للأطراف الأخرى في الاتفاق مهلة 60 يوما لمساعدتها على تخفيف آثار العقوبات الأميركية وخصوصا في قطاعي النفط والمصارف، وإلا فسوف تعلق العمل بتعهدين آخرين. تواصل التهديد الإيرانيلم تتخط طهران حتى الآن هذه الحدود، لكن يبدو أنها تقترب من خرق حد اليورانيوم المخصب، إذ أعلن مسؤول إيراني الجمعة أن المخزون الوطني بلغ 297.2 كلغ. وهدّدت إيران بالبدء بتخصيب اليورانيوم بنسبة تفوق حد 3.67 بالمئة المتفق عليها في شكل أقصى بدءا من 7 يوليو. ويبلغ مستوى التخصيب المرتبط بصناعة الأسلحة نسبة 90 بالمئة. كما هدّدت باستئناف بناء المفاعل العامل بالمياه الثقيلة والقادر على إنتاج البلوتونيوم في المستقبل في آراك وسط إيران، وهو المشروع الذي تم تجميده بموجب الاتفاق. ويعتقد سفير فرنسا السابق في إيران فرنسوا نيكولو في تصريحات صحافية أن التهديدات “هي بشكل أساسي نداء استغاثة من إيران لشركائها من أجل تخليصها من الصعوبات المتنامية التي تهدد اقتصادها بسبب العقوبات الأميركية”. من جهته يرى الباحث في الشؤون الإيرانية في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية كليمان تيرم أنّ طهران “تسعى قبل أي شيء للحفاظ على المكسب الرئيسي” وهو اتفاق فيينا نفسه. وتابع “المشكلة الرئيسية في وجه إيران هي تفادي الانهيار الاقتصادي للبلاد دون التسبب في حرب”. غير أن النزاع العسكري يبقى احتمالا حقيقيا نتيجة مفاعيل إستراتيجية واشنطن. وطالما لم تقترب إيران من عتبة طن من اليورانيوم الخفيف التخصيب، ليس هناك مشكلة ملحّة. لكن إذا جمعت على سبيل المثال مخزونا من 200 إلى 300 كلغ من اليورانيوم المخصب بحوالي 20 بالمئة، فقد يشكل ذلك مصدر قلق كبيرا. ولو أن ذلك لا يعني أن إيران قد تمتلك قنبلة في غضون أشهر قليلة. ويشير نيكولو وهو دبلوماسي فرنسي متقاعد أنه سيكون من الممكن الاستمرار في مراقبة تطور البرنامج الإيراني. ويحمل إعادة إطلاق البرنامج النووي الإيراني تداعيات خارجية وداخلية وخيمة على إيران، حيث سيشكل خطرا على الشعب الإيراني خصوصا لأنه سيقود البلاد إلى عزلة تامة وإلى المزيد من الفقر، ما ستنجم عنه عودة الصدام بين الشارع والنظام.
مشاركة :