معرض في باريس يعيد طرح السؤال: من أراد قتل جان بول سارتر؟

  • 7/1/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يصادف هذا الشهر ذكرى ميلاد الكاتب والفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر، صاحب الجدار، والوجود والعدم، والكلمات، الذي أعاد النظر في الوجوديّة، وشغل الكثيرين من مفكري اليسار، كذلك هو واحد من القلائل الذين رفضوا جائزة نوبل للأدب التي منحت له عام 1964، ويعزو سبب رفضه إلى طبيعة الجائزة التي ستجعله مؤسساتيّا، وتهدد أثر نصوصه على الناس. نشاهد في إطار معرض “Manuscrits de l’extrême” الذي تقيمه المكتبة الوطنيّة في باريس، مجموعة من المخطوطات لرسائل ونصوص وخواطر مصنفة ضمن أربع, أقسام “السجن، الشغف، الغضب، الملكيّة”، ويقدمها المعرض كشكل من أشكال الكتابة اللارسميّة، أي تلك التي لا تشكل منتجا أدبيا بل تتحرك حوله، فهذه النصوص ليست “مخطوطات” بالمعنى الأدبيّ، بل هي كتابة تلبي الحاجة إلى القول، ومخاطبة الآخر في ظروف شديدة، ما قبل الموت، الاعتقال، الحب العارم. تبدو الكتابة هنا نداء من نوع ما موجها إلى قارئ قد لا يكون معروفا، هي أشبه بكتابة ما قبل المصيبة، وتأتي قيمتها الأرشيفيّة بأنها تعكس شروط حياة شخصية تاريخيّة ما، هي كتابة لم تتحول نصوصها إلى منتجات ثقافيّة، بل بقيت أسيرة الأدراج والمصنفات والصور، سواء كانت على جدران السجن أو ضمن رسائل شخصية أو غيرها من النصوص التي يمتلك شكلها ومضمونها وظيفة خاصة، تتجاوز تلك الأدبيّة نحو قيم تاريخيّة ووثائقيّة، كما رسائل السجن التي كتبها الماركيز دي ساد، أو تخطيطات جان كوكتو حين كان في المصح العقليّ، أو تلك التي كتبتها ماري أنطوانيت قبل إعدامها. المفكر والفيلسوف الذي رفض جائزة نوبل كان محط عدة محاولات اغتيال وتلقى عدة رسائل تهديد بسبب موقفه السياسيّ من ضمن المخطوطات التي نجدها في قسم “الغضب” رسالة من مجهول موجهة إلى جان بول سارتر عام 1961، ويمكن تلمس جدّية هذه الرسالة إثر محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها عام 1962 من قبل من يُظن أنهم “المنظمة السريّة المسلحة”، إذ زرعوا عبوة متفجرة في شقته في باريس، إلا أن أحدا لم يصب بأذى، والسبب كما يرسل إليه ساخرا صديقه الحائز على جائزة نوبل للسلام ألبريت شويتزر، أن من زرع القنبلة وقع في نفس الخطأ الذي وقع فيه شويتزر حين زار سارتر، إذ وضعها في الشقة التي تقع فوق شقة سارتر، إثر خطأ في عد الطوابق. ويقال إن سبب محاولات الاغتيال هذه يعود إلى نشاط سارتر في الخمسينات، إذ لم يتوقف عن انتقاد سياسات فرنسا في الجزائر، فكل مقالاته كانت موجهة ضد ممارسات القمع والتعذيب والاعتقال والقتل التي كانت تقوم بها فرنسا ضد الشعب الجزائريّ، إلى جانب دعمه لجبهة تحرير الجزائر وتوقيعه على بيان الـ121 الذي يرى في نضال الجزائريّين حركة شرعيّة للتحرر ويدعو إلى رفض استخدام الجيش الفرنسي للتعذيب هناك، واحترام رغبة الذين رفضوا أداء الخدمة العسكرية في الجزائر والتدخل في الصراع هناك. الرسالة التي نشاهدها في المعرض تشير بدقة إلى الأسلوب المعتمد في الاغتيال، وهو عبوة ناسفة، بالإضافة إلى استخدام الألوان والزينة نوعا ما للإشارة إلى “العبوة” التي سيتم زرعها، كذلك نرى في أعلى الرسالة جمجمة مرسومة باليد لتبدو الرسالة كأنها مكتوبة من قبل طفل أو مراهق، إلى جانب الصبغة فائقة الوطنيّة التي تحويها الرسالة كالعلم الفرنسي على الأطراف ورموز تستعيد حكومة فيشي الموالية للنازيين.أما نص الرسالة فهو التالي: قف ! قاتل! نعرفك بما فيه الكفاية! حكم عليك بالموت لأنك عشت ملعونا. أفسدت شبابنا وخنت حزبك لأجل جبهة التحرير الوطنيّة الجزائريّة، لكن ميتتك المشينة قريبة الموعد. (إن الصندوق الصغير المتفجر الموجه لك جاهز) سنجدك أينما كنت، ونرسلك في “إجازة”.بالعودة إلى المعرض، تظهر المخطوطات التي نراها بوصفها شكلا من أشكال المقاومة، الكلمة المكتوبة بمواجهة الشدّة، وكأنها الملجأ الأخير، مهرب يكشف لنا عن شخصية أخرى لمن نعرفهم، إذ نقرأ ضمن قسم “الشغف” نصا من مذكرات ماري كوري، التي كتبت فيها عن حزنها لفقدانها زوجها بيير كوري الذي دهسته سيارة وهو يقطع الطريق، والمثير للاهتمام فيها أنها تحدثه وكأنه حيّ يرزق، لتخبره أنها أخذت مقعده في جامعة السوربون، لتكون أول امرأة تأخذ مقعدا جامعيا في فرنسا. نشاهد أيضا التمارين السورياليّة المختلفة، كتلك التي كان يقوم بها الشاعر مارسيل لوكونت، الذي كتب صفحات عديدة تكرر فيها جملة واحدة، كـ”أنجز مهمتي كل يوم بكل راحة”، تعاد على طول الصفحة كنوع من العقاب في ذات الوقت الكتابة تحت الطلب، ليبدو التمرين أقرب إلى الترويض الذاتي على الكتابة الآلية التي ما تلبث أن تتحرر من سطوة العقل، نحو سطوة الكتابة نفسها. أما بشأن تلك الكتابة النابعة عن الخوف فنقرأ ما خطّته ماري أنطوانيت قبل ساعات من إعدامها حين تم سجنها في “الكونسيرجيري” في العاصمة الفرنسيّة باريس إذ كتبت على الصفحة 220 من كتاب الصلوات الذي كان معها: “إلهي، أشفق عليّ، لم تعد هناك دموع في عينيّ، كي أبكي تضرعا لك، أطفالي المساكين، وداعا، وداعا، ماري أنطوانيت”. كانت ماري أنطوانيت حينها تظن أن كتاب الصلوات سيصادر، لكنها خبأته، وتمكنت عبر طبيبها من إرساله إلى ابنتها، كي تقرأ السطور القصيرة هذه التي تختزل حالة أنطوانيت قبل الموت.

مشاركة :