هل ستبقى إيران «دولة مارقة» بعد اتفاق لوزان؟

  • 4/7/2015
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

منذ أن خرج الدخان الأبيض من فندق بوريفاج مؤذنا بالتوصل الى اتفاق ــ إطار حول برنامج إيران النووي بعد مفاوضات شاقة دامت 18 شهرا، سال الكثير من الحبر تمحيصا وتأييدا وانتقادا. وذهب بعضهم الى حد تشبيهه بـ"اتفاقات ميونيخ"؛ التي أبرمت في 29 سبتمبر (ايلول) عام 1938 بين الزعيم النازي أدولف هتلر والإيطالي بنيتو موسوليني من جهة ورئيس الوزراء البريطاني نفيل تشمبرلين ونظيره الفرنسي أدوار دالاديه. وبموجب هذه الاتفاقات تخلت فرنسا وبريطانيا عن جمهورية تشيكوسلوفاكيا وقبلت بأن يضم هتلر الى "الرايخ الكبير" منطقة السوديت التشيكوسلوفاكية التي كانت تسكنها أقليات ألمانية، بعد أن كانت ألمانيا قد "بلعت" النمسا. وتعد "اتفاقات ميونيخ" ركوعا أمام هتلر وخضوعا للقوة العسكرية العمياء ورمزا للاتفاقات التي تهيئ لكوارث أكبر؛ لأنها لم تشبع نهم هتلر، كما أنها لم تمنع السير الحثيث نحو الحرب العالمية الثانية بما حملت من مآس ودمار. بالطبع، هذا التشبيه فيه الكثير من المبالغة. فلا إيران تشبه ألمانيا ذات الآلة الحربية الساحقة يومها، ولا طموحات إيران يمكن تشبيهها بطموحات ألمانيا النازية، ولا نحن على عتبة حرب عالمية تشارك فيها القوى الكبرى رغم الحروب الصغيرة التي تعرفها منطقة الشرق الأوسط. لكن فائدة التشبيه أنه يفتح الأعين على أمر لا يخفى على علم السياسة؛ ومفاده أن أي اتفاق، أيا تكن الضمانات التي يوفرها، يتضمن في أي حال جانبا من الرهانات التي قد تصيب أو تخطئ. ولو افترضنا وهو المرجح أن الاتفاق ــ الإطار سيتحول بنهاية يونيو (حزيران) المقبل الى اتفاق نهائي تفصيلي مع جداول زمنية محددة وآليات رقابة شديدة الدقة واستعداد من الدول الموقعة مع طهران للالتزام بسياسة الحزم في حال لم تحترم تعهداتها، فما هي الرهانات أو ما هي المخاوف التي يمكن أن تنتاب الدول المعنية وعلى رأسها بلدان الخليج؟ قد يكون مصدر القلق الأول اعتبار إيران أن الاتفاق النووي الذي حصلت عليه بمثابة "توقيع على بياض"؛ بمعنى إطلاق يديها للاستمرار في سياسة ينظر إليها جيرانها على أنها "توسعية". فالاتفاق سيكسر عزلتها السياسية والديبلوماسية وسيوفر لها استعادة اصولها المالية المجمدة في الخارج {حوالي 150 مليار دولار} وسيفتح أمامها باب تصدير النفط والغاز بلا عوائق واجتذاب الاستثمارات الأجنبية وتحديث بناها التحتية وتقوية آلتها العسكرية ... باختصار، فالتخوف الكبير هو أن تضع طهران مواردها "الجديدة" في خدمة مخططاتها القديمة؛ أي لمزيد من التدخل في المحيط العربي من العراق الى سوريا ولبنان واليمن ومحاولة فرض الهيمنة على مياه الخليج والتمدد الى مداخل باب المندب. وباختصار، ربما تفهم إيران أن "جائزة الترضية" المترتبة على الاتفاق منحتها "صكا دوليا" يخولها أن تصول وتجول من غير رادع أو وازع وأن تستعيد دور "شرطي الخليج" أو أكثر من ذلك، لو أخذنا على محمل الجد من يتحدث عن استعادة أمجاد الامبراطورية الفارسية الغابرة. مقابل هذه القراءة "المتشائمة"، ثمة رهان آخر تبنته الدول الخمس الكبرى وألمانيا، وبدا منذ البداية على انه الخيار "الأفضل" للرئيس الأميركي الذي دفع بقوة باتجاهه وها هو يحاول تسويقه لدى الأميركيين في الداخل وأصدقاء واشنطن في الخارج. ويقوم هذا الرهان على اعتبار أن الاتفاق سيدفع طهران الى تغيير نهجها ويشجعها على الخروج من خانة "الدول المارقة" التي وضعتها فيها إدارة الرئيس السابق جورج بوش. وبكلام آخر، فإن "التطبيع" مع طهران لن يكون في اتجاه واحد بل يفترض أن يكون في الاتجاهين؛ بمعنى أنه سيدفعها الى "الاعتدال" الذي ينتظر من بلد "عادي". ولذا، فإن عودة العلاقات السياسية والديبلوماسية مع طهران وإعادة نسج شبكة من المصالح الاقتصادية والمالية معها وإعادة إدخالها في الدورة العالمية، لا بد من أن يكون له تأثيره على أدائها في الخارج و"تعاونها" مع الأسرة الدولية لإطفاء الأزمات والحروب المشتعلة في المنطقة. ويذهب "المتفائلون" أبعد من ذلك بحيث يتوقعون أن يكون للانفتاح تأثيره في الداخل الإيراني لجهة التعاطي مع المجتمع المدني ورفع سقف الحريات، ما سيفضي، مع مرور الوقت، الى تحولات بطيئة في بنية النظام المغلق والمتشدد. فالمنطق يفترض أن الانفتاح على الخارج لا بد أن يرافقه انفتاح على الداخل، وربما يكون هذا الانفتاح {الداخلي} أكثر ما يزعج السلطات الإيرانية. ويرى العديد من المهتمين بالشأن الإيراني ان المرشد الأعلى علي خامنئي لا يريد أن يكون بأي حال "غورباتشوف إيران" الذي أطلق عملية "البيريسترويكا والغلاسنوست"، لكنها أفلتت منه وأطاحت به وبالاتحاد السوفياتي. كثيرون يراقبون منذ زمن طويل انعكاسات الاتفاق المنتظر على الأزمات الإقليمية التي لإيران دور إما في إذكائها أو في إدارتها والتحكم ببعض مفاصلها. والثابت أن المنطقة تقف اليوم على مفترق طرق عنوانه الوجه الجديد للدور الإيراني لما بعد الاتفاق. ولكن من السذاجة اعتبار ان طهران تستطيع أن تتحرك على هواها أو أن الدول الكبرى لم يكن يهمها من إيران سوى وضع حد لبرنامجها النووي الذي لو نجحت طهران بفضله في التحول الى قوة نووية لاستطاعت تغيير وجه المنطقة وتطويعها وفقا لمصالحها. ولا شك أن القمة التي دعا إليها الرئيس الأميركي باراك أوباما خلال هذا الربيع مع قادة الدول الخليجية في كمب ديفيد، ستكون بالغة الأهمية، لأنها ستعطي الفرصة للرئيس الأميركي لتحقيق هدفين اثنين على الأقل: الأول، شرح استراتيجيته وتصوره للدور الإيراني لما بعد الاتفاق ومحاولة كسب التأييد أو على الأقل التفهم لها. والثاني، إظهار أن الصفقة مع إيران ليست على حساب الدول الخليجية وأصدقاء أميركا التقليديين في المنطقة الذين سيبقون أصدقاء لها مع الاتفاق أو من دونه.

مشاركة :