هذا التنوع في الفعاليات، وتعدد الأدوات والوسائل والأهداف، يعني بجلاء أننا أمام ذهنية غاية في استشراف المستقبل، والوعي بمتطلبات الاهتمام المجتمعي، بما يخرجه من عزلته الشخصية أو انكفائه على أنشطة غير مجدية أو بناءة له ولوطنه.. المتابع لنشاط الهيئة العامة للترفيه في المملكة، يجد أننا أمام أسلوب جديد لما يمكن تسميته «ثقافة الحياة»، أو بمعنى آخر: ثقافة التمتع بالحياة بطريقة عصرية وأخلاقية، ولا تتناقض أبداً مع موروثاتنا التاريخية وتقاليدنا الاجتماعية بشكل أو بآخر. المثير للانتباه أن أنشطة الهيئة، التي يقودها وزيرها النشط معالي الأستاذ تركي آل الشيخ، الذي أعرفه من خلال معرفتي بوالده الصديق الأستاذ عبدالمحسن - تمثل نقلة نوعية في الفكر والمضمون، وأيضاً شكل الفرح الذي ترسمه على الوجوه، بما يرد عملياً على كل مدعي الجمود والتشدد، الذين حاولوا ـ ويحاولون ـ إلصاق صورة نمطية مشوهة بمجتمعنا السعودي، مع الأسف انتشرت طويلاً، وكان من الضروري تصحيحها وفق نمط التقاء إنساني وفكري وثقافي وفني، يجمع البشر في إطار تعدد الثقافات واحترامها والتعامل معها وفق خصوصية وتقاليد كل مجتمع، يأخذ ما يصلحه ويتصالح معه، ويستبعد ـ دون ازدراء ـ ما لا يليق به. ولهذا، أعتقد أن ما شاهدناه من فعاليات مثمرة خلال عيد الفطر الماضي، وما لقيته من صدى شعبي في الشارع العادي، عمَّق نجاحها وصداها في النفوس - ما هو إلا جزء من منظومة متكاملة، تجذر مشاعر الفرح لدينا، وتنتشلها من بوتقة كل الصور النمطية التي سادت ظلماً، وربما كان ما قاله المستشار تركي آل الشيخ، في تغريدة له على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، من أنه سيعلن مفاجآت فيما يتعلق بالترفيه في المملكة، خلال أغسطس المقبل؛ حيث أوضح بالنص: «حتى الآن لم تروا إلا جزءًا بسيطًا مما ستقدمه هيئة الترفيه، انتظرونا في أغسطس في مؤتمر يشرح المفاجآت التي ستحدث في موسم الرياض قريبا».. وللعلم فقط، فإن موسم الرياض هذا (تبدأ فعالياته لمدة شهرين من 15 أكتوبر إلى 15 ديسمبر) يندرج تحت مبادرة «مواسم السعودية 2019»، التي انطلقت في فبراير الماضي، وتضم 11 موسماً سياحياً تغطي معظم المناطق، تهدف إلى تحويل المملكة إلى «إحدى أهم الوجهات السياحية في العالم»، وفقاً للاستراتيجية المرسومة ضمن رؤية 2030 التاريخية. المثير للاهتمام أيضاً، أن مبادرة مواسم السعودية 2019 هي الخطوة الأولى من نوعها على المستوى الإقليمي، وتهدف إلى دفع عجلة التقدم للسياحة الداخلية، وتشمل كذلك إضافة إلى جدة والرياض: موسم الطائف، موسم السودة، موسم اليوم الوطني، موسم العلا، موسم حائل، وكلها بعروض فنية ومسرحية وغنائية وثقافية تشعل من الوهج الاجتماعي، وتجذب الآلاف - إن لم يكن الملايين - في بوتقة رفد الاقتصاد الوطني وتفعيل أدواته ومحاوره. هذا التنوع في الفعاليات وتعدد الأدوات والوسائل والأهداف، يعني بجلاء أننا أمام ذهنية غاية في استشراف المستقبل، والوعي بمتطلبات الاهتمام المجتمعي، بما يخرجه من عزلته الشخصية أو انكفائه على أنشطة غير مجدية أو بناءة له ولوطنه، وفي الوقت نفسه، محاولة جادة ورصينة لجذب الجمهور وصهره في بوتقة اقتصاده الوطني بدلاً من تفريغه لوجهات أخرى لسنا أقل منها. وبالتوازي مع ذلك، فإن الملاحظة الأكثر أهمية هي حرص الهيئة على إيجاد حاضن شعبي لها ولأنشطتها، عبر اجتذاب الجمهور من خلال برنامجها «تحديات الترفيه»، الذي يشجع كثيرين على المشاركة في تغطية الأحداث والفعاليات، ونقل إحساس ومشاعر الناس، في منافسة جديدة تبرز المواهب الذاتية وفوزها بما يدعم تطورها.. هذه - في رأيي - خطوة ممتازة للغاية لخلق تنافسية هادفة وتبني مواهب وتشجيعها. لست في حاجة إلى القول، إننا في تحول مثير للدهشة، يؤسس لخطوات فاعلة في مجال استغلال الإمكانات السياحية، وتشجيع استثماراتها اقتصادياً وبشريا، بمثل ما نحن في حالة تغيير إيجابي يعيد الوعي، ويجدد الحرص على ثقافة الحياة باعتبارها أصل الوجود البشري، وقمة الإبداع الإلهي في الخلق بالحفاظ عليها، وليس وأدها أو حبسها في منغلقات مؤسفة!
مشاركة :