تتجه الأزمة السودانية نحو المزيد من التعقيد خاصة بعد سقوط قتلى خلال المسيرات الاحتجاجية التي جرت الأحد، وتبادل الاتهامات بين التحالف المدني والمجلس العسكري بشأن المسؤولية عن أعمال العنف. ولا يراهن الكثير من المتابعين على إمكانية تحقق اختراق سياسي في الأفق، حيث أن التصعيد يبقى سيّد الموقف، ولا يزال كل طرف يعتقد أن بإمكانه فرض تصوراته لحل الأزمة خاصة مع غياب فعلي للضغوط الإقليمية والدولية. وشهدت العاصمة الخرطوم والعديد من المحافظات السودانية الأحد مسيرات احتجاجية دعت إليها قوى الحرية والتغيير للضغط على المجلس العسكري لتسليم السلطة للمدنيين، وسقط خلال هذه المسيرات 10 قتلى وجرح 180 شخصا، بإطلاق نار من عناصر ترتدي الزيّ الأمني. وترفع حصيلة الأحد عدد الضحايا إلى 133 منذ التفريق الدامي لاعتصام قيادة الجيش في 3 يونيو، والذي سقط خلاله حوالي مئة قتيل وفقا للجنة الأطباء (المنضوية ضمن تجمع المهنيين). لكن السلطات أحصت 68 قتيلا منذ ذلك التاريخ. الأطراف المتنازعة على إدارة المرحلة الانتقالية في السودان لا تبدي أي استعداد للنزول من الشجرة التي صعدتها وحمّلت قوى الحرية والتغيير المجلس العسكري المسؤولية عن أعمال العنف، لافتة إلى أنه “تكرار مستمر للمرات العديدة التي يتعرض فيها المتظاهرون السلميون السودانيون للعنف المفرط وإطلاق الرصاص الحي عليهم وللضرب”. وبالمقابل اعتبر المجلس العسكري في بيان أن القوات النظامية “التزمت بضبط النفس” الأحد، محمّلا قوى إعلان الحرية والتغيير مسؤولية “انحراف المسيرات المحدودة عن مساراتها وأهدافها المعلنة ومحاولة توجيه المتظاهرين للتحرّك صوب الميادين وتجاوز القوات النظامية بعبور الجسور للوصول للقصر الجمهوري وساحة القيادة العامة”. ولا يبدي أيّ من الأطراف المتنازعة على إدارة المرحلة الانتقالية بعد سقوط نظام الرئيس عمر البشير، استعداده للنزول من الشجرة التي صعدها، وسط مخاوف من انجرار البلاد نحو حرب أهلية في ظل هواجس من انقسامات خاصة صلب التشكيلات العسكرية. وقال زعيم المعارضة السودانية الصادق المهدي، إن على البلاد تجنّب التوترات بين قوات الدعم السريع المهيمنة على الأمن في العاصمة الخرطوم والجيش بأي ثمن، وإلا فإنها تخاطر بالمزيد من الاضطرابات في أعقاب الإطاحة بالبشير في 11 أبريل الماضي. ودعا المهدي، وهو شخصية بارزة في المشهد السياسي السوداني ورئيس وزراء سابق، القائد العسكري الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي، إلى دمج قوات الدعم السريع التي يقودها في الجيش لتعزيز الوحدة في صفوف القوات المسلحة. وقال المهدي، الذي كان آخر رئيس وزراء منتخب ديمقراطيا في السودان، في مقابلة مع رويترز يجب تسوية أي “توترات بين مجموعاتنا المسلحة سلميا”. وأوضح “إما أن يحسمها الناس قتالا وهو ما سيكون في غاية السوء للسودان وإما يقبلون بعملية مصالحة”. وأضاف المهدي، وهو رئيس أكبر أحزب المعارضة في السودان، “على كل قوانا السياسية أن تركز على ضرورة تحاشي هذه الحرب الأهلية وكل أشكال الصراع التي يُحتمل أن تحدث”.ولا توجد بوادر ملموسة على صراع يلوح في الأفق بين قوات الدعم السريع والمؤسسة العسكرية. ولا توجد أيضا انقسامات ظاهرة بين حميدتي نائب رئيس المجلس العسكري ورئيسه الفريق عبدالفتاح البرهان. غير أن المهدي الذي أطاح به البشير في العام 1989 قال إن السودان لا يتحمل المجازفة خلال فترة الاضطراب. وقال “كل تفكيرنا سيتركز على تفادي هذا التطور الكارثي البادي في الأفق”. وهواجس المهدي من حصول صدام بين الجيش وقوات الدعم السريع لها ما يبرّرها، ذلك أن الأخيرة التي أنشأها البشير لقمع التمرّد في إقليم دارفور، لطالما كانت القوة “المدللة” التي تحظى بامتيازات كبرى مقارنة بالجيش. ويقول ساسة ومحللون إن الجيش لديه قوة نيران أكبر غير أن المواجهة مع قوات الدعم السريع ستتسبب في خسائر كبيرة في صفوف المدنيين. وتحتجز السلطات البشير مع مسؤولين سابقين في سجن كوبر بالخرطوم. ويعد حزب الأمة الذي يتزعمه المهدي من الكيانات المعارضة التي طالبت بالانتقال إلى الحكم المدني في المحادثات التي توقفت مع المجلس العسكري الشهر الماضي، لكنه يرفض منطق الإقصاء الذي تتبناه المجموعة المسيطرة على قوى الحرية والتغيير. وكان حميدتي قد أشار إلى أن لديه طموحات سياسية وتكررت خطبه العلنية ووعد بمستقبل مشرق للسودانيين من القصر الذي كان يشغله البشير. وقال المهدي “إذا كان يتطلع إلى دور قيادي فسيكون مقبولا إذا أصبح مواطنا مدنيا وإذا اتجه حينذاك إما لتشكيل حزب وإما للانضمام إلى حزب يعتقد أنه أقرب إلى أفكاره”.
مشاركة :