لم تكن الخطوة المصرية باتجاه التقدم بطلب استضافة بطولة الأمم الأفريقية “كان 2019” بعد قرار سحبها من الكاميرون، تعبر عن رغبة رياضية بحتة في استضافة حدث رياضي كبير في القارة السمراء، غير أن الأمر انطوى على أهداف سياسية واقتصادية دفعت للمجازفة وتحمل مسؤولية التنظيم خلال مدة لا تتجاوز أربعة أشهر، ما أعطى أهمية أكبر لدور الحكومة المصرية ممثلة في وزير الشباب والرياضة النشط أشرف صبحي. أدركت الحكومة مبكرا أن تسليط الأضواء على مصر عبر كرة القدم، والتي كانت مؤشرا لعدم الاستقرار بعد حادثتي 2012 و2015 وراح ضحيتهما مئة من المشجعين، مسألة ملحة للغاية، ولا بد من تبديد المخاوف التي تحيط باللعبة الشعبية الأولى في العالم والتي يتعلق الناس بها كثيرا في مصر، لكنها كانت بحاجة إلى فرصة تستغلها بشكل جيد. ولتحقيق هذا الهدف تم اختيار شخصية تستطيع أن توجه بوصلتها في المسار السليم، وبدا أن تسمية أشرف صبحي في التشكيل الوزاري قبل عام تقريبا كانت استعدادا لإحداث تغيير في المنظومة الرياضية، وجاءت استضافة البطولة الأفريقية الأهم في القارة كمحك مهم للرجل. ارتباط صبحي ببطولة الأمم الأفريقية المقامة حاليا في مصر لا يتعلق فقط بمنصبه كوزير للشباب والرياضة، لأنه أحد القلائل الذين لديهم خبرات محلية ودولية في مجال الإدارة الرياضية في مصر، بالتالي فقرار استضافة البطولة قبل وقت قصير من انطلاقها جرت دراسته بعناية من جانبه، واعتبرها هدية من السماء لتأكيد جدارته. ولم يترك شيئا للصدفة منذ إسناد المسؤولية إليه، ورفض إدارة ملف الرياضة خارج منظومة الاحتراف الإداري الذي أضحى جزءا من شخصيته تأثرا بفترة دراسته وعمله بالخارج ومعايشته للاتحاد الإنكليزي لكرة القدم لفترة من الزمن. وحين كان مسؤولا سابقا في اتحاد الكرة المصري، وقف صبحي خلف فكرة ترشيح حسن شحاتة المدرب الأسبق لمنتخب مصر لكرة القدم، وهو المدرب الأكثر إنجازا في تاريخ كرة القدم المصرية، بعد أن حصل على ثلاث بطولات أفريقية متتالية أعوام 2006 و2008 و2010، وأضيف هذا الاختيار إلى بعد نظر ونزاهة وجدارة صبحي. محاور للنجاحعمل وزير الشباب بدأب شديد لضمان نجاح تنظيم البطولة، مرتكنا على ثلاثة محاور رئيسية، أولها: تهيئة البنية التحتية لاستضافة البطولة بمعايير تكنولوجية حديثة تشي بأن مصر تسير على طريق التطور، والثاني: يتعلق بالتأمين المعقد والذي تطلب تسهيل دخول وخروج الجمهور الغائب عن الملاعب منذ ست سنوات وضمان عدم حدوث شغب يتسبب في انتكاسة رياضية جديدة، والمحور الثالث يرتبط بالجانب التسويقي للبطولة. درس صبحي التسويق الرياضي وحصل على درجة الدكتوراه، وعمل في المجال ذاته داخل أندية عربية ومصرية، وأبرز ما يميز البطولة الحالية أنها نجحت في الإبهار بداية من قرعة تصنيف المجموعات وحتى حفل الافتتاح في 21 يونيو. لكنه تمكن من إخفاء انحيازاته الرياضية، فهو معروف أنه من منتسبي فريق الزمالك المصري، المنافس اللدود للنادي الأهلي، ونجح في التعامل مع منظومة كرة القدم كمسؤول كبير في الحكومة، بعيدا عن أي انتماءات كروية، الأمر الذي ساعده على الاستفادة كثيرا من وفرة الحماس الوطني لدى الجمهور، بعد أن تمكن من استقطاب الجميع نحو هدف واحد يتعلق بتوفير البيئة المناسبة لنجاح البطولة الأفريقية. تسعى الحكومة من خلال هذه البطولة إلى التركيز على جودة الصورة المقدمة للدولة، ونجحت الحملات الإعلامية التي سبقت انطلاقها في لفت الانتباه إلى تطوير الملاعب والحجز الإلكتروني للتذاكر والمناطق السياحية التي تقع في محيط المدن التي تستضيفها، للدرجة التي غطت على أزمة فقدان الملاعب المصرية للوجود الجماهيري بشكل منتظم منذ سنوات، وتجاوز مشكلة شراء تذاكر البطولة التي واجهت انتقادات لارتفاع أسعارها. نظر وزير الشباب والرياضة إلى المسألة من ناحية أخرى، فهو يعول على إجراءات التسويق المتبعة لأن تصل البطولة إلى 2 مليار مشاهد حول العالم، وتحقق الحكومة هدفها في تصدير انطباع هادئ ومستقر عن البلاد، بعيدا عن الصورة النمطية التي ارتبطت بالعمليات الإرهابية التي تقع بين حين وآخر في سيناء أو غيرها، وبدت فيها الدولة كأنها عاجزة عن توفير الأمن التام للمواطنين. تعامل صبحي مع البطولة الأفريقية على أنها منقذ لسمعة الدولة أولا، وأنها ستضاف إلى رصيده المهني ثانيا، وحرص على التأكيد دوما على أهمية الارتقاء بأجهزة الدولة وتطوير أدواتها، واستعان بخبرات متعددة في مجالات مختلفة، من أجل أن تنتهي الاستعدادات مبكرا ويعزز الانطباعات الإيجابية في قدرته على الإنجاز السريع، وكان حاسما في اختيار الشركات التي أشرفت على تطوير الملاعب في بطولة كأس العالم بروسيا لتكون نظيرتها المصرية على مستوى لائق، وهو ما ظهر أمام الجميع، حيث بدت الملاعب في صورة عالمية. حلول جذريةكان التوجس من الحضور الجماهيري الكثيف في المباريات خاصة تلك التي يكون فيها المنتخب الوطني المصري طرفا فيها، لكنها مرت بسلام، وبقي التوجس الثاني بعد انتهاء البطولة، لأن وزارة الداخلية لديها حساسية مع روابط الألتراس التي تنشط ويزداد ظهورها في مباريات الأندية المحلية، وهو التحدي الكبير الذي سيواجهه صبحي الفترة المقبلة، في ظل عدم تمتع جميع الملاعب التي تقام عليها بطولة الدوري بالبنية التكنولوجية. يطغى أحيانا احترافه رياضة الكاراتيه التي اعتزلها عام 1997 على قراراته التي تكون متزنة في ظاهرها وحاسمة في توقيتاتها، ففي جميع الأزمات لم ينغمس في التفاصيل التي تركها لاتحاد كرة القدم، وكان يتدخل فقط عندما تصل الأمور إلى مرحلة “اللاحل”، ما ساهم في تجاوز عقبات عديدة. استطاع صبحي أن يخمد فتنة كادت تؤثر على مسار وسمعة بطولة أمم أفريقيا قبل انطلاقها، بعد أن هدد فريقا الأهلي والزمالك بالانسحاب من بطولة الدوري، حال عدم الاستجابة لمطالب كل منهما، فالأهلي صاحب الشعبية الأكبر في مصر رفض استمرار الدوري المحلي إلى ما بعد نهاية بطولة كأس الأمم، والزمالك أصر على عدم خوض مبارياته قبل البطولة في غياب الدوليين. وتعقدت الأمور بين الفريقين واتحاد الكرة إلى درجة وصلت إلى تهديد هاني أبوريدة رئيس الاتحاد المصري لكرة القدم بإلغاء بطولة الدوري المحلي برمتها، قبل أن يتدخل وزير الرياضة الذي أخذ عهدا على نفسه بالفصل بين انتمائه للزمالك وبين مصلحة كرة القدم المصرية، ما كان له الأثر الإيجابي في إقناع الأهلي بالتراجع عن الانسحاب والاستجابة لمطالبه المرتبطة بعودة الجمهور إلى الملاعب والاستعانة بتقنية “الفار”، وتشكيل هيئة من روابط الفرق لإدارة بطولة الدوري العام المقبل. خطة تطوير وخصخصة ما يأخذه البعض على صبحي أنه لم يحاول الوصول إلى حلول جذرية لنبذ التعصب والتطرف الرياضي حتى الآن، وكان مشاركا في المبادرات التي أطلقتها جهات تنفيذية عدة بالدولة من دون أن يكون هو الجهة التي تدعو إليها، غير أن آخرين يرون أنه يدرك جيدا أن المشكلة تكمن في رؤساء الأندية ولا أمل في الوصول إلى حلول وسط المعارك الكلامية المشتعلة، وأن الابتعاد يكون أفضل طريق لتفادي الحرج المتوقع. لدى وزير الشباب والرياضة خطة بعيدة المدى لتطوير كرة القدم ترتبط بتحويل الأندية إلى شركات استثمارية والاتجاه نحو خصخصتها، ليس من خلال بيع أصولها، لكن من خلال طرح الجزء الأكبر من أسهمها للمستثمرين أو ما يسميه “بالخصخصة الجزئية”، وتلك الرؤى تظل نظرية حتى الآن وبحاجة لتعديل في قانون الرياضة، وتشجيع تلك الثقافة في أوساط الجمعيات العمومية لدى الأندية. يروج صبحي لأحلامه عبر المؤتمرات التي يعقدها بشكل دوري لمناقشة أوضاع الرياضة بشكل عام وبحث سبل تطويرها، ويرتكن غالبا على التجربة الإسبانية كأقرب النماذج القابلة للتطبيق في مصر، وتقوم على خصخصة 48 بالمئة من المشروعات الرياضية مقابل احتفاظ الحكومة بنسبة 52 بالمئة، إلى جانب وضع معايير اللاعب المحترف واكتشاف ورعاية الناشئين والتركيز على جميع الألعاب وليس فقط كرة القدم. صبحي يروج لأحلامه عبر المؤتمرات التي يعقدها بشكل دوري لمناقشة أوضاع الرياضة بشكل عام وبحث سبل تطويرها، ويرتكن غالبا على التجربة الإسبانية كأقرب النماذج القابلة للتطبيق في مصر، وتقوم على خصخصة 48 بالمئة من المشروعات الرياضية. أطلق العام الماضي العنان للاستفادة من المواهب الرياضية، من خلال مشروع الألف محترف، والذي أسند الإشراف عليه إلى محمد حسام “ميدو” لاعب المنتخب الوطني المحترف السابق في نادي أياكس أمستردام الهولندي، في محاولة ليكون لدى مصر أكثر من نجم مثل محمد صلاح لاعب ليفربول الإنكليزي. مع أن لدى الوزير قناعة بأن الرياضة ليست فقط كرة القدم، فهو يوجه القدر الأكبر من اهتماماته باتجاه الألعاب الأخرى الجماعية والفردية التي بحاجة إلى دعم الجهات التنفيذية بالدولة، وتبنى استضافة مصر لبطولات لم تنظمها من قبل. ويظل الدور الأكبر الذي تقوم به الحكومة عبر وزيرها الملقب بين العاملين داخل وزارته بـ”الوزير المكوكي أو الطائر” لسرعة تنقله بين المحافظات المصرية، والحرص على تطوير الآلاف من مراكز الشباب الموجودة في القرى والنجوع، وفقا لاتجاه يرمي إلى تحويل المراكز لمناطق استثمارية تمول نفسها في ظل العجز التمويلي الرسمي. تصطدم هذه الرؤى بعدم وجود إدارة للموارد البشرية في الرياضة، واتخاذ قرارات الترقيات والتعيينات وفقا للهواية والمزاج الشخصي، ما يراه صبحي سببا في أن يكون “الحاج فلان (كدليل على أي شخص غير مؤهل)” رئيسا لأحد الأندية أو إحدى المناطق، ما يفرز حاجة لمزيد من العمل الشاق حتى تنعكس عمليات التطوير التي شهدها ثلاثة آلاف مركز على مستوى الجهورية على جذب الصغار للرياضة بشكل عام. تتجاوز التحركات التي يقوم بها الرجل في الأقاليم المصرية حدود تشجيع الرياضة ورعاية المواهب، وتبدو في خضمها حاضرة بعض الأهداف المجتمعية والسياسية، لأن الحكومة تتبنى خطة تقوم على مواجهة التطرف بمشروعات تنموية عدة يدخل في أساسها المجال الرياضي ليكون بديلا عن جعل الصغار أسرى لأفكار التنظيمات المتشددة التي مازالت تتواجد في مناطق رخوة ومهمشة في المحافظات النائية. تحاول الحكومة قطع الطريق على الأهداف السهلة التي تريد اختراقها التنظيمات المتطرفة، وبدأت في وضع خارطة شاملة للاستثمار الرياضي اتفق عليها وزير الرياضة مع وزارة الاستثمار لإدراج المنشآت الشبابية والرياضية ضمن خطط جذب المستثمرين، بغية إدخال تغييرات شاملة على المنشآت التي لا تقوم بدورها الرياضي والفكري. مشروع قومي مُنحت الفرصة لوزير الشباب لينطلق نحو تحويل الرياضة إلى مشروع قومي يحقق جملة من الأهداف، ولذلك فتحت أمامه الأبواب لتلقي طلبات الشباب الراغب في المشاركة في أي من المؤتمرات الشبابية التي تنظمها وترعاها مؤسسة الرئاسة المصرية وتعتبرها مشروعا مهما لربط قطاعات كبيرة من الشباب بالدولة المصرية. يظل صبحي رقما صعبا في العلاقة بين الحكومة والشباب، ويتم التعويل عليه في تقديم خدمات فاعلة للشباب تقربهم من مؤسسات الدولة، متماشيا مع الخط الذي ترسمه الحكومة بعدم إدخال السياسة في النقاشات داخل مراكز الشباب، بعد أن عدلت من قوانين إنشائها في وقت كانت تقوم فيه بأدوار إيجابية على مستوى التوعية، الأمر الذي يستلزم تحويل وزارته من مؤسسة خدمية فقط إلى هيئة اقتصادية وخدمية معا. وما يدفع نحو بقاء صبحي في منصبه لفترة أطول، أنه أصبح مرتبطا بتنفيذ بعض المشروعات الرياضية الطموحة، كما أن لديه فكرا وخططا يريد تنفيذهما دون إثارة مشكلات حوله، وما يعطيه ميزة إضافية أنه يعمل لتحقيق إنجازات ملموسة على الأرض، ويرفض دوما أن يكون مجرد ديكور أو بلا فائدة، الأمر الذي ظهرت تجلياته عندما تقدم باستقالته بعد أن شغل منصب مساعد وزير الشباب والرياضة عام 2016، لتيقنه أن رؤيته لا محل لها من التطبيق مع وجود الوزير السابق خالد عبدالعزيز، وتبدو الفرصة الآن مواتية أمامه ليترك بصمة على الشباب والرياضة في مصر، قد تضاهي الوزير الأسبق عبدالمنعم عمارة، وقت حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، والذي لا يزال الناس يتذكرون دوره في تطوير المنظومة الرياضية بمصر.
مشاركة :