الاثنين قبل الماضي كنت على موعد مع قرابة ثلاثين زميلًا قديمًا قِدَم حياة معظمنا. إنّهم زملاء نصف قرن مضى، عاصرنا 6 ملوك من أبناء المؤسس سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله وسلمان. بالنسبة لمعظمنا كانت اللقيا من المستحيلات السبعة، فرياح الحياة بكل تعقيداتها ومشاغلها لم تترك للشمل الملموم كثيرًا يُذكر، إذ تفرّق حتى القرابة من أبناء العمومة والخؤولة فضلًا عن أصدقاء الزمن الغابر. هؤلاء هم طلبة المرحلة المتوسطة الذين جمعتهم مقاعد الدراسة في متوسطة البحر الأحمر في حي الهنداوية في جدة، ثم تفرّقت بهم السبل وندر بينهم التواصل حتى كانت المناسبة التي جمعت بين صغار الأمس، كهول اليوم. كان الموعد مضروبًا للاحتفاء بأحد معلمي هذه النخبة القديمة الذي حل ضيفًا من السودان الشقيق على البلد العتيق. أستاذنا/ أحمد محمد الخاتم كان يعلّمنا الحرف الأجنبي الذي هو لغة العلم السائدة اليوم. كان مربيًا فاضلًا قبل أن يكون معلمًا حاذقًا. لذا استبشر الرهط القديم بالأستاذ القديم، الأستاذ الذي يوشك على ولوج عتبة العقد التاسع من عمره المديد بإذن الله. أكاد أجزم بأن التقاء من هذا الطراز نادر، واجتماعًا بهذا الحشد فريد. ما أروع أن تسترجع الذكريات التي جرت أحداثها قبل 50 عامًا وزيادة. وما أشق على الذاكرة إعادة برمجتها لتستخرج من أعماقها ذلك الشريط الطويل الذي يوشك على الاهتراء والذوبان، إذ ضاقت مساحات التخزين بأحداث تالية ومواقف متعددة. بعد مرور نصف قرن قد لا يسهل على الذاكرة المنهكة استرجاع الصوت والصورة كما الشخص والاسم، لكن معظم الحاضرين فعلوا ولله الحمد. وحتى الذين قضوا نحبهم وحلّوا ضيوفًا على الرحمن ربهم، ذُكروا بالخير ودُعي لهم بالمغفرة. والالتفاف حول معلم قديم ومربٍ جليل فرصة رائعة وحدث بالنسبة لمعظمنا عظيم، فيه عبق الطفولة وجمال الماضي وبساطة الحياة، بل ومن أروع ما فيها.. الاجتماع بعيدًا عن المصالح وقريبًا من الصفاء والنقاء، وهما صفتان عزيزتان اليوم. يُشكر للمعلم أحمد الخاتم الذي بفضله اجتمعنا، وبالذي يسّر حضوره إلى المملكة، وبالذي رتّب اللقاء، وبالذي رعى اللقاء مدير المدرسة لاحقًا الأستاذ/ جابر أبوالسعود. salem_sahab@hotmail.com
مشاركة :